غلاف ال « إيكونومست » عام 2006 المطبوعة : مجلة «ذا إيكونوميست» بريطانيا التاريخ: عدد 26 أغسطس1 سبتمبر 2006 العنوان الرئيسي: «هو كيلد ذا نيوزبيبر؟» (من قتل الصحيفة؟) خلفية: خصصت مجلة «ذا ايكونوميست» قصتها الرئيسية لمناقشة قضية صراع الإعلام «الجديد» و«القديم» التي تثير جدلا مستمرا، وتناولت في طرحها وقائع حديثة خاصة بقطاع بالصحف تعطي مؤشرات على فقدان الصحف لقوتها، سواء من الناحية التجارية او من ناحية التأثير. اللافت في غلاف المجلة، هو طريقة كتابة العنوان الرئيسي باللغة الانجليزية، حيث استخدم مصمم الغلاف حرفا من اسم واحدة من مجموعة من ابرز الصحف عالميا، بحيث يبدو وكأن الحرف أو الكلمة هي قصاصة من اسم الصحيفة، الذي يظهر على صفحتها الاولى. وعلى سبيل المثال حرف «اتش» هو من اسم صحيفة «هيرالد تريبيون» وكلمة «ذا» هي من صحيفة «ذا نيويورك تايمز». اضافة الى ذلك فإن طريقة قص الأحرف من الصحف كانت معتمدة بين المجرمين في السابق في رسائل التهديد كي لا يكتبوا بأيايدهم وبالتالي تعرف هويتهم. ربما كان من السابق لأوانه آنذاك الإجابة عن هذا السؤال. لكن مما لا ريب فيه اليوم أن الصحف في أرجاء مختلفة من العالم تواجه فترة عصيبة. وفي الولاياتالمتحدة حيث بلغت أزمة الصحف أوجّها، فإن من يُلام غالباً على ما آلت إليه الصحف هو كريغ نيومارك مؤسس «كريغليست»، شبكة من المواقع الإلكترونية للإعلانات المبوّبة معظمها مجانيّ الاستعمال . وكانت أُطلقت على نيومارك جملة من الألقاب ، من بينها « قاتل الصحيفة» و« مفجّر الصحافة»... السبب أن شعبية «كريغليست»، تاسع أشهر موقع إلكتروني في الولاياتالمتحدة، قد أسهمت في تراجع حادّ في الإيرادات التي كانت تجنيها الصحف من الإعلانات المبوّبة التي شكّلت طوال العقود الماضية مجالاً استطاعت فيه صحف كثيرة تشكيل شركات احتكار محلية. وعندما تنظر إلى نيومارك جالساً في أحد مقاهي سان فرانسيسكو، لا يبدو لك هذا الرجل كقاتل أو مجرم. وحين تسأله عما إذا كان هو من قتل الصحف؟ يجيبك وهو يبتسم قائلاً: «يحمل هذا السؤال مبالغة كبيرة». التراجع في إيرادات الإعلانات المبوّبة الذي تسبّب به الإنترنت، ليس إلا أحد الأسباب الكامنة وراء تراجع الصحف في الولاياتالمتحدة الذي بدأ منذ عقود عدة ( أنظر الرسم البياني رقم 2). فبروز الأخبار التلفزيونية الذي تلاه ظهور القنوات الفضائية أغريا القرّاء والمعلنين وصرفا اهتمامهم عن الصحيفة. ويضاف إليهما الإنترنت الذي ظهر في التسعينيات من القرن الماضي. وعليه، نما جيل جديد من القراء راح يستقي الأخبار من التلفزيون والإنترنت اللذين يعدان اليوم مصدرَي الأخبار الجديدين الرائدين في الولاياتالمتحدة (تفوّق الإنترنت على الصحف في عام 2010 وأصبح اليوم أكثر مصدر شعبيةً بين من هم دون سن الثلاثين). شكّلت هذه التحوّلات التكنولوجية ضربة قوية للصحف الأميركية تحديداً لأن هذه الأخيرة تعتمد على نحو كبير على الإعلانات لتحقيق إيراداتها. وبحسب استطلاع أجرته «منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية» التي تضم الدول