شن الإعلام المصرى هجومًا حادًا على المقاومة الفلسطينية، بسبب رفضها لمبادرة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسى، لوقف إطلاق النار، بينها وبين الكيان الصهيونى، زاعمًا أن المقاومة هى السبب فى سقوط الشهداء، وأن سبب رفض المقاومة للمبادرة، هو إحراج السلطة المصرية والسيسى، وأن جماعة الإخوان المسلمين هى من تقف وراء الرفض. واعتبر عدد من المحللين السياسيين أن الحقيقة تختلف عن ذلك كثيرًا وأن مبادرة السيسى بشأن الصراع بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيونى تهدف إلى إحراج المقاومة وإعطاء شرعية للكيان الصهيونى بقذف غزة واجتياحها. وقال العميد صفوت الزيات:" إن الجميع خسر والوحيد الذى فاز هو رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو؛ لأنه أصبح لديه قدر من التبرير ومن الشرعية المشكوك فيها". وأضاف "الزيات" أن ما تم تقديمه لا يمكن أن يطلق عليه اسم مبادرة، لأن المبادرات لها قواعد وأسس ومقترحات يمكن السير عليها، وأولها التعامل مع الطرفين للتوصل لشكل الاتفاق، وليس ما فعله السيسى. واستنكر الدكتور عزمى بشارة، مدير المركز العربى للأبحاث، المبادرة المصرية وشروطها وتوقيتها، معتبرا أنها تسحب إمكانية حصول المقاومة على أى إنجاز سياسى يحقق مطالبها، مشددا على أنه ينبغى أن يكون لمصر دورًا فى الاتفاق بمشاركة جهات عربية أو دولية أخرى. وأكد بشارة وجود معلومات مؤكدة أن هناك اتصالات دولية وصلت لمرحلة متقدمة تتعاطى مع شروط المقاومة، مضيفا: "لكن فوجئنا لاحقا ببروز المبادرة المصرية، لوقف إطلاق النار وقطع الطريق على الاتصالات الدولية لإنجاز تهدئة تتجاوب مع شروط المقاومة". واعتبر بشارة فى لقاء خاص على فضائية الجزيرة، أن هذه المبادرة المفاجأة جاءت، لكى تسحب إمكانية حصول المقاومة على أى إنجاز سياسى يحقق مطالبها. وأبدى "بشارة"، تعجبه من شروط المبادرة المصرية التى اشترطت وقف إطلاق النار من الطرفين دون شروط مسبقة. وأكد بشارة وجود اتصالات من الجانب القطرى والتركى مع وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، وربما أطراف أخرى للحديث حول التهدئة فى غزة، مبينا أن ظهور مصر بالمبادرة كان مفاجئا، لأنها خلال 3 أيام رفضت أن تلعب أى دور وفق قول الأطراف الدولية ثم جاء دورها بهذا الشكل مؤكدا أن هذا ليس دورا وإنما تأكيد للمطالب الإسرائيلية. وأضاف المفكر العربى: "مصر ترى أن هناك التقاء مصالح مع إسرائيل أكثر من حماس، وهناك تناقض فى مصالحها مع المقاومة الفلسطينية، بغض النظر عن توجه المقاومة سواء كان إخوانيًا أو ماركسيًا أو علمانيًا". وأشار إلى أن المسألة متعلقة بالمصالح فى المنطقة، ولا تقتصر على الخلاف مع حزب سياسى إسلامى أو غير إسلامى. ومن جانبه أوضح الصحفى محمد مرس أن نظام السيسى قدم مبادرة ساوى فيها بين المقاومة والاحتلال (هذا من ناحية الشكل)، وأعلنها فى وسائل الإعلام دون