لو تم الإعلان عن فتح باب الترشيح لمنصب شيخ البلد في قرية كفر طنبول القديم مركز السنبلاوين لاحترم كل فرد من أبناء القرية نفسه ولم يتقدم للترشيح إلا من يصلح للمنصب فعلا.. ولما تجاوز العدد شخصين أو ثلاثة علي أكثر تقدير ينتمون لعائلات تحظي بالاحترام من أهل القرية. لكن يبدو أن منصب رئيس الجمهورية في مصر أصبح أقل شأناً من منصب شيخ البلد أو شيخ الخفراء ولا أقول منصب العمدة في أية قرية.. والدليل هذا الكم الهائل من أعداد المواطنين الذين سحبوا استمارات الترشح لمنصب رئيس مصر القادم. لقد أفرزت ثورة 25 يناير ظواهر مجتمعية غريبة في مصر. بل انني أسميها أمراضاً مجتمعية كانت كامنة فينا. فنسي كل منا نفسه وبدأ يتضخم ذاتياً لدرجة الورم.. الجاهل يتقدم علي المتعلم.. واللص لا يترك فرصة للشريف.. والمنفلت يغطي علي الملتزم.. والعاري من أي ميزة يري نفسه أحق بالمغانم من أهل الحكمة والرأي. حتي غطت أصوات الحمقي والمهووسين علي أصوات العقلاء والصالحين!! 280 شخصا سحبوا أوراق الترشيح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية ولم يمض علي فتح باب الترشح سوي يومين فقط.. والله أعلم كم سيصل العدد في نهاية المدة 8 ابريل القادم.. فربما يتجاوز الألف!! صحيح أنه لم يتقدم حتي كتابة هذه السطور أي فرد بأوراقه للترشح رسميا.. ولن يتقدم للترشيح كل من سحب الأوراق لأن 90 في المائة منهم علي الأقل لن يستوفوا الشروط المطلوبة.. ومن هنا يكون السؤال: ما هو الهدف من سحب الأوراق إذا لم يكن الشخص ينوي الترشح أو لا يستطيع استيفاء الشروط؟. الإجابة في اعتقادي تتمثل فيما نشرته صحيفة "الجمهورية" لنماذج من البشر سحبوا أوراق الترشيح.. أحدهم حضر منتعلاً "شبشب" في قدميه ليثير ضجة وخلافا بين المتواجدين.. بعضهم يستنكر والبعض يتعاطف معه كعادتنا نحن المصريين في إظهار عواطفنا حتي مع اللص الذي يقبض عليه المواطنون متلبساً ويوسعونه ضرباً. أيضا.. محام.. ومحاسب.. وكهربائي.. ومبلط يرتدي بدلة أنيقة.. ومواطن يركب دراجة بخارية.. وشخص يدعي أنه ابن الملك فاروق وسوف يثبت نسبه قريبا.. وصحفي يريد الارتقاء بمهنة الصحافة.. وفني كهرباء تعرض للظلم وتم فصله تعسفياً!! هل كل واحد من هؤلاء يريد أن يكون رئيساً لمصر؟! أم يريد أن يكون فرعوناً يحكم ويتحكم.. فالباحثون عن المناصب في بلادنا لا يضعون في اعتبارهم الإصلاح والتطوير والتجديد بقدر ما يريدون التحكم والاستبداد والبحث عن المغانم. ظني أن أمثال هؤلاء أرادوا الشهرة من خلال ما تكتبه عنهم الصحف.. وكما يفخر البعض بأنه كان وزيراً سابقا سوف يفخر البعض بأنه كان مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية. وقديماً قالوا: "رحم الله امرءا عرف قدر نفسه".