مخطئ من يعتقد أن إسرائيل تشعر بالقوة أو بالعزة أو القدرة على تحقيق النصر، وهي تحتفل بمرور ستين عاما على إنشائها في فلسطين. فهذه الدولة شاخت في عز شبابها، ودارت عجلة زمانها بسرعة، حتى كادت تنسحب من التاريخ والجغرافيا.
سنواتها الستون لم تحقق لها القبول، رغم قوتها العسكرية ورغم معاهدات السلام التي وقّعتها مع مصر والأردن والفلسطينيين، وقادة الدول الأربعين الذين جاءوا لمشاركتها الاحتفال، فضحوا حاجتها إلى الاعتراف حتى بدت ضعيفة مهتزة.
تعاني إسرائيل، وهي تدخل عامها الحادي والستين، أزمة أخلاقية وسياسية وأمنية وأزمة هوية وأزمة وجود. فليس هناك دولة واحدة في العالم تحتفل بأنها موجودة، إلا إذا كانت تشك في هذا الوجود، وليست هناك دولة واحدة في العالم تقيم احتفالا تدعو «40» دولة لحضوره، سوى الدولة التي تريد أن تسمع كلمات تكرر تطمينها على مستقبلها والحرص على أمنها.
لقد عجزت الدولة العبرية عن محو ذكرى النكبة، ليس فقط من عقول الذين عاشوها، ولكن من عقول أحفاد الذين ذاقوا مرارة الهجرة. إذ رغم امتلاكها مئات الرؤوس النووية ورغم تحقيقها الرخاء الاقتصادي لأغلب مواطنيها، فمازالت المقاومة حية ومازال الفلسطينيون يقاتلون، ومازالت هي عاجزة عن التقدم نحو سلام فعلي، ومازال فمها مفتوحا على مزيد من الأرض.
تعيش إسرائيل انفصاما سياسيا بين شخصيتين: واحدة تبحث عن السلام أولا وأخرى تبحث عن الأمن أولا، فلا هي حققت سلاما، ولا هي حققت أمنا، لكن هذا الانفصام لم يمنع استمرار الضم الزاحف على القدسالشرقية ذات الأغلبية العربية، وهو الضم الذي سيحول الصراع السياسي مع الفلسطينيين إلى صراع ديني مع المسلمين وسيمنع الوصول إلى أي حل دبلوماسي.
عندما جاء جورج بوش إلى القدس للمشاركة في الاحتفال، قال إن «الإسرائيليين هم أصدقاؤنا»، لكن الصديق المقرب كما قالت صحيفة «هآرتس» في افتتاحية لها غير مسموح له بأن يقف على الهامش، والحكومة الإسرائيلية تعبث بعلبة كبريت موضوعة قرب برميل بارود.
تحتفل إسرائيل بذكراها الستين ومستقبلها محفوف بالمخاطر، ليس فقط لأنها عانت من هزيمة حديثة على يد المقاومة اللبنانية عام 2006، ولكن لأن مشاعر الخوف والقلق وعدم الأمان تسيطر على عقول الإسرائيليين وقلوبهم، وهم يرون إيران أكثر قوة وحزب الله أشد تحديا، وحماس عصية على الهزيمة، والقاعدة تهدد بغزوها.
والأهم من ذلك أن المحيط العربي المباشر والمحيط الإسلامي الواسع، مازالا قادرين على لفظ إسرائيل وإجبارها على الإحساس بأنها جسم غريب غير قادر على التفاهم مع أعدائه وخصومه.
دعونا لا نتحدث عن توراة تمنح أحدا أرضا في بلاد غيره، ودعونا لا نكرر مقولة حليب الكراهية لإسرائيل، الذي ترضعه كل أم عربية لأطفالها، ذلك أن أي قطرة من ذلك الحليب لا تمنح الدولة العبرية ذرة حب واحدة، على أي حال.
فماذا تريدون أيها الإسرائيليون من الأم التي سرقتم أرضها وقتلتم زوجها واعتقلتم أخاها وشردتم أسرتها وأفقرتم شعبها؟ هل تريدون ممن هدمتم بيوتهن وجرفتم زيتونهن أن يرضعن أبناءهن حليب محبتكم؟
أحلام الإسرائيليين هي كوابيسنا، لكن مشكلتهم أنهم ذهبوا بعيدا في تلك الأحلام إلى حد عجزهم عن الخروج منها، وهو العجز الذي جعل دولتهم تشيخ قبل أن تختتم قرنها الأول.