«بحضور المحافظ وأساقفة عموم».. تجليس الأنبا مينا كأول أسقف لإيبارشية برج العرب والعامرية (صور)    الإسعاف الإسرائيلي: 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بالمر يقود تشكيل تشيلسي ضد لوس أنجلوس في كأس العالم للأندية 2025    مدحت شلبي عن أزمة ضربة الجزاء: ما حدث لا يليق    الأرصاد تكشف مفاجآت بشأن حالة الطقس فى الصيف: 3 منخفضات جوية تضرب البلاد    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    استوديو «نجيب محفوظ» في ماسبيرو.. تكريم جديد لأيقونة الأدب العربي    «الصحة»: ملتزمون بخدمة المواطن وتعزيز الحوكمة لتحقيق نظام صحي عادل وآمن    «سياحة النواب» توصي بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية والسياحية بالأقصر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    فيفا يشكر كل من شارك في إنجاح مباراة افتتاح كأس العالم للأندية بين الأهلي وإنتر ميامي    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    بريطانيا تشهد تعيينًا تاريخيًا في MI6.. بليز مترويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    الجالية المصرية فى لندن تحتفل بعيد الأضحى    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصور يسكنها الإهمال‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 07 - 2011

قصر كبير‏...‏ أكبر بكثير من كل تصوراتنا تظهر صورته في أفلام الابيض والاسود والافلام التسجيلية التي قربت المشهد أكثر وأكثر بشكل تتوه معه العين الفاحصة‏..فهو مكان خارج عن كل تصور وخيال وهو بوجوده علي هذا الحال يطرح سؤالا.. هل كانت مصر بكل هذه الروعة والجمال؟. وماذا عن الناس الذين عاشوا في هذه القصور؟ هل كانوا بالفعل مجرد أناس حطوا علي أرض المحروسة مصر في زمن من الأزمنة يراودهم حلم الحكم والتسلط والثراء, فلم يكونوا مصريين حقيقيين وبالتالي لم يقدموا شيئا يحسب لأهل مصر؟ أم أنهم علي العكس من هذا تماما فقد ظلمهم كل من نظر إليهم هذه النظرة التي أخذت من رصيدهم أكثر مما أعطت, فهم في النهاية مصريون أصليون والدليل إنجازات عدة ومنها هذا القصر الذي بني حبا في بر المحروسة. فكل من أضاف إلي مصر الحلوة كان في الأصل حلواني.
هذا المشهد يتكرر ولهذا لاغرابة في أن تثار الان وبشكل ملح قضية قصور الرئاسة المصرية..ففي كل ثورة يفرض السؤال نفسه عن مصير هؤلاء الشهود علي دنيا السلطان. فسواء كنا في العصر الملكي أو في العصر الرئاسي تظل هذه القصور شاهدة علي ما يحدث في مصر.
ولهذا أيضا لا عجب في أن يتحدث علي مقتنيات القصور الملكية المصرية كاتب وشاعر كفاروق جويدة ولد في منتصف الاربعينات وعاش شبابه في وقت غلب فيه علي المصريين الرغبة في التعرف, وخاصة بعد أن أصدر وكما قال في مقاله بالاهرام وزير العدل قرارا وبأمر من المجلس العسكري بتشكيل لجنة للانتقال إلي كل القصور والمقرات الرئاسية لإجراء جرد شامل لما بها من مقتنيات وأموال وأوراق وعمل الاجراءات المطلوبة لحمايتها.
ففي رأي فاروق جويدة وغيره من أبناء جيله تبدو هذه القصور بحجمها الحقيقي كشاهد علي مدي التحضر الذي حققته مصر في فترة من تاريخها الحديث. وهي انجاز برغم كونه يبدو أكثر التصاقا بتاريخ الطبقة الحاكمة المصرية الا انه يعد تاريخا للشعب المصري بأكمله. ففي الزمن الذي أصبحت فيه هذه القصور أمرا واقعا منذ قرر محمد علي باشا أن يكون لنفسه حلما خاصا به كان أهم تفاصيله تكوين دولة مصرية حديثة, تبني المصريون نفس المنطق الاجتماعي وقرروا هم الاخرون الانسجام مع حلم الحاكم و الدفع بمجتمعهم إلي الامام فلم يكن من المنطقي أن يكون محمد علي والحكام الذين جاءوا من بعده بمعزل عن المصريين. فلم تكن الدولة الحديثة تعني مجرد جدران لقصر حكم, فالدولة تعني وجود جيش قوي و سياسة ناجحة, واقتصاد له مؤشرات جيدة, ومجتمع يحاول هو الاخر باختصار ان يكون في نفس طموحات حاكمه.
