تتزايد الأدلة والبراهين يوماً بعد يوم لتؤكد مدي ما آلت إليه حالة الانفلات الأمني في الشارع المصري الذي شهد في الآونة الأخيرة، عددا غير مسبوق في إصدار أحكام الإعدام ، والقضايا التي تمت إحالتها إلي المفتي والتي وصلت خلال الربع الأول من هذا العام إلي 76حكما، انقسمت إلي 30حالة سرقة بالإكراه و22حالة اغتصاب، و13حالة نزاع مالي، وحالة وحيدة لدجال ، مقارنة بالعام الماضي، الذي وصلت فيه أحكام الإعدام إلي 87 حكما. جاءت القاهرة في المرتبة الأولي بواقع 22 حكم إعدام، ثم محافظات الصعيد 14 حكماً ، ثم كفر الشيخ 12حكماً ، والقليوبية 8، والإسكندرية 8، والزقازيق 6، وباقي الأحكام مقسمة علي محافظات وجه بحري والساحل الشمالي. تزايد أعداد صدور أحكام الإعدام في مصر علي هذا النحو، آثار جدلا حادا في الشارع المصري، حول الأسباب التي أدت إلي تفاقم معدلات الجريمة في مصر بهذه الصورة المفزعة وهل أحكام الإعدام تعد أحكاماً رادعة و تحقق بالفعل الجدوي منها؟ خصوصا مع ارتفاع معدلاتها وهو ما جعل أصوات النشطاء الحقوقيين تتصاعد مرة أخري مطالبة بإلغاء الإعدام، مبررة ذلك بأنها تتنافي مع حقوق الإنسان في الوقت الذي تنادي فيه آراء أخري، بأهمية إعلان عقوبة الإعدام، ونقلها علي الهواء عبر وسائل الإعلام المرئية، أملا في تحقيق المزيد من الردع، وهو ما رفضته جميع المنظمات المصرية العاملة في مجال حقوق الإنسان، والتي تعارض من حيث المبدأ تطبيق عقوبة الإعدام في جميع الحالات بلا استثناء، وبغض النظر عن طبيعة الجريمة، أو خصائص المجرم، أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة لقتل السجين، الأمر الذي عبرت عنه نهاد أبو القمصان الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان، بقولها عقوبة الإعدام هي إنكار مطلق ونهائي لحقوق الإنسان، فهي عبارة عن قتل إنسان مع سبق الإصرار وبدم بارد من قبل الدولة باسم العدالة، وهي تشكل انتهاكا للحق في الحياة، كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . أضافت أبو القمصان لم يثبت أن عقوبة الإعدام تشكل رادعا خاصا للجريمة كما أنها تقضي علي إمكانية التأهيل والمصالحة، وتؤدي إلي إطالة أمد معاناة عائلة ضحية الجريمة، و امتداد هذه المعاناة لتطال أحباء السجين المدان وأصدقائه ، وتشكل اهانة للكرامة الإنسانية وينبغي إلغاؤه. علي الجانب الآخر رفض علماء الدين ورجال القانون في مصر بشكل قاطع مطالبات و مبررات النشطاء الحقوقيين المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام من القانون المصري. وهو ما أكده المستشار إبراهيم مصطفي رئيس محكمة فيقول: الإعدام هو العقاب الأمثل لعدد من الجرائم، مثل جرائم النفس والاغتصاب، ولكنه يفضل إلغاء الإعدام في بعض الجرائم الأخري كتجارة المخدرات، فهي جريمة لا تستحق الحكم بالإعدام ويضيف: يجب الحد من تطبيق تلك العقوبة في هذا النوع من الجرائم، وعن تنفيذ حكم الإعدام بشكل علني يقول:هذا الأمر قد يثير حفيظة البعض، لكن يمكن إتاحة الفرصة لأهل المجني عليه حضور تنفيذ الحكم إذا أرادوا ذلك، فهذا قد يمنحهم سلوي وطمأنينة وهدؤ نفسي بدلا من سماع الحكم فقط، وهو الأمر الذي يؤكد نزاهة القضاء والحرص علي القصاص كما نصت عليه الشريعة الإسلامية. ويتفق معه في الرأي المستشار خالد فؤاد المحامي بالنقض فيقول: هناك ضرورة لتطبيق عقوبة الإعدام في الجرائم التي حددها المشرع، وخاصة جرائم النفس والاغتصاب ويضيف:هذه العقوبة لا يمكن الاستغناء عنها في بعض القضايا كوسيلة للردع لمن يرتكبوا الجرائم بلا رحمة، ولإيقاف أي إنسان تسول له نفسه القيام بجرائم مماثلة، وعن تطبيق الإعدام بشكل علني يقول:هذا الأمر يعد استكمالا لعنصر الردع.