لتقصيرها في حق أسرتها.. ليلى علوي تبكي أمام الجمهور في مهرجان الإسكندرية السينيمائي الدولي    من أصل 18 ألف شاحنة ..الاحتلال أدخل إلى غزة 10% فقط من الشاحنات خلال سبتمبر    حقيقة رحيل محمد عواد عن الزمالك في الانتقالات الشتوية    العريش بين الإدارة الدولية والسيادة الوطنية.. هل تُباع سيناء بالتقسيط في صفقة ترامب؟    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025    تعرف على موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    أسعار اللحوم في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    أسعار الفاكهة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    24 تريليون دولار قيمة اقتصاد المحيطات.. وارتفاع حموضة المحيط سابع اختراق في حدود الطبيعة وتهدد الأنواع البحرية    وزارة البيئة: عقوبات رادعة تصل إلى مليون جنيه لحرق المخلفات    بسبب وقائع شغب.. محافظ القليوبية يستبعد قيادات تعليمية بمدارس قليوب وميت حلفا    محمود كامل يعلن انضمامه لاعتصام صحفيي "الوفد" السبت المقبل: دعم الزملاء واجب نقابي وأخلاقي    بوتين: دول الناتو فى حالة حرب مع روسيا ولم تعد تخفى ذلك    شرطة مانشستر: المهاجم مواطن بريطاني من أصل سوري    رقم سلبي يلاحق مدرب نوتنجهام فورست بعد الخسارة الأوروبية    موهبة مانشستر يونايتد تثير اهتمام ريال مدريد    وزارة العدل السورية تنفي صدور أحكام إعدام بحق مفتي سابق ومسؤولين في عهد الأسد    تركيا.. احتجاجات واسعة تندد باقتحام الاحتلال الصهيوني سفن "أسطول الصمود"    الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أستون فيلا يقهر فينورد على ملعبه في الدوري الأوروبي    شقيق عمرو زكي: اللاعب بخير وصحة جيدة.. ولا أعرف لماذا يرتبط اسمه بالمرض    رحلة تحولت إلى مأتم.. وفاة نجل طبيب وإصابة أسرته فى حادث بالطريق الإقليمى    جرعة مخدرات وراء مصرع سيدة داخل مسكنها فى العمرانية    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    ضبط عاطل وشقيقه بتهمة حيازة مواد مخدرة للاتجار بالهرم    انفصال 4 عربات من قطار بضائع بسوهاج    تموين مطروح تضبط 6.5 طن سولار وسلع غذائية قبل بيعها في السوق السوداء    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الدولة تدعم المحروقات ب75 مليار جنيه رغم الزيادات المقررة    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    خسيت 60 كيلو.. أبرز تصريحات عبد الله نجل غادة عادل ومجدي الهوارى (إنفوجراف)    أسامة كمال: الإخوان "عايزينها تولع" ويرغبون فى رفض حماس لخطة ترامب لوقف حرب غزة    ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة..صور    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حققت أهم وأحلى حاجة مع محمد رمضان    الفنانة شيرين تكشف تفاصيل إصابة قدمها وتجربة الألم أثناء تكريمها في مهرجان الإسكندرية السينمائي    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد يفوز بلقب شخصية العالم القرآنية بجائزة ليبيا الدولية    عالم بالأوقاف: الوطنية الصادقة لا تنفصل عن الدين.. وعبارة الغزالي تصلح شعاراً لعصرنا    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    السوشيال ميديا بكفر الشيخ تتحول لساحة نزال شرسة قبيل انتخابات النواب    موقف زيزو من مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية في الدوري المصري    رئيس جامعة الإسكندرية يسلم 4 نواب وعمداء جدد القرارات الجمهورية بتعيينهم (صور)    تفاصيل مسلسل «درش» ل مصطفى شعبان.. رمضان 2026    قائد عسكري إيراني: نحن أقوى هجوميًا الآن 12 مرة مُقارنة بحرب ال 