المتقدّمة، شكّلت إيرادات الإعلانات نسبة 87% من إجمالي الإيرادات التي حقّقتها الصحف الأميركية مجتمعةً في العام 2008، مسجّلة أعلى نسبة بين البلدان المستطلعة. لكن في عامَي 2009-2008، أثّر الركود الاقتصادي سلباً على مسار عمل الصحف. ففي خلال الفترة الممتدة بين 2007 و2009، انخفضت إيرادات الصحف في فرنسا بنسبة 4%، وبنسبة 10% في ألمانيا، وبنسبة 21% في بريطانيا. أما في الولاياتالمتحدة، فتراجعت بنسبة 30%. بالإضافة إلى ذلك كلّه، عرف قطاع الصحف الأميركية سلسلة من عمليات الدمج والتملّك التي تركت شركات كثيرة مثقلة بديون كبيرة ودفعت عدداً منها إلى الإفلاس. ويبدو اليوم أن الصحف الإقليمية الأميركية وتلك التي تباع في منطقة المترو ستعمد إلى تخفيض عدد موظّفيها أو إلى إغلاق أبوابها أو إلى الاندماج مع صحف أخرى. وبالتالي، إذا ما قارنّا وضع الصحف الحالي بوضعها في الماضي، نجد أنها أصبحت اليوم أكثر اعتماداً على احتكار الإعلانات المحلية. في هذا السياق، يقول جوشوا بانتون رئيس «مركز نييمان للصحافة» في جامعة هارفرد: «تكمن المشكلة الحقيقية التي تواجهها مؤسسات إخبارية أميركية كثيرة في أن نطاق انتشارها رهنٌ بجغرافيا البلد، أي بمدى المسافات التي تستطيع الشاحنات اجتيازها لتسليم الصحف صباحاً». وقد قوَّض الإنترنت نموذخ العمل هذا من خلال تقديمه بدائل للمعلنين والقرّاء على حدّ سواء. لصحّة الصحف وعافيتها أهمية خاصة لأنها تميل إلى تحديد جدول أعمال سائر الوسائل الإعلامية وتساهم في توظيف معظم الصحافيين. ففي الولاياتالمتحدة مثلاً، كانت شبكات التلفزيون الوطني تضمّ، في عام 2009، نحو 500 صحافي في حين أن الصحف اليومية كانت تضم ما يزيد على 40000 صحافي (علماً أن عددهم كان 56000 صحافي في عام 2001). لكن سيكون من الخطأ الاستنتاج، من المشاكل التي تعانيها الصحف الأميركية، أن ثمة أزمة صحف وأخبار في أنحاء العالم كافة. في الإطار نفسه، يقول لاري كيلمان، نائب رئيس «الجمعية العالمية للصحف»، هيئة معنيّة بشؤون الصحف والمؤسسات الإخبارية: «من بين دول العالم كافة، تُعتبر حالة الصحف في الولاياتالمتحدة الأميركية الأسوأ، وبما أن الكثير من الأخبار الإعلامية يصدر من هناك فلا بد من أن يؤثر ذلك سلباً على قطاع الصحف العالمي. لكن في المقابل، ليس للتجربة الأميركية مثيل في أي مكان آخر من العالم». وفي هذا الصدد، يقول دايفيد ليفي، مدير معهد رويترز لدراسة الصحافة في جامعة أوكسفورد: «يفترض البعض أن ثمة أزمة واحدة تؤثر على جميع المؤسسات الإخبارية، لكن لا يعبّر هذا الافتراض عن واقع الحال. في الحقيقة، تختلف أنواع الأزمات الصحافية من بلد إلى آخر، كذلك يشهد بعض البلدان النامية توسعاً عوضاً عن التراجع». على صعيد آخر، سيتعيّن على الصحف في أوروبا الغربية إدراة أزمة طويلة المدى عوضاً عن معالجة محنة قصيرة الأمد. ففي ألمانيا التي تضم أكبر سوق للصحف، لا يعتبر تراجع إيرادات الصحف بنسبة 10% في خضم أسوأ ركود اقتصادي حصل منذ جيل، «نتيجة كارثية» على حدّ تعبير راسموس كليس نيلسون، زميل ليفي في معهد رويترز