استقبال رسمي مهيب، لحظة وصول شيخ الأزهر إلى قصر الرئاسة الإيطالي في روما (فيديو)    هزة في "أسطول الظل"، ثاني أكبر شركة للنفط الروسي تعلن بيع أصولها بعد العقوبات الأمريكية    عماد النحاس يحقق فوزه الأول مع الزوراء العراقي    قرار مُهم بشأن المتهم بدهس طفل بسيارته على طريق مصر أسيوط الزراعي    رئيس الوزراء: توجيهات رئاسية لضمان افتتاح يليق بمكانة مصر العالمية    أمريكا تُجلي نحو ألف شخص من قاعدتها في جوانتانامو بسبب اقتراب «ميليسا»    أردوغان يدعو إلى "سلام عادل" لإنهاء الحرب في أوكرانيا    المتحف المصري الكبير يحصد 8 شهادات ISO دولية تأكيدًا لالتزامه بمعايير الجودة والاستدامة العالمية    يختبر أعصاب المشترين..أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 28-10-2025 في بني سويف    موسكو تفند اتهام واشنطن لها بنيتها البدء بسباق تسلح نووي    سعر الخوخ والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    انهيار عدد من المباني جراء زلزال باليكسير التركية ولا أنباء عن ضحايا    في طريقه إلى «الطب الشرعي».. وصول جثة أسير جديد ل إسرائيل (تفاصيل)    #عبدالله_محمد_مرسي يتفاعل بذكرى مولده .. وحسابات تستحضر غموض وفاته ..فتش عن السيسي    «لاماسيا مغربية» تُبهر العالم.. وإشراقة تضيء إفريقيا والعرب    الزناتي يشارك في احتفالية اليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    والد ضحايا جريمة الهرم يفجر مفاجأة: بنتي مازالت عذراء    رئيس محكمة النقض يزور الأكاديمية الوطنية للتدريب    «زي النهارده».. وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين 28 أكتوبر 1973    حالق زلبطة.. أحمد الفيشاوى يتعاقد على فيلم حين يكتب الحب مع جميلة عوض    لتعزيز الانتماء.. وكيل نقابة المرشدين السياحيين يطالب الحكومة بزيادة إجازة احتفال المتحف الكبير ل 3 أيام    تصل إلى الحرائق.. 6 أخطاء شائعة في استخدام الميكرويف تؤدي إلى كوارث    دراسة| تأخير الساعة يرفع معدلات الاكتئاب بنسبة 11%    إصابة واحدة من كل خمس، دراسة تكشف علاقة التهاب المسالك البولية بنظافة المطبخ    شبانة عن أزمة دونجا: كل يوم مشكلة جديدة في الكرة المصرية    مفاجأة.. الزمالك يفكر في إقالة فيريرا قبل السوبر وتعيين هذا المدرب    عضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة الفلسطيني يطمئن على الدباغ وكايد    ماذا يحدث في الفاشر؟    خيبة أمل من شخص مقرب.. حظ برج العقرب اليوم 28 أكتوبر    الحاجة نبيلة بلبل الشرقية: البامية شوكتني وش السعد ولسة بشتغل في الغيط    رياضة ½ الليل| الخطيب يعترف بالعجز.. موقف انسحاب الزمالك.. ثقة تخوف بيبو.. وصدمة قوية للملكي    الأرصاد تحذر من شبورة كثيفة وتقلبات مفاجئة.. تفاصيل طقس الثلاثاء 28 أكتوبر في جميع المحافظات    الداخلية تكشف حقيقة ادعاء محاولة اختطاف فتاة في أكتوبر    سعر الدولار الآن مقابل الجنيه والعملات الأخرى ببداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    محافظ قنا يشهد تخريج مدارس المزارعين الحقلية ضمن مشروع تحديث الري    تقرير أمريكى: تقييم «الخارجية» لمقتل شيرين أبو عاقلة مشوب ب«الالتباس»    من حقك تعرف.. ما هى إجراءات حصول المُطلقة على «نفقة أولادها»؟    تأييد المشدد 7 سنوات لمتهم بتزوير عقد سيارة وبيعها    عودة الحركة المرورية على طريق بنها شبرا الحر بعد حادث التصادم    أمن القليوبية يكثف جهوده لضبط المتهم بسرقة مشغولات ذهبية من عيادة طبيب أسنان    وزير الاتصالات يختتم زيارته لفيتنام بلقاءات استراتيجية| تفاصيل    32.7 مليار جنيه إجمالى قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة اليوم الإثنين    البابا تواضروس يلتقي وفود العائلتين الأرثوذكسيتين في مركز "لوجوس"    «العمل» تُحرر 338 محضرًا ضد منشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    مجلس جامعة المنيا يشيد بنجاح منظومة الاختبارات الإلكترونية بكلية الطب    ذاكرة الكتب| تدمير «إيلات».. يوم أغرق المصريون الكبرياء الإسرائيلى فى مياه بورسعيد    رقصت معه وقبّل يدها.. تفاعل مع فيديو ل سيدة تمسك بذراع عمرو دياب في حفل زفاف    زاهي حواس: كنت أقرب صديق ل عمر الشريف وأصيب بألزهايمر فى أخر أيامه ولم يعرفنى    أبوريدة يحسم الملفات الحائرة بالجبلاية.. المفاضلة بين ميكالي وغريب لقيادة المنتخب الأولمبي    الأولى للفريقين هذا الموسم.. محمود بسيوني حكم مباراة الأهلي وبتروجت    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025    بعد مأساة الطفل عمر.. كيف تكشف لدغة ذبابة الرمل السوداء التي تُخفي موتًا بطيئًا تحت الجلد؟    انتبه إذا أصبحت «عصبيًا» أو «هادئًا».. 10 أسئلة إذا أجبت عنها ستعرف احتمالية إصابتك ب الزهايمر    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص الخطاب الثانى من أحمد حسنين إلى عبد الناصر عقب انقلاب 1954 (3)
نشر في الشعب يوم 19 - 03 - 2014