12 يوما مع إسرائيل    وضع حجر أساس مستشفى «الخليقة الجديدة» بأسيوط بيد البابا تواضروس    السفير التركي يفتتح الدورة 78 من "كايرو فاشون آند تكس" بمشاركة 650 شركة مصرية وأجنبية    تحقيق عاجل بعد اتهام مدير مدرسة بالاعتداء على طالب في شبين القناطر    استشاري مخ يكشف مدى خطورة إصابة الأطفال ب"متلازمة ريت"    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    وكيل تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة في دمنهور    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفاق الدولي: الغرب المؤسسي
نشر في الشعب يوم 31 - 08 - 2013

كثيرة هي الشخصيات الحَرية بالعناية بالكشف عن التفكير الاستعماري ونفاقه الكبير في مجال حقوق الإنسان، وخاصة إن تعلّق الأمر بالإنسان الشرقي و المسلم الحر النزيه، الذي يعيش آلام وآمال أمته في نهضة حضا رية تحقق مرضاة الله في نفسها وبها تسعف الأسرة الإنسانية في الخروج من وهدتها، لعلّ من جملة تلك الشخصيات أمير البيان الشيخ البشير الابراهيمي(ت1965)، القائل: الاستعمار رجس من عمل الشيطان، وقال في سياق آخر كأنّه يحدّثنا عن واقع موقف الغرب من إبادة السلميين:" ظلم القادر لا يسمى ظلما، لأنّه صادر من قادر، وقتل الأرواح ليس قتلا"، ونعوم تشموسكي، القائل: "الغالبية العظمى في المنطقة تعتبر أمريكا مصدر التهديد الرئيسي لمصالحها، بل إنّ الأغلبية معارضة لسياسات أمريكا الخارجية"، وأوجين يونغ(ت 1936)، الذي سنتوقّف عند بعض وصايا الاستعمار كما أوردها، وأعتقد جازما أنّ سياسة الدول العظمى، لا تختلف عنها على الإطلاق إذا تعلّق الأمر ببلداننا والعالم الإسلامي على الخصوص، إنّها تزاول النفاق السياسي في أجلى صوره.
1- من بين الوصايا التي يؤكّد عليها قوله" لا كرامة لغير المستعمر ورجاله أي الاستهانة بالكرامة الإنسانية. عَبَّر أوجين يونغ عن هذه المعاني بقوله: "يجب أن تنسى كرامتك الإنسانية، تُقَبِّل اليد التي تضربك وتحمد فضلها على عظيم صنعها بك وبأهلك"، وقد كان ديدن الاستعمار التقليدي التمكين لهذه الفكرة، ونسج الاستعمار الجديد أساليب مبتكرة للتمكين لها، إذ تؤكد تصرفاته السياسية أنه لا يأبه بكرامة الآخرين، وموت واحد من أفراده أو المنتسبين إليه، تقوم الدنيا ولا تقعد لأجله، أما موت ألاف مؤلفة من الآخرين فلا يهم، وقد أبدت (و، م، أ) تصرفاتها العسكرية في أفغانستان والعراق ومصر وسوريا... عدم تساوي البشر في الكرامة الإنسانية.
التفكير في حل مسألة النزاعات في العالم بمنطق تساوي البشر في الكرامة الإنسانية، وذلك وفق منطق "تساوي جميع أفراد الأسرة الإنسانية في الكرامة" يدفع إلى ترك استعمال القوة والأسلحة الممنوعة[1]في فك النزاعات إلا في حالات نادرة جدا، تمثل استثناء ولا تمثل قاعدة عامة في فك الخصومة أو المنازعة، وقد استجاب العالم لاستعمال القوة بمسَوِّغات كثيرة كقول بعضهم في بيانات التنديد "نحذركم من الإفراط في استعمال القوة العسكرية"، طبعا وهذا غير التحذير من استعمال القوة أصلا في فك الخصومة السياسية أو الفكرية أو التربوية والحضارية أو الاقتصادية بحصار المناوئين.
وأبين شاهد على التمييز في الكرامة الإنسانية إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على حصانة جنودها وجنود الاحتلال الصهيوني من الخضوع للمحاسبة فضلا عن المحاكمة أمام المؤسسات الدولية على ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان وفلسطين، بينما تجدهم أنشط في محاكمة المخالفين والمناوئين على جرائم نسبت إليهم وهي حال ثبوتها لا تساوي عشر معشار ما اقترفه جنود الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي في بلاد المسلمين.