وشاركه في إعداد كتاب صدر أخيراً بعنوان «تغيّر العمل الصحافي وتداعياته على الديمقراطية» ( The Changing Business of Journalism and its Implications for Democracy). لا يعني هذا أن القطاع الصحافي الألماني محصّن ضد التغيرات الطويلة الأمد. لكن يقول نيلسون: «عموماً، يتمتّع القطاع الصحافي الألماني بجمهور كبير ووفيّ، وبأسماء تجارية عريقة، وبموارد تحريرية كفيلة بإدارة المرحلة الانتقالية تلك». فالكثير من الصحف الأوروبية مملوك من عائلات، الأمر الذي يساعده في حماية نفسه في الأوقات الصعبة. في اليابان التي تعد موطن الصحف اليومية الثلاث الأكثر مبيعاً في العالم (تبيع صحيفة Yomiuri Shimbun لوحدها أكثر من 10 ملايين نسخة في اليوم الواحد)، تسجّل الصحف نسبة تداول جيّدة ويعود ذلك جزئياً إلى حقيقة أن ما يزيد على 94% من الصحف يباع بواسطة الاشتراكات. لكن ثمة مشاكل تلوح في الأفق، ذلك أن الشباب الياباني لا يشارك الجيل الأكبر منه حبّ قراءة الصحافة المطبوعة، وأن إيرادات الإعلانات تنخفض مع تقدّم السكان في العمر. في روسيا، ارتفع عدد الصحف بنسبة 9% في عام 2009، لكن تعتبر إيلينا فارتانوفا، عميدة كلية الصحافة في جامعة موسكو الحكومية، أنه لا ضير في أن يتوقّف بعض هذه الصحف عن العمل، لا سيما تلك «عديمة الفائدة» التي هي مجرّد أبواق للسلطات المحلية التي تموِّلها. ففي هذا البلد، يتحكّم الكرملين ب60% من الصحف الروسية ويملك حصصاً في كلّ من المحطات التلفزيونية الوطنية الست. وفي بلد اعتاد أن تكون فيه الصحف أدوات بروباغاندا، تقدّم مواقع الإنترنت الإخبارية فرصة لطيّ صفحة الماضي. لكن ثمة انقسام واضح في المجتمع الروسي ما بين الجيل الشاب الذي يفقه في أمور الإنترنت، وبين الريفيين المسنّين الذين يعتمدون على القنوات التلفزيونية التي تديرها الدولة لمتابعة الأخبار. تعطّش إلى الأخبار مما لا شك فيه ألا دلائل على وجود أزمة أخبار في الهند التي تعدّ اليوم سوق الصحف الأسرع نمواً في العالم. وبحسب الجمعية العالمية للصحف، سجّلت الفترة ما بين عامي 2005 و2009 ارتفاعاً في عدد الصحف اليومية المدفوعة في البلاد بنسبة 44% ليصل عددها إلى 2700 صحيفة، كذلك ازداد عدد الصحف الإجمالي بنسبة 23% ليتخطى ال74000 صحيفة. وفي عام 2008، تفوّقت الهند على الصين لتصبح الرائدة في مجال تداول الصحافة اليومية المدفوعة ببيعها 110 ملايين نسخة يومياً. ووفقاً لشركة «نييلسين إنديا» المتخصصة في دراسة أحوال السوق، ارتفعت نفقات الصحف والمجلات الإعلانية بنسبة 32% سنوياً حتى شهر يونيو 2010. كذلك تحقّق الأخبار التلفزيونية انتشاراً ملحوظاً: فمن بين أكثر من 500 قناة فضائية أُطلقت في الهند خلال السنوات العشرين الماضية، ثمة 81 قناة إخبارية. في هذا الإطار، تقول دايا ثوسو من جامعة ويستمينستر في لندن إن القطاع التلفزيوني يخضع لهيمنة الشركات الخاصة المهتمّة بوسائل الإعلام الإخبارية والترفيهية على حدّ سواء لذا يتم التركيز على تغطية حياة المشاهير بصورة مثيرة وعلى طريقة «البوليوود». معظم المؤسسات الإخبارية متحيّز