تشاور مع حماس، ويبدو أنه لا يتمنى نجاحها، لأنه يؤمن بالحلول العسكرية السريعة. وأضاف أن الحصار يخنق المقاومة ويدفعها لموت بطىء، لذلك فهى تفضل استمرار المواجهة على اتفاق تهدئة لا يرفع الحصار، خاصة مع تحقيقها لنتائج عسكرية مرضية. وأوضح أن الإدارة الأمريكية تؤمن بالحلول الذكية الهادئة طويلة المدى، لذلك ستدفع تل أبيب والقاهرة لاستدراج المقاومة إلى هدنة بشروط واشنطن، خوفا من إشعال المقاومة لحماس شعوب المنطقة ورفع معنوياتهم بدرجة قد تؤدى لموجة جديدة من الثورات التى لن تكون نتائجها فى صالح البيت الأبيض ورجاله فى المنطقة. ومن جانبه قال المهندس حاتم عزام نائب رئيس حزب الوسط:" إنه عندما يهدد نتنياهو المقاومة الفلسطينية بالتصعيد إذا لم تقبل مبادرة السيسى نعلم الحضيض الذى وصلت إليه مصر بعد الانقلاب إذ أصبحت "عصا فى يد الصهاينة". ولم ينتظر الكيان الصهيونى كثيرًا، حتى أعلن عن موافقته على المبادرة وبالفعل أعلن سريعًا وقف ضرب غزة. 6 ساعات فقط، امتنعت خلالها إسرائيل عن قصف غزة، لكن فى المقابل حققت مكاسب استراتيجية أهدتها لها المبادرة المصرية، لتعود بعد ذلك وتستأنف يومها الثامن من الهجوم على القطاع، بشكل يتوقع أن يكون أكثر ضراوة. وأصدر بنيامين نتنياهو ووزير الحرب موشيه يعلون الأوامر لجيش الاحتلال باستئناف عملية "الجرف الصامد"، وتوجيه ضربات عنيفة إلى المزيد من الأهداف فى قطاع غزة، الأمر الذى ينذر بمزيد من الدمار وارتفاع كبير فى أعداد الشهداء الذين شارفوا على ال 200 شهيد، ومئات المصابين. وعلى الرغم من أن المقاومة الفلسطينية هى من أعلنت عن رفض المبادرة إلا أن الكيان الصهيونى حقق انتصار سياسى كبير، حيث حصل على شرعية دولية لقذف غزة واجتياحها فى ظل موافقة عربية ودولية على مبادرة السيسى، وإظهار أن حماس هى من تريد الحرب والمسؤولة عن ضرب غزة والكيان الصهيونى. وفى المقابل إذا وافقت حماس على المبادرة فإن الكيان الصهيونى حقق انتصارًا أيضًا، حيث إن المبادرة تضمن استمرار الحصار على غزة، ورفضت حماس المبادرة التى رأت أنها خالية من المضمون أو بالأحرى تصب فى صالح إسرائيل، وتتجاهل تماما مطالبها المشروعة، معتبرة أنها مبادرة فُرضت فجأة على المقاومة فرضا، بعد أن تم مناقشتها جيدا مع إسرائيل، الأمر الذى كشفه "رون بن يشاى" أحد أكبر المحللين العسكريين فى إسرائيل، مؤكدا على أن القاهرة ما كانت، لتعلن عن هذه المبادرة رسميا لولا موافقة إسرائيل عليها بشكل مبدئى. وترى حماس أن موافقتها على هذه المبادرة يعطى عبدالفتاح السيسى ثقلا سياسيا فى الداخل والخارج، فى وقت ترى فيه الحركة أن مصر ما عادت تمثل وسيطا عادلا، فى ظل نظام يناصبها العداء، صنفها كجماعة إرهابية وقطع عنها أنبوب الأكسجين الوحيد ممثلا فى أنفاق سيناء، وغض الطرف عن الجرائم الصهيونية بحق غزة لسبعة أيام كاملة، بل قام الإعلام المحسوب عليه بشيطنة المقاومة، وتحميلها مسؤولية العدوان.