طالبتك بإعلان الجمهورية حرصا على سلامة الثورة وكسبًا لتأييد الشعب.. فتظاهرت بأنك تخالفنى فى الرأى
أصحاب الرأى والفكر فى خوف وفزع مما قد يصيبهم إذا قالوا رأيهم.. بعد أن رأوا ما حدث لزملائهم خلال أزمة مارس
-span style="font-size: 7pt; font-family: "Times New Roman";" لا بد أن يحظى المجتمع بقانون يعلو فوق كل إنسان وجماعة أو هيئة فى البلاد.. وأن ينزل الجميع عند حكم القانون
مصر فى أشد الحاجة إلى تحقيق الاستقرار والطمأنينة فى البلاد.. لنستمتع بثمار ما حققته لنا الثورة من انتصارات وهذا لن يتحقق إلا بالدستور
مجلس قيادة الثورة يتصور أن البلاد يجب أن تبقى فى حالة طوارئ إلى ما لا نهاية، وأنه يظل متمتعا بسلطاته المطلقة لتصبح سلطة الحياة والموت على أى إنسان يعارضهم
من حق الشعب أن يحكم نفسه بنفسه حتى ولو أخطأ فلن يصل إلى الصواب إلا من خلال الخطأ والتجربة
تقديس حقوق الإنسان هو حجر الزاوية فى أى حياة ديمقراطية دستورية.. ولا بد أن يكون الشعب مصدر السلطات قولا وفعلا

نشرنا فى العددين الماضيين نص خطاب أحمد حسين إلى عبد الناصر عقب انقلاب 1954 وما حدث من تداعيات على الساحتين العربية والدولية وذلك حين قام عبدالناصر بالانقلاب على الديمقراطية واعتقال أحمد حسين وسفره للخارج بعد الإفراج عنه ليعيش معارضا فى المنفى من أواخر 1954حتى منتصف 1956.
ومن لندن أرسل إلى عبد الناصر عدة رسائل.. وفى هذه الحلقة نواصل رصد الخطاب الثانى..