، وانه يحدث بالسعودية مثلا، إلا انه لا يطبق بمصر، وعن الضمانات التي كفلها المشرع لهذه العقوبة يري فؤاد الضمانات كثيرة، ومنها إجماع آراء أعضاء المحكمة، بحيث إذا رفض عضو واحد إيقاع العقاب كان علي المحكمة أن تنزل للعقوبة التالية وهي المؤبد، كما أن المشرع أراد أن يعطي فرصة للمحكمة في مراجعة نفسها، فأشار في قانون الإجراءات الجنائية إلي وجوب استطلاع رأي المفتي في شأن هذه العقوبة ومدي انطباقها علي وقائع الدعوي، من خلال الأوراق المعروضة عليه، و إن كان رأي المفتي استشاريا فقط، فان المحاكم عادة تضعه في اعتبارها، أيضا فان القانون أوجب علي النيابة العامة أن تعرض لوقائع الدعوي وأسباب الحكم فيها علي محكمة النقض. بحيث إذا كان هناك خطأ في التطبيق وفساد في الحكم لأي سبب، فأن لمحكمة النقض أن تقضي بإعادة محاكمة المتهمين مرة أخري أمام دائرة جديدة، وعن وسائل الإعدام في مصر واختلافها عن الدول الاخري يقول:الإعدام في مصر يتم بطريقتين الأولي: وهي الشنق بالنسبة للمدنيين، والرمي بالرصاص بالنسبة للعسكريين، والمشرع حدد استخدام الشنق بديلا عن الوسائل الأخري، كنوع من الرحمة علي المحكوم عليه، فمثلا الكرسي الكهربائي يسبب ألما وتعذيبا للجاني، والخنق أو السم يستغرق وقتا طويلا لكن الشنق أسرع ولا يستهلك وقتا طويلا. يقول د.احمد عصام الدين رئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: عقوبة الإعدام الواردة في القانون المصري تتوافق مع طبيعة المجتمع و تنفيذ تلك العقوبة في حالة ارتكاب الجرائم المستوجبة للعقاب، يعد رادعا ويحفظ للمجتمع أمنه واستقراره، وقد نص المشرع علي عقوبة الإعدام في جرائم معينة، منها القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والاغتصاب، وقد شدد المشرع في عقوبة القتل من حيث نية الجاني وتوافر عنصري سبق الإصرار والترصد، ففي تلك الحالة يكون لدي الجاني من الفرصة ما يسمح له بالتروي والتفكير فيما هو مقدم عليه وتدبر عواقبه وهو هادي البال، ويكون قد رتب وسائله في تحقيق هدفه. في إزهاق روح المجني عليه،وقد مر عليه وقت في تدبير تلك الوسائل، و هو ما جعل المشرع يتشدد في تطبيق تلك العقوبة في تلك الجريمة. وعن رأي الدين في تلك العقوبة تقول د.سعاد صالح الأستاذة بجامعة الأزهر: ارفض أي فكرة تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام، استنادا إلي الشريعة الإسلامية وقول الله سبحانه وتعالي (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب). وما جاء بقول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي) وتضيف: يجب أن نتبع الشريعة الإسلامية بالعلانية، والعلانية هنا مطلوبة عدل وعظة للناس كافة. لان الهدف من العقوبة هو الردع العام والردع الخاص، والردع الخاص يتم بإزهاق روح المحكوم عليه بالإعدام، والردع العام يتحقق مثلا عندما تقطع يد سارق في احد الميادين العامة.فلن نجد مثلا من يسرق مرة أخري خوفا من العقوبة،وهو ا ما يهدف إليه القانون الذي جاء من الشرع.