فالثابت في كتب تاريخ مصر الحديث انه من قبل كانت هناك فكرة الدولة وفكرة إرادة الشعب الا انها فكرة كانت تطفو وتظهر وكأنها طوف في وسط أمواج البحر المتلاطمة.
ولان محمد علي حلم بالدولة المصرية فقد كان من الطبيعي ان يكون كل شئ فيها جميلا ومشرقا ومتقدما. فهنا لابد ان تولد مدارس للطب وللالسن وللهندسة. ولابد ان يكون هناك طرق وشوارع ومبان ضخمة بل حتي متنزهات وحدائق.
وأما القصور فستكون جديرة بأشخاص ليس لهم مثيل في أفكارهم واحلامهم والا أصبحت قصورا في الهواء.
فمن قبل لم يكن هناك قصورا الا للخلفاء والامراء الذين حكموا بر مصر والذين جاءوا بطرز معمارية تتناسب مع رغباتهم الخاصة, فولدت قصور وبيوت ربما كانت هي وحدها الشاهد علي زمنهم وحكمهم ولم تكن تقف في منطقة وسط بين المواطن المصري والحاكم.
وبمجئ محمد علي كان لابد أن يتغير كل شئ وفي اتجاه آخر وهو ما كان يعني صراحة إيجاد فكر جديد في البناء والمعمار المصري.
وهو توجه من أجله انسحبت المشربيات والخوارستانان من النوافذ والحوائط لتحتل مكانها وفي سنوات قليلة أبنية يغلب عليها الطابع الأوروبي والطرز الايطالية والفرنسية, وان كانت كسابقتها تحمل الكثير من الاشراقات المصرية.
وهكذا و دون الدخول في الكثير من التفاصيل ولدت قصور ليس لها مثيل في الدنيا أوروبية الطراز ذات هوي شرقي و تدعمها تفانين المصري الفنان التي لم تغب في أي عصر.
وبالطبع ولد أكثر من قصر كقصر شبرا وهو القصر الذي بناه محمد علي الكبير متأثرا بالأفكار التركية في المعمار في بداية حكمه ثم قصور أخري أصبحت مع الزمن مرآة لما يحدث في برمصر خاصة في فترة حكم الخديوي إسماعيل.
فكما أثبتت الأبواب والبيوت والخانقاوات والأسبلة توجهات حكام مصر في زمن سابق أستطاعت هذه القصور أن تشرح وبالتفصيل ما يجري بالضبط.
أحلام عابدين
ويكفي أن ننظر إلي الإضاءات المستخدمة والنافورة التي تتصدر المشهد وشكل الحديقة والاثاثات التي قد صنعت خصيصا لكل قصر, و ألوان الحوائط وزخرفة السقوف والسجاجيد والنوافذ والابواب التي كانت كلها تجتمع في قصر دون غيره حتي أنه يقال انه في زمن الخديو إسماعيل والملك فؤاد كانت قصور مصر قد تعدت بقامتها وانفراد جمالها قصور فرنسا وتركيا اللتين كان يراهن العالم علي جمال قصورهما.
