وفاة منتدب رئيس لجنة بالدور الثاني للثانوية العامة إثر أزمة قلبية حادة بقنا    الري: حصاد 315 ألف متر مكعب من مياه الأمطار بجنوب سيناء    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    «الإحصاء»: ارتفاع عدد سكان مصر بالداخل إلى 108 ملايين نسمة    الرئيس السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة «إتقان» لعام 2025-2026    معايير عمل لجان حصر وتقييم وحدات الإيجار القديم.. تفاصيل القانون الجديد    عودة الكهرباء بكامل طاقتها إلى إدفو بعد إعادة تشغيل محطة الحصايا (صور)    «السياحة» تبدأ مبكرًا في إجراءات الحج بتوقع عقد الضيافة وخدمة الحجاج بالمشاعر المقدسة    ترامب يكشف أبرز 10 نقاط من قمته مع بوتين    إعلام فلسطيني: 14 شهيدا في قطاع غزة منذ صباح اليوم بينهم 3 من منتظري المساعدات    وزير الخارجية يؤكد رفض مصر للتصريحات الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني    معروف يدير مباراة جامبيا وبوروندي بتصفيات المونديال    سيمينو ينفجر غضبا بسبب العنصرية.. والشرطة تحقق في الحادث    أحمد عاطف قطة: الظروف الصعبة سبب "كارثة" الأولمبياد.. وحزنت لضياع الدوري أكثر من كأس مصر    تعرف علي موعد بدء العام الدراسي الجديد 2026 داخل المدارس    أمن المنافذ بالداخلية يضبط 84 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    تشييع جثمان شاب لقي مصرعه غرقا داخل حمام سباحة ببني سويف    بعد تأجيل الدراسة| الموعد الجديد لبدء العام الدراسي بمدارس الجزائر    عرض مقتنيات نادرة لأم كلثوم، افتتاح معرض "صوت مصر" بمجمع الفنون الإثنين    انطلاق تصفيات أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية فى تاريخ مصر بالتعاون بين وزارة الأوقاف والشركة المتحدة    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    إجراء 20 عملية مياه بيضاء في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي بقنا    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    خلال العطلات الرسمية....صحة الشرقية تنفذ أكثر من 37 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية    حلول عاجلة لتوصيل مياه الشرب لعدد من المناطق بجنوب بورسعيد    آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    موعد تقليل الاغتراب لطلاب تنسيق المرحلة الثالثة 2025    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    كليات مسار الطب وعلوم الحياة بالبكالوريا بعد التصديق على قانون التعليم    وزير الخارجية ونظيره الألماني يؤكدان ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    السبت 16 أغسطس 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    ذهبيتان وبرونزية لمصر بنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    بعد طرحه بأيام.. فيلم درويش يشعل المنافسة بالموسم السينمائي    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    عمرو وهبة يحتفل بعيد ميلاد ابنه: «الحمد لله عدت بدعوات الناس » (فيديو)    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    18 قتيلا و24 مصابا في حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية.. صور    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    «سر البشاميل الكريمي».. خطوات مضمونة لنجاحه من أول مرة (الخطوات والطريقة)    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخرِجوا الإستعمار من نفوسِكم يخرج من أرضِكم
نشر في الشعب يوم 08 - 06 - 2013

ربما لم يبق من بيننا الكثيرون على قيد الحياة ممن شهدوا بل وشاركوا فى مقاومة الإحتلال البريطانى لمصر، لكن بالتأكيد لايوجد بيننا من لم يسمع عن المقاومة الشعبية البطولية للإحتلال ولا عن الفرحة التى غمرت قلوب المصريين عندما تم جلاء الإنجليز وإستعادت مصر إستقلالها. كان جلاء قوات الإحتلال حلما وطنيا بُذلت من أجله الدماء لكن العجب يكمن فى أنه بعد قرنين من تحقيق حلم الإستقلال سلّمنا مصر بأيدينا إلى الإستعمار ليتحكم فى مواردها ويملى عليها ما يجب وما لا يجب أن تفعله. لم يحتاج الإستعمار هذه المرة إلى قوات عسكرية ليسحق بها إرادة الشعب لكنه إحتاج إلى جموع من الشعب نفسه إنبهرت بالنموذج الغربى وإختارت طواعية الإنضواء فى عباءة المستعمِر والسير فى الحدود الضيقة التى رسمها لنا.

هذا الإستعداد النفسى لقبول الإستعمار تجسّد فى مشهد رأيته على شاشة التليفزيون يوم أن دخلت القوات الأميركية بغداد عام ۲۰۰۳. ظهر أحد المواطنين العراقيين وهو يتحدث إلى أحد جنود قوات الإحتلال قائلا "يمكنكم أن تذهبوا إلى أى مكان حيث شئتم ولكن لا تقربوا هذا المكان" وأشار إلى قبة أحد المساجد المعروفة. هذا المشهد هو أصدق تعبير عن النفسية العربية المهزومة فى هذه الحقبة التاريخية. أهلا بالإستعمار طالما أنه لا يهدد عقيدتنا الدينية، لانبالى حتى لو غزا أرضنا بجيوشه طالما أنه لم "يدنس" مساجدنا، لامانع من أن يعتدى على إرادتنا طالما أنه لم يعتدى على "مقدساتنا"، وكأن الإرادة الوطنية ليس لها ما للأحجار من قداسة.

