بكلمة واحدة.. أقولها وأجري علي الله.. ليس في مصلحة مصر ولامصلحة الإخوان أنفسهم إسقاط حكومة د. الجنزوري حاليا وتشكيل حكومة من حزب الحرية والعدالة منفردًا أو حكومة ائتلافية. بالطبع أنا مجروح مثل كل المصريين بسبب الطريقة المهينة والاستفزازية التي تم التعامل بها معنا في قضية تسفير- أو بالأحري تهريب- المتهمين الأمريكيين في قضية منظمات التمويل الأجنبي وكأن الموضوع يخص شعبا آخر غيرنا.. أو كأنهم يتعاملون معنا باعتبارنا مجرد نزلاء في فندق من حقنا أن نأكل وننام فقط.. وعلينا أن نشكر الإدارة علي مستوي الخدمة.. ولكن ليس من حقنا ان نمد بصرنا إلي أبعد من ذلك ونسأل عما يدور أمام أعيننا. وأترقب مثل كل المصريين الجلسة الخاصة التي سيعقدها البرلمان يوم الأحد القادم 11 مارس الجاري لمحاسبة الحكومة ومعاقبة كل من يثبت تورطه في جريمة تهريب المتهمين الأمريكيين أيا كانت اسماؤهم ومناصبهم.. علي حد ماوعد د. سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب.. وأزيد علي ذلك بأن يفرض البرلمان علي كل من يثبت تورطه أن يعتذر علنا لمصر التي أهانها وللمصريين الذين احتقرهم وكسر كبرياء هم وحط من قدرهم وكرامتهم بين الأمم. أنا أعرف إذن حجم الجرح الذي أصابنا.. وأعرف ان المساءلة البرلمانية يمكن ان تصل إلي أبعد مدي في القضية نظرا لحماس النواب وغضبهم المبرر.. وأعرف أيضا ان اغلبية النواب غير راضين عن أداء حكومة الجنزوري ولا عن البيان الهزيل الذي ألقاه أمام البرلمان لكنني أتمني أن يصل الأمر في النهاية إلي إسقاط وزير أو بعض وزراء ممن يثبت إدانتهم.. أما اسقاط الحكومة بأكملها والاتجاه لتشكيل حكومة من الاخوان أو حكومة ائتلافية الآن فهذه قضية أخري يجب ان تكون لها حسابات دقيقة. لا استطيع ان أخفي توجسي من أي حديث عن حكومة للإخوان أو حكومة ائتلافية في المرحلة الحالية.. فنحن الآن أمام استحقاق الدستور.. وإعداد الدستور يحتاج إلي قدر كبير من التوافق الوطني أظننا في سبيلنا إليه حتي تصل المسيرة إلي بر الأمان.. ثم ندخل إلي استحقاق الانتخابات الرئاسية التي تحتاج هي الأخري مناخاً سياسياً هادئاً تتوافر فيه الثقة المتبادلة بين الجميع.. وفي تقديري ان أي استباق لهذين الاستحقاقين بالاتجاه إلي تشكيل حكومة بديلة لحكومة الجنزوري سوف يأخذ البلد إلي معمعة جديدة تعود فيها إلي تأجيج حالة الاستقطاب السياسي والديني الذي تواري بعض الشيء. إذا قام حزب الحرية والعدالة بتشكيل الحكومة منفردا فسوف يعطي لخصومه التقليديين الدليل والحجة علي اتهامهم له بالرغبة في السيطرة علي كل شيء في البلد وتكديس السلطات في يديه كما كان يفعل الحزب الوطني المنحل.. وإذا اتجه إلي تشكيل حكومة ائتلافية فسوف يلقي بنفسه في أتون صراعات لانهاية لها وليس هذا وقتها.. وسوف تكون هناك- لامحالة- مصادمات مع الاحزاب الاخري تفرضها خلافات توزيع الحقائب الوزارية علي الفرقاء.. وهناك من الأحزاب والأشخاص الذين سيجدون في مناخ تشكيل الحكومة فرصة للمزايدات وإطلاق الشائعات لإفساد التجربة برمتها.. وهناك من يتربص وينتظر الفشل للحكومة والبرلمان والثورة والحرية والديمقراطية وكل ما حدث في مصر منذ 25 يناير 2011 وحتي الآن. أضف إلي ذلك ان إسقاط حكومة الجنزوري عن طريق البرلمان يمكن ان يقود إلي صدام حقيقي وغير مأمون العواقب مع المجلس الأعلي الذي مازال يحل محل رئيس الجمهورية صاحب الحق في تعيين الحكومة وإقالتها طبقا للإعلان الدستوري.. وفي ظروفنا الحالية قد يشعر المجلس العسكري بإهانة- أو بانكسار- إذا ما رأي ان البرلمان يملي عليه إسقاط الجنزوري ويفرض عليه تشكيل حكومة بديلة ربما لايرضي عنها أولا يكون مستعدا للتعاون معها.. حينذاك سنكون إزاء صراع إرادات لاضرورة له.. ولا تحتمله ظروفنا.. خصوصا ان عيوننا تتطلع الآن إلي ان تنتهي المرحلة الانتقالية بسلام ويتم تسليم السلطة بهدوء وبشكل منظم يريح كل الاطراف.. ويعطي المجلس العسكري ما يستحق وتستحق القوات المسلحة التي ينتمي إليها من إجلال وتقدير. ربما يكون من الأوفق ان نطلب من الإخوان الآن- وقبل أي حديث عن تشكيل الحكومة- أن يطرحوا برنامجهم للنهضة الشاملة الذي وعدوا به حتي يأخذ هذا البرنامج حقه من النقاش العام.. ويعرف الناس ماذا ستقدم لهم حكومة الاخوان في توقيتات محددة.. ثم تأتي هذه الحكومة مع الرئيس المنتخب.. في مناخ أكثر هدوءًا وانضباطاً وعقلانية.