سأحكي لكم حكاية جد مؤلمة حدثت في مطلع الثلاثينيات ويقال في مطلع الأربعينيات . وبطل هذه الحكاية مواطن مصري عتيق يدعي السيد عبد العاطي البيروقراطي وقد كان موظفاً بأرشيف إحدي المصالح الحكومية العتيدة ويقطن بحي شبرا وكان لابد له يومياً أن يقطع الطريق بالترام من شبرا حتي ميدان التحرير حيث كان اسمه أيامها ميدان الإسماعيلية نسبة إلي الخديوي إسماعيل وليس نسبة إلي الإسماعيلية التي بدورها تنتسب إلي الخديوي إسماعيل ..الأهم أن ما حدث للسيد عبد العاطي وصار تاريخاً شعبياً تتناقله الحكايات علي المقاهي في شبرا وروض الفرج والسبتية والمنيرة والسيدة زينب هو شئ لا يصدقه عقل . فقد كان السيد عبدالعاطي يسير في ميدان الإسماعيلية متجهاً إلي محطة الترام خط شبرا وبينما كان يسير أمام الجامعة الأمريكية في منطقة خلاء عظيم مسترخياً يدخن سيجارة هوليود وقيل كوتاريللي ساهماً يفكر في طعام أهل بيته وكيفية تدبيره لأيام خمسة قادمة هي الباقية علي نهاية الشهر، إذا به يتوقف قليلاً مستندا إلي جزع شجرة مستريحاً من عناء التفكير ومن المشوار من شارع الدواوين وحتي ميدان التحرير في عز حرارة شهر يوليو بالقاهرة زمان وهي طبعاً كانت رحمة بالنسبة لحرارة هذه الأيام الرهيبة.. ما علينا بعد أن استراح أخونا عبد العاطي من تعبه قليلاً أراد أن يكمل المسيرة حتي محطة الترام ولكنه لم يتزحزح من مكانه، حاول أن يجر قدميه فلم تتحركا . خلع الحذاء ربما يكون قد لزق نعله الكاوتش الطيارة مع أسفلت الشارع فلم ينخلع الحذاء من قدميه. استغاث بالناس طالباً زقة لكي يتحرك، ولم يفلح أربعة دواليب من الرجال طول بعرض في زحزحته من مكانه.. حاولوا حمله علي أكتافهم ولكنه أبداً لم يتحرك. لقد لزق السيد عبد العاطي البيروقراطي في مكانه استغاث المارة ببوليس النجدة الذي حضر ومعه ونش البلدية (الحي حالياً) علي أيامها وحاولوا جرجرة عبد العاطي بالونش ولم يفلحوا.. حفروا حفرة عميقة حوله وراحوا يدفعون قدميه من أسفل الأرض لأعلاها ولكنه أبداً لم يتحرك. أبلغوا وزارة الداخلية بعجزهم.. فتحرك خبراء من وزارة الحربية وخبراء من الجامعة أساتذة جيولوجيا ومعهم معداتهم وأخذوا عينات من التربة التي وقف عليها عبد العاطي وعينات من دم عبد العاطي وحللوا وهندسوا ولم يفلحوا في زحزحته. وصدر بيان أيامها في جريدة المصري يقول بالحرف الواحد أنه قد لزق المواطن عبد العاطي في الأرض ولا حول ولا قوة إلا بالله ولكن الحكومة الرشيدة في أيامها والأحزاب والجماعات الدينية أرسلوا في طلب خبراء من العالم المتقدم إنجلترا . التي كانت أيامها عظمي وفرنسا وإيطاليا ، وجاء الخبراء وحاولوا فك لغز التصاق الأرض بعبد العاطي أو التصاقه بالأرض ولم يفلحوا.. وكان الناس قد أقاموا له خيمة يقف فيها وكرسي يجلس عليه دون أن يحرك قدميه لأنه ملتصق بالأرض وإمداده بالطعام والشراب معاً وما يلزم لقضاء حاجته وصاروا يخدمونه وينظفون المكان من حوله.وأصبح عبد العاطي مزاراً لجماهير الشعب المصري يأتون من كل فج عميق من ربوع مصر ليتفرجوا علي الرجل الذي لزق وعندما أعيتهم الحيل وغلب حمارهم.. اقترح بعضهم أن يبنوا مصلحة حكومية ضخمة في نفس المكان الذي لزق فيه الأخ عبد العاطي.. استمر بناؤها سنوات حتي اكتملت في الجهة الجنوبية من ميدان الإسماعيلية المواجهة تماماً للجامعة الأمريكية وفي وسطها تماماً كان يقف أو يجلس أحياناً السيد عبد العاطي البيروقراطي حتي توفاه الله في بداية الخمسينات وقبل حرب 1956 وعرف المكان الذي لزق ودفن فيه عبد العاطي فيما بعد بمجمع التحرير للمصالح الحكومية . ولكن المشكلة الآن أين سينقل مقام الشيخ عبد العاطي الذي لزق بعد بيع ارض مجمع التحرير وهل ستلصق رفاته بأرض المجمع.. الله اعلم..؟!* نشرب بجريدة الوفد بتاريخ 18/ 3/ 1996