بمرور الوقت يقترب الموعد الذي حددته الاممالمتحدة لما اسمته اهداف الالفية، اي خفض معدل الفقر الى النصف في الدول الاكثر فقرا بحلول عام 2015. ولا تبدو نتائج جهود الاسرة الدولية مشجعة حتى الان. فلا يزال نحو خمس سكان العالم يعيشون على اقل من دولارين يوميا، اكثر من ثلاثة ارباع هؤلاء في المناطق الريفية من الدول النامية على الرغم من المليارات التي ينفقها او يتعهد بتقديمها العالم المتقدم والغني من اموال المساعدات وقروض التنمية. ومع تعقد الاسباب والنتائج لاستمرار ازمة الفقر في العالم، تبرز مشكلة الفقر الريفي باعتبارها اكثر حدة واشد وطأة وتفاقما. ومشكلة فقراء الريف الاساسية انهم لا يلقون اهتماما، سواء من حكوماتهم المحلية او من الاسرة الدولية ككل على الرغم من زيادة اهمية قطاع الزراعة في الاونة الاخيرة. فقبل ثمانية عشر شهرا كانت مشكلة الدول الكبرى المنتجة للحاصلات الزراعية هي انخفاض الاسعار، ما جعل دولا كالولاياتالمتحدة الاميركية واليابان تفكر في التخلص من قدر من انتاجها دون طرحه في السوق لتقليل العرض والحفاظ على الاسعار. وعلى مدى عام ونصف العام، ارتفعت اسعار المواد الغذائية والمنتجات الزراعية بشكل كبير يزيد عن الضعف في بعض الاحيان والانواع. ولم ينعكس ذلك ايجابا على مئات ملايين الاسر الريفية الفقيرة، بل على العكس تشير بعض التقديرات الى زيادة عدد فقراء الريف في العالم في تلك الفترة بحوالي خمسين مليون شخص. فكيف يستقيم الا يعود ذلك التحسن في الاسعار بالفائدة على منتجي تلك السلع! سبق الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) في روما الاسبوع الماضي اجتماعات منتدى الفلاحين الدولي. وحاولت استقصاء السبب وراء استمرار ظاهرة الفقر الريفي رغم زيادة الطلب على المنتجات الزراعية وارتفاع اسعارها. وكان تفسير كثير من ممثلي روابط الفلاحين ان هناك عدم عدالة في السوق، فالأرباح الهائلة تعود على التجار والمضاربين في العقود الاجلة للسلع الغذائية والزراعية وعلى الشركات الكبرى الخاصة التي دخلت مجال الانتاج الزراعي والغذائي. اما صغار الفلاحين فيعانون معاناة مزدوجة من نقص العائد على زراعتهم وزيادة كلفة الانتاج ومتطلبات المعيشة نتيجة ارتفاع الاسعار. والخلاصة ان العولمة، التي يتحدث مروجوها ومؤيدوها عن فوائدها الهائلة على صغار المنتجين ومئات الملايين ممن كانوا يعانون اصلا من الوصول الى الاسواق الدولية، انما تزيد الفقراء فقرا والاغنياء غنى في استقطاب تظهر حدته اكثر في قطاع الزراعة العالمي. ومع عودة اهتمام العالم بقطاع الزراعة، لا يهتم احد بصغار الفلاحين الذين شكلوا النواة الاساسية لهذا القطاع على مدى مئات السنين. والمشكلة ان العالم ينظر لقضية الفقر، وفقراء الريف تحديدا، على انها مشكلة اخلاقية اكثر منها مشكلة اقتصادية صرفة وذات علاقة وثيقة بالكثير من مشكلات العالم المعاصرة. فالتوجهات الجديدة للسياسات الزراعية، وخاصة دخول الشركات الكبرى والعالمية اليه، انما تعتمد سلوكيات انتاجية تضر بالبيئة وتزيد من تلوثها وتسرع من عملية تآكل الاراضي الصالحة للزراعة في مقابل الربح الهائل والسريع. اما صغار الفلاحين خاصة في القارات الثلاث افريقيا واسيا واميركا اللاتينية فيمثلون نموذج التنمية المستدامة التي تحافظ على البيئة عبر اساليب الزراعة التقليدية. واذا كان نصيب القطاع الزراعي من ميزانيات الدول يتراجع في العقود الاخيرة لصالح قطاعات اخرى صاعدة مثل الخدمات وغيرها، فان مشكلة الغذاء التي افقنا عليها مؤخرا كفيلة بأن تجعل الحكومات تعيد النظر في تمويل ذلك القطاع والاستثمار فيه، خاصة وانه اكبر مستوعب للعمالة في كثير من الدول النامية التي تعاني من مشكلة بطالة. كما يتعين على الدول التي تقدم مساعدات التنمية ان تغير من توجهها الى حد ما، ليس فقط بغرض مكافحة الفقر الريفي، ولكن ايضا بغرض تشجيع انماط تنمية تحافظ على موارد هذا الكوكب في مواجهة زيادة احتياجات سكانه خصوصا من الغذاء. ثم هناك مسألة في غاية الاهمية، وهي ان كثيرين ينظرون الى الزراعة باعتبارها قطاعا يدل على التخلف وسط ابهار قطاعات اخرى مرتبطة بالتطور في عالم اليوم. وتلك نظرة قاصرة جدا، فانتاج الغذاء لسكان الارض ليس تخلفا وما لم يجد الناس ما يأكلونه فلن يبدعوا في تلك القطاعات الاخرى التي نعتبرها متطورة. كما ان الزراعة مكون هام في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لكثير من دول العالم، ويكفي ان نتذكر حقيقة ان القسم الاكبر من عائدات صادرات الولاياتالمتحدة الاميركية في السنوات التي لا تبيع فيها صفقات سلاح ضخمة هو من بيع منتجاتها الزراعية والغذائية للعالم. وهناك ايضا عدم العدالة المرتبطة بنظام العولمة، خاصة ما يتعلق بالدعم الزراعي المقدم لمزارعي الدول الصناعية المتقدمة ويحرم المزارعين في كثير من الدول النامية من اي ميزة تنافسية في السوق. وغالبا ما تذكر هنا حقيقة ان البقرة الواحدة في دول الاتحاد الاوروبي تحصل على ثلاثة دولارات من الدعم الحكومي يوميا، فيما نحو ثلاثة ارباع المليار من سكان الريف في الدول النامية يعيشون على اقل من دولارين يوميا.