فقصر عابدين الذي حكي عنه المعماري الراحل د. سيد كريم كان كما يقول إحدي الأمنيات السبع للخديو إسماعيل, فعندما وصل اسماعيل إلي حكم مصر كانت أفكاره قد تكونت بعد عودته من فرنسا التي ذهب إليها كفرد ضمن بعثة الانجال- التي ضمته بعلي باشا مبارك مهندس التحديث في مصر- وخرجت في صورة أمنيات سبع لإنشاء القاهرة الحديثة التي بدأ في التخطيط لها بعد أن وجد أن التلوث والاوبئة كادا يقضيان علي سكان القاهرة التي كانت لاتزال تنتشر بها البرك والمستنقعات والاتربة في الكثير من أحيائها القديمة, ولهذا ولدت أولي أمنياته بحديقة تشبه حديقة لوكسمبورج التي رآها في أوروبا فصممت حديقة مصرية وهي حديقة الازبكية علي نفس طرازها.
وأما أحلامه الأخري فكانت إنشاء مسرح يشبه مسرح الكوميدي فرانسيز في العتبة الخضراء, وشق النيل وسط القاهرة كما هو الحال بالنسبة لنهر السين وأن تكون له حديقة فخيمة وهي حديقة الاورمان, وان يصمم ميدان يشبه ميدان اتوال أو النجمة الفرنسية فولد ميدان الاسماعيلية الذي أصبح فيما بعد ميدان التحرير الشهير, وان يكون له قصر ليس له مثيل وهو قصر عابدين.
ويحكي مشروع ذاكرة مصر المعاصرة ان الخديو إسماعيل قد قرر أن تكون هذه السراي مقرا للحكم في الستينات من القرن التاسع عشر وتحديدا عام1863 الذي يذكر التاريخ انه كان عام توليه الحكم في مصر. ويعتقد أن الخديوي إسماعيل كان في الأصل من سكان هذا المكان وانه في الاصل كان يضم بيتين أشتراهما من ماليكيهما وانه بعد هذا بدأت فكرة التوسع في المكان واستبدال أرض وقف عابدين بك أمير اللواء السلطاني بخمسة وأربعين فدانا في الأقاليم. وكان المهندس دي كوريل ومجموعة من الفنيين والعمال المصريين والفرنسيين والايطاليين والاتراك هم نواة هذا العمل الضخم الذي ولد بعد أن نزع الخديو إسماعيل الكثير من ملكيات المنازل المجاورة وبتكلفة تصل إلي سبعمائة ألف جنيه إنجليزي. أما الداخل فلا يمكن الحديث عنه بشكل سريع ومختصر فقد أراد إسماعيل ان يدخل التاريخ بهذا القصر الذي توافرت له كل الظروف ليعبر عن نقلة كبيرة في الحياة المصرية. وهو ما كان واضحا عندما نقارن فقط بنمط الأبنية والمنشأت في زمن محمد علي باشا بتلك التي ولدت في زمن الخديوي إسماعيل والتي غلب عليها الرفاهية الشديدة والاندفاع وراء فكرة اللحاق بقطار التحضر الاوروبي الذي كان قد انطلق بالفعل في أوروبا قبل سنوات طويلة وأراد إسماعيل بطموحه الشديد أن ينطلق بامكانات مصرية.
وبرغم ان هذا القصر التحفة كان قد اكتمل في زمن إسماعيل الا انه طرأت عليه شأن أي شئ في الدنيا الكثير من المتغيرات ومنها إدماج الجزء الخاص بإقامة إسماعيل باشا المفتش بحديقة القصر في زمن الخديو توفيق بعد ان ثبتت خيانة المفتش لمصر ولوالده إسماعيل, واندلاع حريق أعقبه إدخال الكهرباء إلي القصر وفتح باب مباشر علي ميدان عابدين ثم حركة تجديد كبيرة للغرف في عهد الملك فؤاد.
وبرغم أن قصر عابدين هو الأشهر في تاريخ القصور الملكية الا ان القائمة تمتد لتشمل قصور أخري في القاهرة والإسكندرية منها قصر القبة وقصر الطاهرة واستراحة القناطر الخيرية والأقصر وقصر راس التين وقصر المنتزه. الا ان العبقرية الخاصة التي امتلكها قصر عابدين تكمن في رأيي في حي عابدين نفسه الذي يمثل حيا مصريا له قدرته علي تجميع أطياف الأمة المصرية.