لندن فى 29/1955م - الأحد
هذا هو نص الخطاب الذى كتبته اليوم لجمال عبد الناصر، وسوف أرسله بمجرد استئناف البوسطة لعملها بعد غد، لأن غدا سيكون عطلة.
أخى الرئيس جمال عبد الناصر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا شك عندى أنه من علامات توفيق الله أن يتم هذا التوارد فى الأفكار بينى وبينك، فبينما أنا أفكر فى إرسال خطابى لك، متحدثا عن وجوب الشروع فى اتخاذ خطوات نحو إعادة الحياة الدستورية للبلاد، إذا بك تعتزم إذاعة تصريح فى هذا الشأن، وسواء وصل خطابى إليك قبل إذاعة التصريح أو بعده بقليل فلعله قد أشعرك من جديد بمدى التطابق بين إحساسينا وتفكرينا.

أسباب التأخير فى إعلان الجمهورية
فإنى ما زلت أذكر كيف ذهبت فى يونيو 1953 فى منزل إبراهيم شكرى بحضرة عبد الحكيم عامر وصلاح سالم وكمال الدين حسين، حول أسباب التأخير فى إعلان الجمهورية، ووجوب المبادرة بهذا الإعلان حرصا على سلامة الثورة وكسبًا لتأييد الشعب من جديد، وقد رحت أنت فى ذلك الوقت تتظاهر بأنك تخالفنى فى هذا الرأى، ولا ترى صواب المبادرة بإعلان الجمهورية، بينما أنت فى الحقيقة تنوى القيام بهذه الخطوة، ولذلك فلم يمضِ أسبوع واحد حتى أعلنت الجمهورية فى 17يونيو.
وهكذا نتلاقى دائما من حين لآخر، وهو ما أحمد الله عليه.. أيا كان الأمر، فهذا التصريح الجديد من ناحيتك جدير بأن تهنأ عليه، وأن يقال لك: (مبروك)؛ لأن هذا هو الدليل على دقة شعورك، فإن الأمور لا يمكن أن تسير إلى ما شاء الله على صورتها الراهنة. وإذا كنت قد رفعت الرقابة عن الصحف فيما يتصل بنظام الحكم، فلست أتصور أنك ستظفر بأى رأى ناضج فى الموضوع؛ لأن القوم من أصحاب الرأى والفكر سيكونون فى خوف وفزع مما قد يصيبهم إذا قالوا ما فى نفوسهم، بعد أن رأوا ما أصاب أخوانهم من قبل خلال أزمة مارس فى العام الماضى.

للمجتمع قانون أعلى

ولست أتصور من ناحية أخرى أن هناك جريدة ستجازف بنشر أى رأى تتصور أنه مخالف لما استقر عليه الرأى، ولذلك فإن الواجب يحتم علىّ أن أبعث لك برأيى فى الموضوع وأنى لأرجو أن ينال اهتمامك.
لقد قلت لك فى خطابى السابق، وفى أحاديثى أنه لا يعنينى أن يكون للبرلمان صورة معينة أو تشكيل مخصوص، لا يعنينى أن يكون هناك عدة أحزاب أو حزب واحد له أجنحة متعددة، وأن يكون مؤيدًا للحكومة على طول الخط، وليس مهمًا أن تجرى الانتخابات بطريقة مباشرة أو بواسطة النقابات، وأن يكون هناك مجلس واحد أو أكثر من مجلس، فكل هذه صور وأشكال تتغير وتتبدل بحسب الظروف والأحوال، وطريقة ممارسة الديمقراطية فى إنجلترا تختلف كل الاختلاف عن طريق ممارستها فى فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية، والديمقراطية فى هذه الدول مغايرة لديمقراطية البلاد الشيوعية التى تعلن أن الديمقراطية الحقيقة لا تتوافر إلا فى نظامها.
ولذلك فأنا عندما أتحدث عن الدستور أو الديمقراطية، فلست أعنى صورة خاصة وإنما أعنى جوهر الديمقراطية، وهذا الجوهر فى نظرى هو أن يكون للمجتمع قانون أعلى، ويعلو فوق كل إنسان وفوق كل جماعة أو هيئة فى البلاد، كبيرة ما كبرت، وأن ينزل الجميع عند حكم القانون باعتباره مظهر إرادة الجماعة، الذى يتوقف على احترامه وطاعته، سلامة هذه الجماعة والمحافظة على كيانها وتحقيق رفاهيتها وازدهارها.

