هل أصبحت الحرب على "داعش" أكبر بوابة لإعادة الاستعمار القديم "التقليدي" إلى الشرق الأوسط بأسلحته وعتاده ودوله ومناطق نفوذها ولكن في صورة حديثة وبخارطة عسكرية جديدة، تفرز خرائط جغرافية وسياسية بحدود جديدة.. تساؤل مصيري طرحته أحداث تفجيرات باريس الأخيرة، والتي سيترتب عليها تغيرات جيوسياسية وجيوإستراتيجية هيكلية كبيرة بالمنطقة، وتحت ذريعة داعش تم تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة لمحاربتها في سورياوالعراق، سرعان ما لحق به لتقاسم الكعكة التدخل الروسي لمحاربة التنظيم نفسه بأحدث الأسلحة الروسية، واليوم تؤكد باريس إرسال حاملة الطائرات شارل ديجول إلى شرق المتوسط لمحاربته مع طلب تدخل الاتحاد الأوروبي لمساندتها. فزاعة داعش حرب دولية متعددة المراكز والأهداف يشارك فيها حلفاء اليوم "روسيا وأوروبا وأمريكا" هدفها المعلن محاربة داعش التي سمحت لهم فرادى ومجتمعين تأسيس قواعد عسكرية جديدة وإرسال مستشارين وحاملات للطائرات وإعادة هيكلة جغرافية المنطقة وشكلها وحدودها، في مواجهة تنظيم يتم بشكل ممنهج تضخيم إمكاناته وحجم تأثيره وعناصره، كأنه شبح زئبقي غير مرئي برغم أن الأقمار الصناعية الأمريكية والروسية والأوروبية وطائرات التجسس وأجهزتها الاستخباراتية الضخمة قادرة على تحديد مواقعها ومسحها من على الخريطة إن أرادت خاصة مع وجود قوات برية محلية تقاتل ضد داعش بغطاء جوي أمريكي وروسي وفرنسي، بحسب مراقبين. فكيف عجزت كل هذه القوى الدولية عن تحجيم داعش؟ بل على العكس داعش تتمدد في ليبيا ولبنان ومصر والكويت والسعودية وباريس، وتطلب فرنسا تدخل الاتحاد الأوروبي، أي أن أوروبا كلها بأجهزة استخباراتها وجيوشها ستأتي إلى دول عربية وخليجية كمناطق تمركز واستخدام قواعد عسكرية موجودة أو ناشئة لمحاربة التنظيم إلى جانب القوات الروسية والأمريكية مما يحول هذا التدخل إلى ما يشبه الاحتلال الناعم المستتر ومنطقة للتنافس الدولي حتى يمكن تمريره لشعوب المنطقة على غرار القواعد الأمريكية التي أنشئت أثناء غزو العراق. قواعد عسكرية أجنبية جديدة واختراق المجال الجوي والبحري والبري لدول المنطقة وانتشار غير مسبوق لمستشاريها وأجهزة استخباراتها، في حرب مفتوحة غير محسوبة التوقيت والمكان، ما يعني استنزاف موارد الدول العربية والخليجية التي تشارك بتمويل هذه الحرب، بالإضافة إلى سلسلة من صفقات السلاح المتصاعدة وقاية من فزاعة داعش، والتي تنعش الاقتصاد الغربي. الأمر الذي يثير التساؤل حول من المستفيد من حرب داعش ومن يصعد منها ومن يمدها بالسلاح وكيف تعبر الحدود الدولية ولمن تبيع النفط والآثار، وكيف عجز الغرب عن تجفيف منابع تمويل وتسليح داعش ومنها شركات سلاح وتجار ومافيا دولية، وهل تستحق داعش كل هذه الآلة العسكرية الضخمة الروسية الأمريكية الأوروبية أم أن هذه الآلة تحمل مآرب أخرى لم تتكشف بعد وهل من بينها تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ؟ يشار إلى أن العمليات العسكرية ضد داعش يقوم بها تحالف دولي يقوده الولاياتالمتحدة والتي بدأت أولى ضرباتها في 19 سبتمبر 2014 ، ومر أكثر من عام وداعش تتمدد وتنتشر وتوجه ضربات قاسمة لدول تملك أقوى أجهزة استخبارات وأقمار صناعية وطائرات وأقمار تجسس. حرب عالمية جديدة نذر حرب عالمية غريبة الأطوار جمعت أعداء الأمس في تحالف واحد ضد "داعش" المخترقة أمنيا واستخباراتيا بحسب مراقبين حيث أعلنت باريس أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يعتزم زيارة موسكووواشنطن، الأسبوع المقبل، حيث من المقرر أن يلتقي نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما. دور مرتقب للاتحاد الأوروبي بهياكله الأمنية والعسكرية فقد طلبت فرنسا دعماً عسكرياً من دول الاتحاد الأوروبي، في إطار مكافحة (داعش)، وقال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، الثلاثاء، إن باريس طلبت من دول الاتحاد الأوروبي "مشاركة عسكرية متزايدة في بعض مواقع العمليات في الخارج"، داعياً إلى "دعم فرنسا في مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراقوسوريا، بحسب تلفزيون فرانس 24. يشار إلى أن هناك بند في المعاهدات الأوروبية، ينص على التضامن في حال تعرض إحدى دول الاتحاد لعدوان. آلة عسكرية ضخمة لماذا؟ ما طبيعة وحجم التدخل المرتقب هناك مؤشرات تؤكد أنه سيكون ضخما وغير مسبوق فقد أعلن أمس الاثنين الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أنَّ حاملة الطائرات "شارل ديجول" سوف تبحر يوم الخميس المقبل لتصل شرق البحر المتوسط لتكثيف العمليات. علما بأن قرار إرسال حاملة الطائرات العملاقة "شارل ديغول" جاء قبل حادث باريس بأسبوع في 6 نوفمبر 2015 . وكانت حاملة الطائرات "شارل ديغول" تستخدم كقاعدة للمقاتلات الفرنسية في الخليج ما بين فبراير وأبريل وتشارك فرنسا في الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة بنحو 6 طائرات من طراز ميراج وتتمركز في الأردن، و6 من طراز رافال وتتمركز في دولة الإمارات. ويبدو أن التدخل الروسي العسكري الفج والضخم شجع باقي الدول على التواجد بآلة عسكرية ضخمة خاصة في ظل محاولات تضخيم قوة داعش ونفاذها وتمددها. يعزز ذلك قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن لتنظيم الدولة مصادر للتمويل في أربعين دولة، من بينها العديد من أعضاء دول مجموعة العشرين. وأضاف للصحفيين خلال قمة مجموعة العشرين بأنطاليا التركية أمس الاثنين، أن هذه الدول التي لم يتم الكشف عنها، تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لمنع هذا التمويل، ووقف بيع تنظيم الدولة للنفط والموارد الأخرى. وأفاد يوتين أنه قدم لنظرائه معلومات عن قنوات تمويل "الإرهاب"، وعرض عليهم صورا فضائية تظهر أبعاد اتجار تنظيم الدولة بالنفط. واستطرد: "عرضت على زملائنا كذلك صورا من الفضاء والطائرات تبين بوضوح أبعاد تجارة النفط ومشتقاته غير الشرعية، حيث تمتد قوافل السيارات والناقلات لعشرات الكيلومترات على مد البصر وتشاهد من على ارتفاع 4-5 آلاف متر، ويبدو ذلك كأنظمة أنابيب نفط". وتؤشر تصريحات بوتين على نية لتوسيع دائرة وأماكن الحرب على داعش حيث ستشمل المناطق العسكرية ومناطق نقل وتخزين النفط بما يهدد بكوارث بيئية واقتصادية للدولة نفسها. وتثير تساؤل حول جدية الضربات القائمة ما دامت لدى روسيا القدرة على تصوير حركة داعش بهذه الدقة وبالطبع واشنطن أكثر قدرة فكيف عجزت عن هزيمته عسكريا وإنهاء هيمنته على آبار النفط؟. الاحتلال العسكري الروسي ولماذا فشلت القوات الروسية الضخمة في تحقيق تقدم ضد داعش رغم مرور أكثر من ستة أسابيع على تدخلها في سوريا، ومع تأكيد وجود عمل