فهو حي شديد الولاء للمصريين وهو حي لم يكن فقط كاشفا لما يحدث لمصر بعد ذلك الزمن من حكم إسماعيل وتحديدا أيام الثورة العرابية ولكنه كان كاشفا بشكل أكبر لنمو الطبقة الوسطي المتعلمة في مصر. فهو حي النبلاء والثكنات العسكرية الذي تحول مع الزمن وبعد عام1952 إلي حي الموظفين المصريين الذي أوجد لنفسه اختلافا عن منطقة وسط البلد التي كانت تعبر في فترات مختلفة عن رغبة مصر في التقدم من خلال شوارعها التي تضم الكثير من المحال التجارية الكبري المملوكة للأجانب والتي أصبحت فيما بعد مقرا للهيئات الحكومية والخاصة والمقاهي والميادين المهمة كميدان التحرير.
وثائق ومقتنيات
وبعيدا عن حكايات عابدين والقبة والطاهرة وحتي اليخت محروسة الذي يعتبر أقدم عائمة مائية في العالم وقد صنع خصيصا من أجل الخديو إسماعيل ليقله في رحلاته إلي أوروبا والذي أثبت وطنية شديدة بمشاركته في المعارك وصحب أيضا الرئيس عبد الناصر في أثناء حضوره مؤتمر باندونج و الرئيس السادات في رحلاته فإن ملف القصور الذي بدأه فاروق جويدة يحتمل أكثر من تساؤل.
أول هذه التساؤلات للدكتورة لطيفة سالم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية آداب بنها عن وثائق القصور خاصة وثائق قصر عابدين. فمن المعروف انه في الستينات كان يوجد أرشيف للوثائق في مكتبة قصر عابدين. وقد كانت دار الوثائق بالقصر قد نقلت للقلعة والمكتبة نفسها من أغني وأثري المكتبات علي مستوي العالم. وعندما أصبح د. زكريا عزمي ريئسا للديوان سمح في البداية بالاطلاع علي هذه الوثائق التي اعتمدت عليها الكثير من الرسائل العلمية. وبعد ذلك بفترة قصيرة منع هذا الاطلاع. وقد سمعنا عن لجنة مغلقة تكونت لفرز الوثائق وتصنيفها وكان من أعضائها جمال مبارك.
وأطالب الان بالتأكد من وجود هذه الوثائق فهذا تاريخ شعب. فيكفي أن نعرف ان الملك فؤاد عني بالأرشيف واستقدم خبراء من فرنسا وتركيا وقام بترجمة كل الوثائق إلي اللغة العربية. ففي العالم يوجد احترام للوثائق وما جاء بها والدليل انه في الأرشيف البريطاني يوجد كل صغيرة وكبيرة عن الثورة الانجليزية ولم يحاولوا أن يعدموا أية ورقة برغم اختلافهم مع هذه الثورة لان التاريخ ليس ملكا لأحد.
ولهذا فقضية الوثائق قضية كبيرة ولا ندري لها حلا. ولاأعتقد أن هذه الوثائق قد حرقت لأنها لو بيعت ستباع بثمن كبير. وفي مرحلة ما كانت هناك وثائق تباع للدول العربية. ولا أعرف ما هو مصير هذه الوثائق وكيف سنسترجعها؟!
ويتحدث د. يحيي الزيني أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة عن إستغلال هذه القصور, فهناك جزءا من الديوان الملكي كان قد تحول لمصلحة حكومية بعد.1952 كما أن جزء من حديقة عابدين قد أصبح ساحة شعبية. والغريب ان هذا لا يحدث الا في مصر ففي فرنسا القصور ملك للشعب ولكنه لا يعبث بها, وكذلك الأمر في روسيا بعد الثورة البلشيفية يحافظون علي كل ممتلكات الاسرة القيصرية. وهذه القصور لم تشهد الكثير من الاهتمام قبل السبعينات وقد اشتركت في ترميم قصر رأس التين بالاسكندرية. ولكني لن أنسي ان القصر الموجود بمصر الجديدة كان قد أصبح في فترة الوحدة بين مصر وسوريا مقرا للوزارة المركزية.