الدستور يحقق الاستقرار
هذا هو المعنى الدستورى الذى نحن الآن فى أشد الحاجة إليه فى مصر لتحقيق الاستقرار والطمأنينة فى البلاد، لنستمتع بثمار ما حققته لنا الثورة من انتصارات، ولكى نتهيأ لخوض الجولة الثانية من مراحل تطورنا وارتقائنا.. مرحلة الخلق والإبداع والبناء والتعمير.
فالسؤال الذى أتصور أنه يجدر بك أن تضعه أمام مجلس الثورة، هل هم مستعدون إذا وضع الدستور الجديد بالقواعد التى يرونها صالحة لحكم البلاد، أن ينزلوا عند أحكام هذه القواعد والتقيد بها، حتى ولو خالفت إرادة مجلس قيادة الثورة أم لا.
هل إذا سمح بتكوين مجلس من المجالس النيابية على أى صورة من الصور، وقال هذا المجلس فى مسألة من المسائل "لا"، حيث كان يجب أن يقول "نعم". فهل مجلس الثورة على استعداد أن ينزل عند حكم هذا المجلس، أم سيعتبر فى هذه الحالة المجلس خارجا على الثورة؟ فلا يكتفى فى هذه الحالة بحله كما كان يحدث فى القديم، بل يقدم المعارضون للمحاكمة فالإعدام باعتبارهم خونة للثورة والشعب والبلاد.

العسكر يريدون الطوارئ

هذا هو جوهر المسألة ولبها فى نظرى، فإذا بقى مجلس قيادة الثورة يتصور أن البلاد يجب أن تبقى فى حالة طوارئ إلى ما لا نهاية، وأنه يجب أن يظل متمتعا بسلطاته المطلقة سلطة الحياة والموت على أى إنسان، سلطة إصدار القوانين وإلغائها بجرة قلم، سلطة عدم التقيد بأى قيد من أى نوع كان..
إذا كان مجلس قيادة الثورة سيظل حريصا على هذا النوع من السلطة، فإن أى نظام ستضعونه للبلاد سيكون أبعد ما يكون عن الديمقراطية، وأمعن ما يكون فى الديكتاتورية، ومن شأنه أن يضاعف المصاعب التى تلاقونها فى الوقت الحاضر، والتى نشأت كلها من إسرافكم فى التحدث عن الديمقراطية، ومخالفة تصرفاتكم على طول الخط لتصريحاتكم.
لو أنكم قلتم للشعب منذ اللحظة الأولى إن الثورة تقتضى حكما استثنائيا مطلقا، وتقتضى عدم التقيد بالقوانين أو الدستور وإنشاء محاكم لا تتقيد بقانون، لما وجدت البلاد فى ذلك أى غضاضة ولتقبلته باعتباره طورا عاديا من أطوار أى ثورة، ولكن الذى حدث كان يعكس ذلك تماما، حتى إننى مكثت فى السجن بضعة أشهر مع اقتناع كل إنسان بأن قضية التحريض على حرق القاهرة كانت ظلما وبغيا ووعدوانا، بحجة عدم المساس بالنظم القضائية والقوانين التى قامت الثورة لحمايتها.
فمنذ اللحظة الأولى والثورة تنادى بأنها ما قامت إلا لتوطيد دعائم الدستور وتمكين الشعب من الاستمتاع بحياة ديمقراطية سليمة، حتى لقد وصل الأمر بعد طرد فاروق إلى حد التفكير فى إعادة مجلس النواب المنحل حتى لا تبقى البلاد ساعة واحدة بغير برلمان، وأخيرا انتهى الرأى على ضرورة وضع دستور جديد فألفتم لجنة لهذا الغرض، وأنتم الذين اخترتموها لتضع دستورا على أحدث طراز وصلت إليه الدساتير فى الوقت الحاضر، ويكون خاليا من الثغرات التى شابت الدستور القديم، وقد أتمت اللجنة عملها ووضعت الدستور المنشود.