ولعلّ من تجليات هذه السياسة الموقف المخزي للولايات المتّحدة والاتحاد الأوربي من المحرقة والإبادة الجماعية التي يتعرّض لها المناوئة للفئة الباغية على الشرعية الدستورية في مصر الكنانة، (و م أ) - الدولة العظمى والقوة التي تدعي بأنها أساس استقرار العالم- تذكر في تصريحاتها الرسمية أنّ تدخلها سيكون محدودا في مصر لعدم القدرة، والاتحاد الأوربي يوقف تصدير أدوات القمع، إنّها مواقف مخزية بهم، ودالة بنفسها على أن| القيم الرفيعة التي يتبنونها ليست للتصدير بل للاستهلاك المحلي، فللغربي أن يتمتّع بجميع الحقوق الطبيعة والمكتسبة، وليس للمسلم أن ينال عشر معشارها، أين الكرامة الإنسانية التي صدّعتم رؤوسنا بالتغني بها؟ وهنا أتساءل لو وقع في عهد الشرعية الدستورية والشعبية عشر معشار(1/1000=0،001) ما أوقعته الفئة الباغية بالسلميين، كيف سيكون موقفكم؟ لا أنتظر الجواب، لأني أعلم يقينا أنّ النفاق الغربي المؤسسي وليس الشعبي، يكيل بمكاييل مختلفة، فينظر من ضحية ليقرر فيما إذا كان سيدين الجلاد ويعمل على معاقبته في إطار المؤسسات الدولية من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، أم أنّه سيمهمه ويطيل الأزمنة ليبرّئ ساحة القاتل، ويلحق جريمة القتل بالمقتول كما هي العادة، وقد أغلب الحكومات الغربية عندما تعلّق الأمر بدمنا، وترددت وتلكّأت، وبعد الاجهاز على مقدرات الشعب وإضعاف الدولة وتدمير البنى التحتية، سيتدخلون لأجل التظاهر بالإنسانية والقيم الرفيعة، التي هي نصيبهم وليست من نصيبنا لأننا مسلمون.
يُعَدُ إثبات الكرامة لجنود الاستعمار ووكلائه وحرس مصالحه في بلاد المسلمين ومنعها عن الآخرين، أوضح أساليب التمييز بين الناس بفعل الانتماء الجغرافي والحضاري وفي ذلك بعث لفكرة الإنسان الممتاز وكان في السابق الأبيض الذي يجب أن يتمتع بكل خيرات العالم، أما إذا كنت إنسانا آخر، فأنت ومالك وحاضرك ومستقبلك ملك لصاحب الكرامة وساسته ولا كرامة لك إلا بقدر ما تُقَدِّم من فروض الطاعة والتأسيس للتبعية، ولكن هل من كرامة بعد تضييع الإنسان حريته وأنفته؟ وهل يبقى للكرامة معنى إذا أفرغت من معانيها؟ إنها الإهانة بعنوان الكرامة..
2- ويذكر أوجين يونغ في وصية أخرى أن الغرب يؤسس في المسلمين لفكرة قبول الحرمان من المطالبة بالحقوق، ويشهد لتأسيس قبول الحرمان من المطالبة بالحقوق، مطالبة الغرب الشرقي بعدم الذهاب إلى "الغرب" زمن السلم والمطالبة بحقوقك، وإلا فأنت مصاب بالطاعون ومشاغب وعدو اليهود و"إرهابي"، وعليك أن تنتظر عقابك من الحاكم العسكري أو المدني الذي يحرس مصالح اغرب في بلادك.
يستعمل الاستعمار الجديد ذات المعاني، فيطلب من المستضعفين الكف عن المطالبة بالحقوق، وقد جعل مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم الجغرافية والحضارية جريمة يصنف المتهم بها في خانة معاداة السامية واليهود، وإذا كان خصم الاستعمار في القرن الماضي يتهم بأنه وطني أو شيوعي؛ فإن الاستعمار في الوقت الراهن ينسب إلى الإرهاب ومحور الشر كلّ من أصرّ على المطالبة بحق أمته في الحرية السياسية والاقتصادية.