وبغض النظر عما يقال اليوم فلابد من وجود خطة ثابتة لحماية هذه القصور وترميمها وكذلك المحافظة علي الحيازات الخاصة من ممتلكات ومفروشات وتحف. فعندما حدث الجرد الاول في الخمسينات شاب هذا الجرد الكثير من التساؤلات وكثير من التحف والسجاجيد قد ظهر مرة أخري في صالات المزادات في أوروبا.
ويتوقف د. خالد عزب مدير مركز الخطوط بالانابة بمكتبة الاسكندريةعند معني القصور الملكية فهناك مجموعة من المنشآت في منطقة وسط البلد ظهرت في الفترة ما بين1875 و1950 وتتمثل في فيلات وقصور وسط البلد. والمشكلة الرئيسية انها مستغلة بشكل خاطئ ومنها المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم التي لا تجري لها عمليات صيانة لسنوات طويلة وهو ما يمثل إهدارا لقيمة التراث المعماري المصري.
وهذا الوضع يحتاج إلي مراجعة سريعة لانها لا تصلح كمدارس ولكن كمؤسسات ثقافية وإعلامية بشرط الحفاظ عليها وصيانتها علي غرار مقر وزارة الخارجية الذي يعتبر في الأصل قصر الأميرة شويكار.
وهناك مجموعة من الأخطاء ارتكبت في حق القصور بشكل عام منها إزالة قصر للخديو إسماعيل وإقامة مجمع التحرير مكانه. وكذلك مجموعة من القصور والفيلات المهمة التي أصبحت توجد مكانها جراجات مثل البستان وكان مكانه أحد القصور المملوكة للعائلة المالكة.
والقضية تكمن في إعادة استغلال القصور, وفي رأيي أن البيروقراطية المصرية تضمن وجود سجلات للمكان تستطيع أن تكشف عن وجود سرقة. وأعتقد انه لا يمكن إغلاق قصر لسنوات دون الاستفادة منه ويجب إعادة النظر في وضع قصر عابدين وقصر المنتزه بالاسكندرية اللذين يمكن أن يكونا إضافة للسياحة وإغلاقهما يعد إهدار حقيقي للمال العام.
ويشرح د. محمد حسام الدين اسماعيل استاذ مساعد بقسم الآثار بجامعة عين شمس حقيقة انه لم يتم إضافة أي قصر إلي قائمة القصور المصرية بعد زمن الاسرة المالكة. فمعظم القصور بنيت في عهد الخديو إسماعيل والملك فؤاد. وهناك تجديدات حدثت أيام الملك فاروق. وتوجد بالفعل سرقات حدثت وأرجو الرجوع إلي أحد اعداد جريدة الأهرام الصادرة عام1954 التي تتحدث عن أحد المزادات التي شهدت وجود بعض المقتنيات وبالصور.
والمعروف ان المجوهرات موجودة في قصر المجوهرات بالاسكندرية ولم يكن هناك من يريد تسلمها لولا د. أحمد قدري رئيس هيئة الاثار الأسبق.
وهناك قصور كثيرة لابد أن تدخل حيز الاهتمام ومنها قصرا يوسف كمال وكمال الدين حسين وقد كانا رعاة للفنون الجميلة ويمثلان الواجهة الحضارية للامراء المصريين.
وهناك قصر للأمير عمر طوسون تحول إلي أربع مدارس في شبرا. والمطلوب في رأيي إعادة النظر إلي كل القصور المصرية فهناك أشياء ذهبت منذ زمن بعيد وأصبح علينا المحافظة علي هذا التاريخ.
وبعد لا يزال الكثير من الاراء والتساؤلات التي أثارتها الاهرام وكتابها بحديثها عن القصور الملكية التي كانت قصورا تصل إلي قمة الفن والتحضر المصري فهي حقيقة وإن كانت قصورا في الهواء.ولا أعني انها مجردشئ علي هامش الحياة المصرية ولكنها تصل بقامتها وتنفرد بجمالها وتقف وحدها بين السماء والأرض. كقصور في الهواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.