الحياة الدستورية الهدف الأول والأخير للثورة

ومن هنا فقد طالبكم الشعب دائما بإقرار هذه الحياة الدستورية باعتبارها الهدف الأول والأخير الذى قامت الثورة لتحقيقه، ومن هنا فقد سمحنا لأنفسنا نحن الذين نؤمن بالديمقراطية وحق الشعب فى أن يحكم نفسه بنفسه حتى ولو أخطأ فى هذا الصدد؛ لأنه لن يصل إلى الصواب إلى من خلال الخطأ ومن خلال التجربة، سمحنا لأنفسنا أن نشتد فى طلب الدستور، مما أضغنكم علينا ( فى وقت ما) ولو كنا ندرك أنكم لا تؤمنون بالديمقراطية لما سلكنا هذا الطريق.
وكم بودنا أن نتفادى تكرار هذا الماضى المؤلم عن طريق أن يعلن مجلس الثورة عن نواياه بصراحة وما يتصور أنه لصالح الشعب، فإذا كان مجلس قيادة الثورة يتصور أن الحكم المطلق المباشر لهذا المجلس (وهو ما أخالفه بطبيعة الحال) هو السبيل الوحيد لتحقيق العزة والكرامة للبلاد، وأن إنجاز المشروعات الكبرى اللازمة لتحقيق رخاء البلاد بما فى ذلك اتحاد مصر والسودان وحسن تعاونهما، وتعاون مصر مع باقى البلاد العربية واتحادها معها، كل ذلك لا يتم إلا عن طريق تمتع مجلس الثورة بهذه السلطة المطلقة، واعتبارها مجلس قيادة الثورة تمثل الشعب وإرادته أدق تمثيل إذا كان هذا هو ما يؤمن به مجلس قيادة الثورة فإن الخير كل الخير، أن يعلن ذلك ويعرف وترتب الأمور على هذا الأساس، وسيلقى هذا الرأى من التقدير والاحترام ما هو جدير بكل رأى مستقيم وصريح.
أما إذا كنتم تؤمنون كما أعلنتم فى تصريحكم الأخيرة أن تحقيق عزة مصر وكرامتها وإقرار السلام والاستقرار بها يقتضى إشراك الشعب فى حكم البلاد وإعلاء سلطان القانون بها (وهو ما أتصوره أنا) فإن ذلك يقتضى أن تكون التصرفات المقبلة حقيقية وجدية فى هذا الاتجاه، منعا لكل بلبلة ولكل اضطراب فى الأفكار.

خطأ من يتصور أن الشعب المصرى لا يحسن التفكير
إنه من الخطأ التصور أن الشعب المصرى لا يحسن التفكير فى الأمور ولا يستطيع الحكم عليها حكما صحيحا. لقد كان هذا هو حكم الإنجليز على مصر ومن أجل ذلك دخلوها، وتكرار هذا القول مبرر لأى قوة أجنبية أن تسيطر علينا بحجة أن الشعب المصرى لا يستطيع أن يزن الأمور أو يقدرها تقديرا صحيحا، ويعرف ما ينفعه وما يضره، إنك تستطيع أن تحكم على قدرة الشعب المصرى فى فهم الأمور العامة من أقوال المدح والثناء التى تقال لك فى كثير من المناسبات، ولا شك أنه يدهشك فى كثير من الأحيان كيف أن أفرادا بسطاء من الشعب يصلون إلى أعمق ما تتصور أنه لا يدور لهم فى خيال، وأستطيع أن أؤكد لك أنهم يصلون إلى أعمق من ذلك أيضا، إلى ما هو أعمق من المدح والثناء وهم يخفونه عنك خوفا من بطشك وحرصا على إرضائك.
إن الشعب المصرى قبل أى شعب آخر يدرك الأمور على حقيقتها بإدراكه وشعوره، فلا يمكن أن يخطئ فى معرفة عدوه من صديقه، ولذلك فإن كل حركة نحو الديمقراطية ستكون محل تقدير دقيق من الشعب، وسوف يحاسبكم على كل محاولى لتصوير الأمور على خير صورتها الحقيقة، وسوف يشوه ذلك حكمه على أعمالكم النافعة الأخرى كما حدث ذلك حتى الآن.
أما إذا كان مجلس قيادة الثورة ينتوى فعلا أن يحقق للبلاد نظاما ديمقراطيا، فلينطلق راشدا فى هذا الاتجاه، وهو آمن مطمئن أن ذلك هو أضمن الطرق لنجاح البلاد ونجاح أعضاء مجلس قيادة الثورة أنفسهم فى الحصول على محبة الشعب.