هذا الإستعداد النفسى هو أيضا ما عبّر عنه الرئيس السادات ذات يوم بقوله إن 99٪ من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة. لقد كانت هذه هى نقطة التحول - أو قل نقطة الرّدة - عن روح الإستقلال والنخوة الوطنية التى سادت فى الستينيات. من هنا كانت البداية، لكن لابد من الإقرار الآن بأن ذلك التحول - أو قل الغرام بالنموذج الأميركى - لم يكن رغبة الرئيس (السلطان) فقط فى ذلك الوقت لكنه كان أيضا رغبة شعبية مؤسسة على وهم بأن الأميركان هم المنقذ من اليسار الذى "خرّب" مصر، وأننا سنستعيض عن الشيوعية التى جلبت الفقر بالرأسمالية التى ستجلب الرخاء.

هذه الثنائيات البسيطة الساذجة هى ما نجح المستعمرون الجدد فى إستغلالها ببراعة ليستعيدوا بها الغنيمة التى إضطُروا إلى التنازل عنها ذات يوم، ولم تكن الجموع التى سلمت "أوراق اللعبة" للولايات المتحدة فى السبعينيات تحت إيحاء هذه الثنائية (شيوعية-رأسمالية) تدرى أنها تفرّط فى إستقلال مصر. كان معنى الإستقلال فى مفهومها محدودا بعدم وجود قوات إحتلال "تدنّس" أرض مصر. وكأن فعل التدنيس ينتفى بإنتفاء التدخل العسكرى، مع أنه يمكن أن يتم أيضا - كما هو معلوم - بفعل الضغوط والإغراءات والتهديدات وتحت شروط القروض المجحفة وفى مقابل حفنة دولارات تجد طريقها عبر فضاء السمسرة والعمولات.

القبول النفسى للإنضواء فى عباءة المستعمِر هو مفهوم هام طرحه المفكر الجزائرى مالك بن نبي في كتابه "شروط النهضة" عام ۱۹4۸ وأطلق عليه "القابلية للإستعمار" أو "المعامل الإستعمارى"، وهو الشعور بالدونية لدى الشعوب المستعمَرة يتكامل مع الشعور بالفوقية لدى الشعوب المستعمِرة ليخلق الظروف المواتية للإستعمار الجديد. يعنى لا يكفى لتفسير ظاهرة النهب الإستعمارى لمصر أن نتهم الغرب المستعمِر بالإستعلاء تجاه شعوب الشرق لكن لابد لنا من الإعتراف بأن الإستعداد النفسي لدى جموع كثيرة من الشعب المصرى للخضوع للخواجة هو العامل الفاعل فى فقداننا للإستقلال بعد أن سلّمنا القط - عن رضى وطواعية - مفاتيح الكرار فى السبعينيات. عندما يزول هذا الإستعداد ونستبدله بإذكاء النخوة الوطنية والفخر بلغتنا وأدائنا وتعليمنا وثقافتنا سنكون قد خطونا أول خطوة على طريق الإستقلال ونبذ التبعية. وكما قال أحد المصلحين (ربما يكون ملاك بن نبى نفسه لكنى لم أجد هذه المعلومة موثقة) "أخرِجوا الإستعمار من نفوسِكم يخرج من أرضِكم".

يجب أن يكون هذا التوجه - إخراج الإستعمار من نفوسنا - هو أحد مناطات التغيير المنشود بعد الثورة. وهذا الهدف لا يتحقق بقرار سياسى - وإن كان يعتمد على دور تعبوى للقيادة السياسية - وإنما يتحقق بتوعية وإرادة شعبية. وقبل الإسهاب فى شرح هذا الأمر يجب التأكيد على حقيقتين هامتين. أولاهما أن الوعى بمخاطر "المعامل الإستعمارى" قد أصبح فى تزايد نتيجة لتحرر العقول بعد الثورة، والثانية أن "القابلية للإستعمار" هى مجموعة من الصفات النفسية والثقافية وما يستتبعها من علاقات اجتماعية قد تكون نتيجة للواقعة الإستعمارية نفسها أو مقدمة مسببة لها. وسواء كانت ذلك أم تلك فإننا بصدد عوار فى البنية الثقافية للمجتمع تستلزم التفكير والفاعلية بالتوازى مع المعركة السياسية الطاحنة التى تمر بها البلاد والتى تستنفذ جل طاقاتنا. وأعتقد أن أحد معايير نجاح أى حزب أو حكومة فى إدارة البلاد فى هذه المرحلة هو إسهامها فى محو هذه القابلية التى عشعشت فى النفوس.