وقد أبدعت (و، م، أ) أساليب جديدة تؤسس لقبول الحرمان دون تفكير في درجة موضوعية المطالب الأمريكية، فالإصلاح السياسي والرغبة في دمقرطة العالم تتوقف بمجرد احتمال أن تكون الديمقراطية غير مضمونة العواقب، كأن تكون وسيلة لصعود قوى سياسية لا توافق هوى أمريكا، وإذا تيسرت الظروف لتوازنات سياسة محلية أو دولية لنجاح تجربة سياسية لقوى مناوئة لمصالح(و، م، أ)ا فالحصار الاقتصادي أو التحريض المحلي على استئصالها أشهر الأساليب المستعملة معها، وما نراه من ازدواجية في التعامل مع معطيات اجتماعية وسياسية متشابهة إلا خير دليل على الحرمان الذي يرد الغالب الوقتي التأسيس لقبوله في منطقتنا، رأسها وأبينها تعامل (و م أ) والاتحاد الأوربي مع الفئة الباغية على الشرعية.
يسعى الغربيون وحرس مصالحهم في منطقتنا إلى صناعة التيئيس من تحسن الوضع السياسي والاجتماعي، وفق خطة عمل دؤوب يستغرق الحياة اليومية للمستعمرين وعملائهم، ويستشف من أقوال أوجين يونغ أنّ حرس مصالح الغرب في بلداننا يقدّمون أبناء البلد إلى المحرقة لأجل مصالح الغرب، فيكون الأول الذي يذهب إلى المذبحة (الحرب)، ويخضع لمعاملة خاصة، وفي كلّ الأحوال عليه أن يعمل بجد في خدمة المصالح الغربية، ويجب أن يحذر من المطالبة بتحسين حالته، وكذلك يفعلون الآن، خرجت مظاهرات السلمية للمطالبة بالشرعية وما ذلك إلا لجل تحسين الحياة السياسية والعودة إلى الشرعية، فتدخّلت الدول الغربية محذّرة ثم متغاضية ثم ساكتة عن الجرائم التي تطوّرت بشكل تصاعدي، من قتل إلى مجزرة إلى قنص إلى محرقة، والمواقف الغربي تتدهور بشكل تنازلي ظاهر، تحذير تنديد ثم وقف أدوات القمع، وبعضها أصرّ على أنّه عاجز عن فعل شيء أمام الفئة الباغية على الشرعية.
القوى الاستعمارية الجديدة ما دخلت بلادا بعنوان تحسين أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا ازداد وضعها سوءا وتعقيدا، وتجربة تصدير الأمن إلى أفغانستان والعراق شاهد قائم بنفسه على اليأس الذي وصلت إليه شعوب المنطقة، فجعل البلاد المحتلة مسحا لتصفية الحسابات الإقليمية والمحلية، سيفضي وفق رغبتهم إلى صناعة اليأس من تَحَسِّن الوضع الإنساني والأمني فضلا عن الاقتصادي والسياسي، وتنتهي إلى نتيجة أخطر من الطاعون مفاداها: "لا حل لكم بغير بقاء القوى الاستعمارية في بلادكم، ولا طريق لحمايتكم بغير عملائها"، وفي ذلك أنفذ أساليب التأسيس لقبول الأمالي الصريحة فضلا عن المبطنة، فتحقق القوى السياسية المحلية رغبة الاستعمار الجديد، وتتولى المرافعة عن مشروعه أسماء وطنية ولكن بخطة طريق الاستعمار الجديد، وتنتهي الحكاية بجعل الاستعمار ضرورة موضوعية للتحرر والانعتاق من الاستبداد، ولا ندري نوعية العقل الذي يجعل الاستعمار مدخلا للاستقلال، الاستعمار مدخل رئيس لاستعمار أشنع حراسه جماعة من الخدم المحليين.