مجلس قيادة الثورة و الديمقراطية

وبقى أن يعرف مجلس قيادة الثورة أن الديمقراطية مهما اختلفت صورها وأشكالها لا تستحق هذا الاسم إلا إذا توافر بها شرطان.
الأول- تقديس حقوق الإنسان وعلى رأسها وأهمها المبدأ القائل "أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة لصدور القانون، وألا يلجأ فى التحقيق مع أى إنسان إلى الإكراه فضلا عن التعذيب، وألا يحكم عليه إلا بعد محاكمة عادلة من محكمة مشكلة وفقا للقوانين السابقة على محاكمته، وكل اعتداء على متهم أو مقبوض عليه للحصول منه على اعتراف يؤلف، خيانة كبرى".
وهذا المبدأ أصبح مسلما به حتى فى روسيا السوفيتية، وقد دفع بيريا حياته ثمنا لمخالفة هذا المبدأ.
ومع ملاحظة أن هذا المبدأ كان متبعا فى مصر طوال عهد الاحتلال البريطانى، وهو مقرر بنص صريح فى قانون العقوبات المصرى الصادر فى سنة 1882م.
وعندما شذ الإنجليز عن هذا المبدأ فى قضية "دنشواى"، التى كان ضحاياها بعض نفر من الفلاحين، استطاع مصطفى كامل بكل قوة وحرية أن يؤلب الدنيا على إنجلترا، مما اضطر الإنجليز لاعتذار وعزل كرومر من مصر، وقد فعل ذلك مصطفى كامل تحت حكم الإنجليز وعاد إلى البلاد دون أن يفكروا فى أن يقتصوا منه أو أن يقيدوا حريته، فكان يصدر ثلاث صحف بلغات مختلفة فى مصر.

الشعب مصدر السلطات حقا وفعلا

بل بالنسبة لك أنت شخصيا، فقد كان فاروق يعرف من غير شك من وقت مبكر أنك تعارضه وتحاربه داخل صفوف الجيش، ومع ذلك فلم يتمكن من التعرض لك لأنه كانت هناك قوانين تحول دون ذلك.
فتقديس حقوق الإنسان هو حجر الزاوية فى أى حياة ديمقراطية دستورية.
ولقد ناديت أنت بذلك فى مؤتمر "باندونج" واعتبرت ذلك شرطا أساسيا لقيام الحضارة البشرية، وقد حان الوقت لتؤكد الثورة حقوق الإنسان فى دستور مكتوب لا تنتهك بواسطة أى إنسان.
الشرط الثانى- أما الشرط الثانى لتحقيق أى صورة من صور الديمقراطية، فهو أن يكون الشعب مصدر السلطات حقا وفعلا، ولا يحق لإنسان أو هيئة ممارسة السلطة باسم الشعب إلا إذا كانت مختارة بواسطة هذا الشعب بأسلوب أو بآخر.
هذا هما الشرطان اللازمان لتحقيق جوهر الديمقراطية والاشتراكية التى ينادى بها مجلس قيادة الثورة، فإذا وضع أى دستور يتضمن هذين المبدأين، ويقسم أعضاء مجلس الثورة فى إخلاص وأمانة أن يحترموا هذا الدستور، وألا ينكثوا هذا القسم، فإن مجلس قيادة الثورة يستطيع أن يعد مكانه فى صفوف الخالدين.
وباستطاعتك أنت يا أخى الرئيس أن تكون محبوب الأمة، حيث تجمع على انتخابك رئيسًا للجمهورية أخذت على عاتقك واجب الدفاع عن هذا الدستور.
إن ما حصل عليه محمد نجيب من شعبيته يمكن لجمال عبد الناصر أن يحصل على أضعافه، عندما يؤمن الناس أنه سيكون المدافع عن حقوق الإنسان وعن حق الشعب فى أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة فى شئونه، ما دام يعبر عن هذه المشيئة من خلال الدستور الذى ستضعونه أنتم بأنفسكم.
أسأل الله لك التوفيق والرعاية، وأن يسدد خطاك إلى ما فيه خير البلاد والعباد، ولك منى أطيب عواطف الود والإخاء.
المخلص أحمد حسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.