يستمر مسلسل اضطهاد المملكة السعودية للعلماء والدعاة، الذين يصرحون بآراء مخالفة لسياسة المملكة؛ وذلك تأكيدًا لسياسة الصوت الأوحد وتكميم الأفواه الذى تمارسه السلطات السعودية ضد المخالفين معها فى الرأى؛ حيث تنتهك السلطات المواثيق والمعاهدات الدولية التى تنص على احترام حرية الرأى والتعبير. وكان اعتقال الداعية السعودى الشهير الشيخ محمد العريفى، يوم الجمعة الماضى، هو آخر حوادث اضطهاد الدعاة بسبب آرائهم، حيث تحدثت مصادر أمنية عن إيقاف العريفى، وتحويله للتحقيق وذلك بعد التغريدة المثيرة للجدل التى قام بنشرها منذ عدة أيام، والتى انتقد فيها تنظيم موسم الحج، وخاصة القطار المخصص لنقل الحجاج، والذى أدت لقيام مذيع فى القناة الأولى السعودية بالهجوم على الشيخ العريفى وشتمه؛ واصفا إياه بالشخص الحاقد على المملكة. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها التحقيق مع العريفى؛ حيث سبق التحقيق معه بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين بعد حديثه عن الوضع الداخلى فى مصر، وعن الانقلاب العسكرى على أول رئيس مدنى مصرى منتخب، الدكتور محمد مرسى، وتم إرسال تحذيرات شديدة اللهجة للشيخ محمد العريفى، وتعهدات بعدم الحديث عن مصر مرة أخرى وهذا ما تم بالفعل. وفى أغسطس الماضى، قامت السلطات السعودية بترحيل الشيخ الداعية توفيق الصائغ، إمام وخطيب مسجد اللامى بجدة، وإبعاده من المملكة العربية إلى بلده الأم "إرتيريا"؛ حيث أكدت مصادر مقربة من الصائغ أن القرار جاء؛ نتيجة القلق من خطاب الشيخ القوى والجرئ فى التفاعل مع قضايا الأمة الأخيرة، ومن بينها العدوان الأخير على حرب غزة؛ وذلك بعد إلقائه خطبًا جريئة فى تأييد المقاومة الفلسطينية، خلافًا للموقف الرسمى السعودى، كما أنه فى السابق اتخذ موقفًا معارضًا لمجزرة رابعة العدوية، وتألم حد البكاء على شهدائها.
كما قامت السلطات السعودية باستدعاء الداعية الإسلامية الدكتور محسن العواجي للتحقيق، في شهر يوليو 2013، بسبب وصفه لأحداث 3 يوليو في مصر بالانقلاب العسكري، ومطالبته بتوقيع عريضة تُطالب بعودة الرئيس المصري محمد مرسي للحكم. لم يكن هؤلاء الدعاة هم أوائل ضحايا التعبير عن الرأى فى المملكة السعودية؛ حيث يقبع الداعية السعودى سعود عبيد القحطانى، فى السجون السعوية منذ مايقرب من 23 سنة، وذلك بعد تعرضه للاعتقال فى المدينةالمنورة عام 1991، بتهمة توزيع منشورات ضد الحكومة السعودية. ويوصف القحطانى بأنه "عميد المعتقلين السياسيين" داخل السجون السعودية؛ حيث قضى سنوات سجنه من دون أن توجه له أى تهمة، ولم يسمح له بتوكيل محام؛ ليحكم عليه لاحقا بالسجن مدة 18 عامًا، والتى انقضت منذ 4 سنوات، لكن إدارة السجن أبلغت أشقاءه بقرار تمديد سجنه 7 سنوات إضافية. وأكدت عائلة القحطانى، أن حالة ابنها الصحية والنفسية تدهورت بشكل كبير، خاصة بعد وضعه بالعزل الانفرادى طيلة العامين الماضيين. أما الداعية السعودى وليد السنانى، والذى مضى على احتجازه قرابة 19 عامًا، فيعتبر من أهم سجناء الرأى فى البلاد؛ وذلك بسبب فتاويه الجريئة، والتى طالت مرارًا مؤسسة الحكم السعودية. وكان السنانى اعترض ومجموعة من علماء السعودية على مشاركة الجيش السعودى التدخل الأمريكى فى حرب الخليج مطلع تسعينيات القرن الماضى، وتصدر حينها السنانى المشهد ب 3 فتاوى مدوية، كان أهمها تحريم مساندة جنود بلاده لدولة "كافرة"، فى إشارة إلى الولاياتالمتحدة. كما أفتى بحرمة تأدية التحية العسكرية لضباط الجيش، وختم فتاويه بالقول، إن المملكة العربية السعودية تمثل إحدى الدول "غير الشرعية"؛ لعدم تحكيمها الشريعة الإسلامية على الوجه المطلوب. ويقول أبناء السنانى: "إن والدهم يعانى من العزل الانفرادى منذ دخوله السجن؛ مؤكدين أنهم منعوا زيارته مدة 7 سنوات، كما اعتقل عدد من ذويه". وهناك أيضا الداعية السعودى عبدالملك المقبل، والذى مضى على احتجازه قرابة 13 عامًا؛ حيث بدأت قصة اعتقاله بعد عودته من أفغانستان؛ حيث اعتقلته المباحث السعودية فور وصوله المطار؛ لمشاركته فى الجهاد بأفغانستان ضد العدو الروسى، بحسب رواية زوجة المقبل. وتعرض "المقبل" للتعذيب؛ لإجباره على التوقيع على اعترافات بأنه تابع لخلية المطلوب تركى الدندنى المتهم بالإرهاب، إلا أنه لم يستجب إلى الضغوط، فقامت الداخلية السعودية بضربه فى أماكن حساسة من جسده بالعصى والسياط، مما أدى إلى فقدانه لوعيه مرات عدة، كما مُنع من النوم والأكل لفترات طويلة، وقاموا بتقييد رجليه ويديه لمدة 3 شهور متواصلة، إضافة إلى منع الزيارة عنه لأكثر من عام. وتشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى أن آلافا فعلا يقبعون فى سجون المملكة دون تحديد العدد؛ مؤكدة أنهم معتقلون فى ظروف تكتنفها السرية شبه التامة، وأنهم عادة ما يحتجزون بدون تهمة أو محاكمة لعدة شهور أو سنوات رهن التحقيق والاستجواب، دون أن يكون أمامهم أى سبيل للطعن فى قانونية احتجازهم. وتؤكد المنظمة أن معظم المعتقلين يحتجزون دون السماح لهم بالاتصال بالمحامين، ولا يُسمح لبعضهم بمقابلة أهلهم أو الاتصال بهم طيلة شهور أو سنوات، كما يُحتجزون فى سجون يتفشى فيها التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، التى تُستخدم لانتزاع اعترافات تجرِّم صاحبها، وفى حالة توجيه تهم لهؤلاء المعتقلين، فإنهم يواجهون محاكمات فادحة الجور، تُعقد فى سرية وتكتم بدون حضور محامين للدفاع.