3- يعمل الاستعمار على جعل الشكوى جريمة لا تغتفر فالشكوى من الظلم ممنوعة، يسعى الاستعمار القديم جهده من أجل احتلال بلاد المستضعفين، ولا يتأتى له تحصيل المراد والحفاظ عليه بغير منع الشكوى، لهذا قال أوجين يونغ: "إذا جعت أو عريت أو أصبحت بلا مأوى ولا أسرة فمد يدك واسأل المارة، ولكن إياك أن تشتكي أو تئن، وعليك أن تصيح لتحيا المدنية. " و ليحي الغرب، صاحب سمفونية حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، التي تعبنا من كثرة سماعها، ويأسنا من وصولها من طريقه، لأنّهم يعتقون أنّنا لسنا حقيقين بها، فحريتنا ما نصنعه بأنفسنا، لا ما يأتينا عبر دبابته أو وسائلة الناعمة التي تغني و لاتنفع.
لا يختلف الاستعمار الجديد عن الاستعمار التقليدي في تبني هذه الفكرة، فمسلكه في الوقت الراهن قائم على تشجيع التبعية الاقتصادية والصناعية والصحية، بحيث تمنع مجتمعات المستضعفين من التأسيس للاستقلال الحقيقي، استقلال يتجلى في استقلال القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي و... وكل محاولة لدفع هذا الداء العضال والتشكيك في مشاريع الاستعمار في بلداننا يعرض صاحبه إلى التشكيك والتحريض عليه من قبل القوى المحلية، ذلك أن التشكيك في نفع مشاريع الاستعمار للبلدان المستعمرة نوع شكوى من ظلم اقتصادي أو اجتماعي وذلك ممنوع يعرض صاحبه لويلات لا قبل له بها، وهو ما توافقت في شأنه القوى الغربية وحرس مصالحها من ابناء جلدتنا، وهو من أهم الأسباب التي دفعت الغربيين إلى المساهمة في إسقاط الشرعية أو على الأقل قبول إسقاطها أو السكوت على الإجهاز عليها من قبل الفئة الباغية جماعة الانقلابيين.
4- الاستحواذ على القرار في الدين نفسه بتزييف الوعي بالدين وتزييف الوعي الديني، كان الدين وما زال مصدر وعينا بالكون والحياة وملهمنا بحقيقة ظاهرة الاستعمار، لهذا عمل الاستعمار التقليدي على الهيمنة على مصانع وعينا بإسناد أمر التوجيه إلى ممالئين لسياسته ومشاريعه، وإن عجز عن ذلك شكك في الموجهين الحقيقين للمجتمع، وقد لخص مشروعه أوجين يونغ في قول:" عليك أن تطيع الشيوخ والمفتين (العملاء لنا) وكل المخلصين من أرباب الشعائر الدينية، وعليك أن تشتري الحجب التي يكتبونها، وتقبل أطراف جببهم وإلا أصابتك لعنتهم".
لا يختلف الاستعمار الجديد عن القديم في تبني ذات المسلك، فتراه يحمد مجموعة من القيادات الفكرية والدينية ويرفع من أسهمها في التوجيه، ويخفض من شأن المناوئين له بغرض طردهم من الضمير الجماعي للأمة أو التشكيك فيهم على الأقل، وقد قبل بعض المنتسبين إلى التوجيه السياسي والتربوي والفكري والاجتماعي بتقديم خدمات جليلة للمستعمر من خلال القيام بوظيفة تثبيط العزائم والتعلق بالمستعمر ومشاريعه نيابة عن المستعمر نفسه، وفي تصريحات الساسة كثير من المؤيدات، وأخطر ما يركن إليه بهذا الصدد شرعنة (الحكم بمشروعية) الخضوع وقبول الأمالي، وبهذا يصبح دينا حقيقا بأن يكون أفيون الشعوب، ذلك أنه تزييف الوعي بالدين من خلال جعله نصيرا للمستعمرين والمستبدين و... وفي هذا أقصر طرق تزييف للوعي الديني؛ فلا يصبح من مهام الدين دفع الظلم والتأسيس للتنمية بتجاوز التخلف، بل يصبح من مهامه الرئيسة أن يبتعد عن مهمة دفع الاستبداد والظلم الاجتماعي وتجاوز التخلف بالتنمية.