بشكل صريح وعلني. وبفضل الكثافة السكانية الكبيرة التي تتمتع بها الهند، ثمة مجال متاح أمام وسائل الإعلام المطبوعة كي تنمو وتتطوّر خلال السنوات المقبلة. يقول كيلمان: «عندما يحضر الناشرون الهنود المؤتمرات الصحافية، غالباً ما نسمعهم يشتكون من أن الصحف تصدر كثيراً بشكل نسخ إلكترونية ولا تصدر بما فيه الكفاية بشكل نسخ مطبوعة». في المقابل، يتساءل ليفي: هل سيكون الاهتمام الكبير الذي تبديه كلّ من الهند والبرازيل السريعتَي النمو في مجال الأخبار، ظاهرة قصيرة المدى سيقوّضها انتشار الإنترنت؟ تشكّل الصين هي أيضاً سوقاً يزخر بالوسائل الإخبارية التي تنمو على نحو سريع، علماً أن الدولة كانت قد عمدت إلى تشديد الرقابة على هذه الوسائل في الأشهر الماضية. في الواقع، لم تسمح الدولة الصينية بإنشاء وسائل إعلامية خاصة إلا في التسعينيات من القرن الماضي. يقول دايفيد باندورسكي من جامعة هونغ كونغ إن تضافر عوامل عدة كتغير البنية الاجتماعية، تزايد دهاء القراء، ازدهار سوق الإعلانات، والحاجة إلى التوفيق بين مصداقية الإعلام لدى القراء ورقابة الدولة، كلّها أمور أوجدت جواً مضطرباً للغاية. ويتوجّب بالتالي على الشركات الإعلامية أن تترنّح بمهارة ما بين «خط الحزب السياسي ونهج الوسيلة الإعلامية» مع الإشارة إلى أن هذه الجملة البارزة تعود إلى أحد محللي المشهد الإعلامي الصيني زاو يويزي. تسمح الدولة رسمياً بممارسة صحافة مراقبة النظام المعروفة باسم «صحافة الإشراف من الرأي العام»، لكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع نلاحظ أن المؤسسات الإخبارية تحرص على تفادي التعرّض لمسؤولي الحزب المحليين. وفي ما مضى، كان المراسلون يمارسون صحافة مراقبة النظام من خلال عرضهم الممارسات الخاطئة المرتكبة في الأقاليم الصينية الأخرى إلا أن الدولة سرعان ما وضعت حداً لذلك بفرضها حظراً على عملية إعداد التقارير من «مختلف الأقاليم الصينية». هكذا، لم يعد يستطيع الصحافيون اليوم البحث عن المعلومات لإعداد تقاريرهم سوى في مجالات معيّنة يسمح بها المسؤولون وإلا توجّب عليهم الاستعانة بعلاقاتهم السياسية الشخصية لتأمين التغطية الإعلامية الكافية. تشير يينغ شان، عميدة كلية الصحافة في جامعة شانتو في الصين، إلى ظهور تقنية جديدة اشتهرت في الصين على وجه الخصوص خلال عام 2010 وتكمن في استعمال خدمة المدونات الصغيرة لنشر المعلومات على شكل ملفات صغيرة. وبما أن السلطات الصينية كانت قد حظّرت استعمال موقع «تويتر» الإلكتروني، يعمد الناس إلى نشر معلوماتهم باستخدام نسخات محلية من خدمة المدونات الصغيرة. ويشيع استعمال هذه الخدمة في الصين لأنه يمكن النفاذ إليها عن طريق الهواتف المحمولة المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، ولأن الأحرف الصينية تسمح بكتابة مقطع كامل في رسالة صغيرة. بالإضافة إلى ذلك، تصعب مراقبة رسائل المدونات الصغيرة لأنه لا يمكن فهم معناها إلا بعد قراءتها جميعاً وفقاً لترتيب معين. وختاماً، تصف شان مستقبل الصحافيين الصينيين ب"الواعد والمحفوف بالمخاطر".