إرهابي وراء سقوط الطائرة الروسية فمن المحتمل أن تطلب روسيا التدخل في مصر، لمحاربة الإرهاب، وسبقه بأيام تدخل أمريكي بضرب داعش في ليبيا، ما سيجعل السماء العربية مزدحمة بسباق شرس للقوات الدولية ضد عدو زئبقي لم تتحدد بعد ملامحه. فقد أعلنت السلطات في روسيا أن "عملا إرهابيا" كان وراء تحطم الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء الشهر الماضي، والذي أسفر عن مقتل 224 شخصا كانوا على متنها. وفي ظل مسارعة بوتين على حصد مناطق تمركز روسية بالمنطقة هناك مخاوف من إنشائه قواعد عسكرية روسية بمصر على غرار سوريا، فقد كشف مسؤولون أمنيون أميركيون وخبراء مستقلون إن عدد أفراد القوات العسكرية الروسية في سوريا وصل إلى نحو أربعة آلاف، غير أن هذا العدد -إلى جانب الضربات الجوية الروسية التي بدأت قبل أكثر من شهر- لم يؤد إلى مكاسب ميدانية كبيرة لقوات النظام، كما ازداد عدد القواعد العسكرية التي تستخدمها. وأكد كريستوفر هارمر -وهو محلل في معهد دراسات الحرب للأبحاث- أن زيادة القوات الروسية على الأرض توفر أفراد الدعم اللوجستي اللازمين لاستمرار العمليات القتالية ومساندة القوات المقاتلة، وتوقع أن تزيد القوات الروسية عددها إلى 8 آلاف فرد أو أكثر.بحسب رويترز. وتمارس روسيا استعراض القوة العسكرية التي تؤكد قدرتها على الحسم ولكن دون حسم مثلها مثل القوات الأمريكية، فقد أكدت صحيفة "ناشيونال انترست" الروسية، في 26 سبتمبر 2015 أن "تدخل موسكو في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، يمكن أن يحدث تأثيرًا لمشاركتها بأقوى الأسلحة، ومر ستة أسابيع دون حسم رغم استخدام تجهيزات عسكرية كبيرة جداً، ما يثير الشكوك حول حقيقة التواجد العسكري الأجنبي على الأراضي العربية. قاعدة بريطانية دائمة في الأول من نوفمبر الجاري بدأت في البحرين أعمال تشييد أول قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في الشرق الأوسط منذ عام 1971.وشارك وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند وعسكريون من قطاع البحرية في مراسم تدشين العمل على بناء قاعدة إتش إم إس الجُفير في ميناء سلمان. عودة الاستعمار العسكري حول "من صنع الإرهاب في المنطقة؟ وما حقيقة وجوده؟ قال المحلل السياسي السعودي سليمان عبد العزيز العقيلي في حواره مع "شؤون خليجية" في 12 نوفمبر 2015 أن "هذا سؤال عريض وكبير بحجم الظاهرة نفسها.. وبالنسبة لي أعتقد أن المستفيد من الإرهاب هو الذي خلقه.. وعندما ننظر في من يستفيد من الإرهاب حاليًا نجد أن محور إيران هو أبرز المستفيدين، حيث يوظف الإرهاب لضرب القوى السنية الفاعلة بالمنطقة. ولتفجير العلاقات المذهبية في المشرق العربي، بهدف السيطرة على المجتمع العربي. وأضاف العقيلي:"كما أن القوى الأجنبية مستفيدة هي الأخرى، حيث سوقت الإرهاب ذريعة لعودة الاستعمار العسكري والسياسي للمنطقة العربية. وبالنظر لعملياتها في سورياوالعراق نلمس عدم جدية بالقضاء على الإرهاب، إنما يتم توظيف الإرهاب لإدامة الصراعات وإبرام الصفقات السياسية مع الفرس والروس، وصولًا لتفتيت المنطقة العربية". بين 11 سبتمبر مروراً بغزو العراق ووصولاً للحرب على داعش.. سنوات من الدم والدمار والمصير المجهول لجيوش وثورات وشعوب المنطقة ونزيف دائم لم يتوقف، فأي مستقبل ينتظر المنقطة العربية؟.