5- يرتبط بقاء الاستعمار بالاستجابة للتحذير من مغبة المقاومة أو التفكير فيها، يستشف من تصوير أوجين يونغ لحال الاستعمار التقليدي أن أبغض أمر إلى الاستعمار تفكير المستعمر في كيفية خلوصهم من الاستعمار، وبهذا ورد عنه قوله: "يجب عليك التغني بضابط أمور المواطنين وأتباعه، وتمدح أصدقاء "الغربيين"، وتقيم لهم التماثيل، فإذا عصيت أو أظهرت استقلالا بالرأي فمصيرك السجن. "[2]
التفكير في المقاومة بداية طريق الاستقلال، لهذا عمد الاستعمار الجديد على منع اكتشاف عناصر المقاومة الكامنة في القوى الذاتية للأمة، وقد عمد إلى هذا الأسلوب بواسطة استعمال أسلوب الأمالي المبطنة لتغيير برمج صناعة الوعي والاستحواذ على مصانع صناعة الوعي ولاسيما المدرسة والخطاب المسجدي ووسائل الإعلام، بل جعل تلك الوسائل مدخلا رئيسا للتمكين للفكر الاستعماري، وعمدة نجاحه جعل التفكير في المقاومة جريمة لا تغتفر أما تجسيد المقاومة بالفعل فهي الطاعون الذي يجب دفعه.
ولاشك أن دفع تلك المهمة الخطيرة تمثل رأس التكاليف الشرعية التي يتعيّن على القيادات الدينية والفكرية القيام بها، وتطعيم الأمة ضد الأفكار والمشاريع التي من شأنها جعل المقاومة فعلا مُجَرَّما، بل يجب زرع وعي جديد يجعل من تحقيق تلك الوظيفة أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله وهو ما يخدم الأمة ويدفعنا لأجل البذل لها.
يستشف مما سبق أنّ الغربيين ينافقون بامتياز في مجال حقوق الإنسان، والقيم الإنسانية الرفيعة، لأنّهم لا يرونها صالحة لنا، لأنّها المدخل لاستقلالنا واستعادة مكانتنا في المجتمع الدولي، لهذا تعمد الدول الغربية إلى تشجيع صور التديّن التي تسمح ببقاء التبعية وتمنع التفكير في الاستقلال الحقيقي، وهو ما جعل الغرب ووكلاء مصالحه وحرسها في منطقتنا العربية يتوافقون معه على ضرورة الحفاظ على مكاسب الثورة على الثورة، بقبول واقع جديد أسسته الفئة الباغية بكلّ معانيها السياسية والشرعية، وأهمها قبول سجن الرئيس وقبول قرارات الفئة الباغية التي ليست إلاّ أمالي الغرب على مصر، وستأتينا اليام بتدخّل الغرب لأجل فض الاشتباك، بعد تعديل القوانين اليت تمنع كلّ مقاوم من لمشاريع الاستعمار الغربي من الوصول إلى مصاف القرار بكلّ الوسائل ، ولا يهم إن كانت مشروعة أو غير مشروعة، فستعود آلة القمع، وستعود آلة التزوير وستعود الأيام السوداء التي عرفتها مصر، هذا ما يتمنون
وعهدنا بالمقاومة السلمية أنّها لن تقبل المساومة في كرامتها التي هي عنوان آدميتها، إنّها ستسترد الوطن من الفئة الباغية التي اختطفته، وسيكتشف الغرب أنّ التعويل على في حفظ المصالح لا يجدي نفعا، وفي الوقت نفسه سيتأكّد أهلنا أنّ المعوّل بعد الله هي جهودنا في شعاب الحياة لنسترد آدميتنا، فنهضة مصر تعني بداية استرداد الأمة لحضورها في التوازنات الدولية، لهذا فالسلمية في مصر هي رائدة وقائدة استعادة الأمة رشدها، اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقّل من ذلك، والهم أهلنا مراشد أمورهم، إنّك على كلّ شيء قدير بالإجابة جدير.
[1] - الفسفور الأبيض في الفلوجة وغيرها كثير.
*المفكر الجزائري أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة الجزائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.