لا يجوز التنفيذ علنيا القتل المعنوي يستحق العقوبة تحقيق: إيمان أنور مع توالي أحكام الإعدام في عدد من القضايا التي أثارت الرأي العام مؤخرا، وأشهرها الحكم بإعدام 24 شخصا أدينوا بالقتل خلال معركة بالأسلحة الآلية بسبب نزاع على قطعة أرض راح ضحيتها 11 شخصا، والحكم بإعدام رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى وضابط الشرطة السابق محسن السكري بعد إدانتهما بقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، وكذلك الحكم بإعدام عامل الحدادة المتهم بقتل هبة العقاد ابنة المطربة المغربية ليلى غفران وصديقتها نادين، وأيضا الإعدام ل10 متهمين اختطفوا سيدة من منزلها في كفر الشيخ عنوة وتناوبوا اغتصابها حتى فقدت الوعي، ثار الجدل مجددا حول عقوبة الإعدام التي تختلف دول العالم بشأنها، حيث ألغتها دول الاتحاد الأوروبي وتركيا والجزائر، بينما تطبقها باقي الدول بما فيها الولاياتالمتحدة مع اختلاف ضوابط تنفيذها. المتخصصون من القانونيين ورجال الدين والناشطين في مجال حقوق الإنسان تباينت آراؤهم كذلك، حيث أيد البعض الإعدام كعقوبة رادعة بل ومطالبين بتنفيذها بشكل علني، بينما رأى آخرون أنها عقوبة تستخدم بإسراف في بعض الدول. الدية والعفو والقصاص دعا رئيس منظمة الإصلاح الجنائي محمد زارع إلى حوار مجتمعي لمناقشة عقوبة الإعدام، مشيرا إلى ضرورة أن تراجع المجتمعات العقوبات التي تنفذ في بلادها كل فترة. وقال إنه وفقا لدراسة أعدتها المنظمة ثبت أن 11 دولة عربية تسرف في استخدام هذه العقوبة. وأضاف أن مصر تعد من الدول التي لديها أرشيف جيد بخصوص عمليات الإعدام حيث تحصى كل الحالات بها، أما في بلاد مثل العراق فلا يوجد حصر لعدد حالات الإعدام سواء قبل الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين أو بعد ذلك. وأوضح أن 70 مادة في القانون المصري تقضي بحكم الإعدام، والتي يرى أن بعضها لا يستوجب مثل هذا الحكم القاسي. ووجه زارع حديثه إلى من يرون أن الإعدام من الشريعة الإسلامية، متسائلا "ألم يكن القصاص هو الحد الشرعي في الإسلام؟ وللقصاص شروط منها عفو أهل القتيل، فهل نطبق هذا القصاص؟ ولماذا لا نطبق الشريعة في كل شيء مثل قطع يد السارق؟!". وأشار رئيس منظمة الإصلاح الجنائي إلى أنه لا يطالب بإلغاء عقوبة الإعدام، وإنما بالتخفيف منها في بعض القضايا مثل قضايا الثأر التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة فقط، وبالتعامل مع سماحة الشريعة الإسلامية والعمل وفق شروطها التي تتضمن إمكانية دفع الدية وعفو أهل القتيل. وقال إن الواقع يشير إلى أن تطبيق عقوبة الإعدام لم توقف الجريمة، فلما لا نحاول تأهيل المدانين في السجون؟ وبالتالي نقضي على الجريمة بالتدريج. من جهته، قال نائب رئيس هيئة قضايا الدولة المستشار صدقي خلوصي إن الدول الأوروبية ترى الإعدام عقوبة وحشية يجب إلغاؤها، مبررة ذلك بإمكانية حدوث خطأ ولو بنسبه ضعيفة، ما يعني احتمال إزهاق روح بريئة. بينما تستند الدول الإسلامية إلى أن القصاص فريضة شرعية مصداقا لقوله تعالى "ولكم في القصاص حياة"، لكن في الوقت نفسه يجب أن يطبق القصاص بشروطه المنصوص عليها إسلاميا، وعلى الدول القاضية بعقوبة الإعدام أن تقصرها على القصاص في القتل فقط "النفس بالنفس". لا يجوز التنفيذ علنيا من جانبه، قال رئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة الدكتور محمود كبيش إن القانون المصري يقضي بتنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم معينة مرتبطة بظروف مشددة منها سبق الإصرار والترصد واقتران فعل القتل بجناية أو جنحة، مضيفا أن هذه العقوبة منصوص عليها على سبيل الحصر، فهناك عقوبة المؤبد في حالة التخفيف. وأشار إلى أن مصر لم توقع على أية اتفاقية دولية تنص على إلغاء الإعدام. وأكد رفضه إلغاء عقوبة الإعدام، منتقدا في الوقت نفسه المطالبة بتنفيذها علنية، موضحا أن القانون يمنع ذلك، حيث يتم – وفقا للقانون – حصر الأشخاص الذين يشهدون تنفيذ الإعدام في المأمور وممثلي النيابة ومحامي المتهم وأهل المحكوم عليه - في حالة حصولهم على تصريح - وقال كبيش إن الضوابط والمعايير التي وضعها القانون لتطبيق عقوبة الإعدام كثيرة أهمها: * إجماع القضاة ال3 على الإعدام - خلافا للعقوبات الأخرى- * التزام النيابة بعرض أوراق القضية على محكمة النقض في المدة المحددة لضمان تطبيق القانون على وقائع القضية. * رأى المفتي، وهو ليس استشاريا بدليل أنه يتم عرض القضية على المفتي بعد بت القضاة فيها، ولكن يؤخذ برأي المفتي حتى يطمئن المحكوم عليه بأن الحكم شرعي. * قبل التنفيذ يجب عرض أوراق القضية على رئيس الجمهورية للتصديق عليها. * ينفذ الإعدام بعد أن يصبح الحكم نهائيا - أي بعد استنفاد كل طرق الطعن - القتل المعنوي يستحق العقوبة د. محمود عاشور وقال وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمود عاشور إن هناك جرائم غير القتل الحقيقي – تعتبر قتلا معنويا - تستوجب إعدام مرتكبيها، حيث تكون أشد وطأة من القتل مثل حادثة اعتداء 10 رجال مدججين بالسلاح في كفر الشيخ على سيدة واغتصابها بالتناوب، فهؤلاء عاثوا في الأرض فسادا فكيف لا يعدموا مصداقا لقوله تعالى "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم". كما أشار إلى أن تاجر المخدرات قاتل معنوي، لأنه يضيع عقول الشباب من خلال المخدرات التي تدمر خلايا المخ. وقال إن الدول التي طبقت عقوبة الإعدام على تجار المخدرات لم تعد تعاني منها بعد ذلك لأنها أحدثت نوعا من الردع. وأوضح وكيل الأزهر السابق أن المشرع يختار العقوبة المناسبة لكل جرم وينفذها، وإلا يصبح المجتمع في حالة فوضى، مشيرا إلى أنه في حال الحكم على القاتل بالمؤبد ووضعه في السجن فإن الدولة تتكفل بقاتل تطعمه وترعاه فهل هذا هو المطلوب؟! وقال إن القصاص في الإسلام يخضع لشروط منها عفو الولي، وقال تعالى "فمن عفي له من أخيه شيء"و"فلا يسرف في القتل" ولكن إذا لم يعف الولي وجب القصاص، مضيفا أن الدية تكون في حالة القتل غير العمد فقط، وأشار إلى صعيد مصر حيث توجد لجان للصلح بين الناس ويحمل القاتل كفنه التماسا للعفو. وفيما يتعلق باحتمال أن يعدم بريء، قال د. عاشور إن القاعدة الفقهية هي "أن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"، ولكن إذا ثبت من خلال الأدلة القاطعة أن شخصا ما يستحق الإعدام وكذلك من خلال الشهود "شاهداك قاتلاك" فيجب عندئذ تطبيق الحد عليه، موضحا أن عقوبة التحريض على القتل – وفقا للشريعة الإسلامية - مثلها مثل عقوبة القتل. وقال د. عاشور إن الله عز وجل نظم عقوبة القتل العمد، في قوله تعالى "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" وقوله "كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" وذلك لردع من تسول له نفسه بارتكاب جريمة قتل حيث سيلقى جزاءه من جنس عمله، الأمر الذي يكفل الحفاظ على الأرواح.