أود الإشارة فيما تبقى من هذا المقال إلى ثلاث مظاهر للقابلية للإستعمار، يستحق كل منها دراسات ومناقشات موسعة، لكن سنكتفى هنا بالإشارات. أول المظاهر هو ما يتعلق بمسألة إنتشار التعبيرات الأجنبية حتى أصبحت مفردات فى اللغة المصرية الدارجة. كما إنتشرت أيضا أسماء أجنبية ذات دلالات تسويقية إنفتاحية لكثير من المؤسسات التجارية (بيفرلى هيل – أنكل سام شوب - شادى سبورت - كوكى بارك - الشانزليزيه - جينى لملابس المحجبات.. إلخ)، وهذا دليل على تشوه نفسى للحس الوطنى بإعتبار أن الخواجة هو الرقى والشياكة، وهو ما إستغله التجار لتسويق سلعهم. ثم ألا ترى أن هناك إرتباطا بين القابلية للإستعمار وإنتشار مسميات مثل ال "كوفى شوب" وال "توك شو" وال "فاست فوود" وغيرها؟

وثانى المظاهر هو إستبطان بعض مفاهيم المستعمر وألوانا من فنون إعلامه ومجالات ترفيهه بالذات. لماذا تم إختيار عنوان ومحتوى برنامج "صباح الخير يا مصر" مطابقا للبرنامج الأميركى "صباح الخير يا أميركا"؟ ولماذا ننقل حرفيا برامج تليفزيونية أميركية للترفيه مثل برنامج المسابقات المعروف بإسم عجلة الحياة وهو يمثل قيمة أميريكية فى المكسب الضخم السريع عن طريق المراهنة؟ إن هذا الإستبطان الإنتقائى لمفاهيم متعلقة بالإستهلاك والترفيه لايدل فقط على ميل لهذه الجوانب فى حياة الغربيين لكنه يعتبر دليلا على نزعة مذمومة للثراء الذى يأتى بضربة حظ دون تحمل مشقة العمل المنتج (وقد إمتلأ تراثنا بحكايات تؤكد هذه النزعة من أمثال على بابا والأربعين حرامى).

أما المظهر الثالث والذى يجب إطالة البحث فيه لخطورة تأثيره على مستقبل الأمة فهو إندفاعنا نحو التعليم الأجنبى وإستهانتنا بالتعليم القومى. هذا التوجه فيه تدمير لمستقبل الأمة، ولا أشك فى إرتباطه بظاهرة القابلية للإستعمار. لقد قبلنا أن يتمكن أبناؤنا من اللغة الأجنبية قبل أن يتمكنوا من اللغة العربية بل ويتفاخر الكثير منا بأبنائهم حين يرطنون بالإنجليزية ويخطئون فى العربية. وأتعجب كثيرا من الإتهامات القاسية المتبادلة بين الخصوم السياسيين بالعمالة لأميركا (حتى بمجرد الإتصال بأحد المسئولين الأميركيين) فى الوقت الذى نرسل فيه (كلنا) أبناؤنا لتلقى تعليمهم الأساسى فى مدارس "اللغات" (ومعظمها منشآت تجارية هدفها الربح عن طريق التعليم مستغلة نزوع الناس نحو ما هو أجنبى). وإذا سئل سائل: وما علاقة ذلك بالقابلية للإستعمار؟ وألا يمكن تفسير هذه الظاهرة بأنها أحد أشكال مد الجسور مع ثقافة الغرب؟ أقول وهل فعل الغرب نفس الشئ لمد جسور ثقافية معنا؟ يعنى هل وجدت فى أميركا مدارس بإدارة مصرية للتعليم الأساسى تكون فيها اللغة العربية سابقة على الإنجليزية، ثم يقبل عليها الأميركان ويهجروا مدارسهم ولغتهم القومية؟ بالطبع لا، فالأميركان ليس لديهم القابلية للإستعمار المصرى!

قابليتنا للإستعمار سوف تدمر مستقبل مصر من خلال تسليم التعليم الأساسى (ولا أقول التعليم العالى) لمستثمرين أجانب لأن هذا التعليم له مردود على التنشئة السياسية للأطفال والشباب، يعنى نحن هنا بصدد تغييب أجيال عن عناصر من الثقافة المصرية الأصيلة وتشويه هذه الثقافة، لكن الأخطر أننا بصدد أمر يمس عصب الأمن القومى المصرى.

ونعود إلى نقطة البدء ونطرح السؤال الآتى لمزيد من التفكير: لقد تحررت مصر من الإستعمار منذ ما يقرب من ستين عاما ورحلت جيوشه لكن مصر لم تنهض بل بقى فيها الضعف والتفكك. إذن لا يكفى أن نلقى باللوم على شماعة الإستعمار. لابد أن يكون السبب كامن فى أنفسنا. أفلا تبصرون؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.