"بنات العم" فيلم كوميدي خفيف ومثل هذا النوعية من الأفلام الهزيلة "الفارس" يعتمد علي حبكه تحفل بالمواقف الغريبة والأحداث البعيدة عن التصديق. وأيضاً الشخصيات المبلغ كثيراً في رسم ملامحها السلوكية. وفي مظهرها. وبنات العم يتضمن كذلك جرعات زائدة من الطرافة والمواقف الضاحكة ومن المرح خفيف الظل.. انه باختصار فيلم "هروبي" مثالي خال من وجع الدماغ ومن التفكير ومن المشكلات ومن أي شيء جاد يتجاوز الحدوتة المسلية والضحك من أجل الضحك وهذا هدف في حد ذاته. والحبكة في هذا العمل الهروبي المسلي الضاحك تعتمد مثل كل الحكايات الخالية أو بالأحري الخرافية "feiru tale" مشبعة بالخيال الطفولي والتي تبدأ عادة بعبارة "كان يا ما كان..." وهذه الحكايات يحكيها الكبار في العادة لكي يسمعها الأطفال بقدر من الدهشة والانفعال الطفولي الصاخب الدال علي التفاعل والانسجام مع السرد الروائي. ومع الغرائب والطرائف المتضمنة داخل إطار الحدوته فليس من المستغرب ابدا ان تلمح وسط صفوف المتفرجين في الصالة نسبة من الأطفال وتسمع ردود أفعالهم المرحة من أسباب نجاح الفيلم انه ينسج خيالاً بروح الفكاهة المحلية. بالنكتة المؤداة تمثيلياً والافيه النابع من خصوصية الروح المصرية والمشهود لها بعبقرية صنعة النكتة والافيه المسخرة اللفظية والمرئية. جيل الألفية الثالثة الثلاثي صناع هذا الفيلم تأليفا وتمثيلا. وهم أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد من جيل الحقبة الأولي من الألفية الثالثة. ولو تذكرنا فيلميهما السابقين علي "بنات العم" واعني "ورقة شفرة" "2008" و"سمير وشهير وبهير" "2010" سوف ندرك احقيتهم في مساحة علي خريطة الكوميديا المصرية ضاربة الجذور في فنون الاداء الكوميدي "مسرح - سينما- تليفزيون" ولدينا تراث فني معتبر في هذا المجال وعلامات بارزة من علي الكسار وحتي عادل إمام ومن جاءوا بعده. نلاحظ ان روح الدعابة في الأفلام الثلاثة التي قاموا بتأليفها ولعبوا الأدوار الرئيسية فيها ذات نفسي واحد. ومن صنع مطبخ كوميدي تم تحديثه بأدوات التعبير البصري الحديثة الرقمية. وبالذات عنصر المؤثرات الخاصة. الثلاثي الفكاهي لديهم خيال يتماهي مع الذوق الشعبي مع كثير من التوابل التقليدية الحريفة والمبالغة المهضومة والقدرة علي "المسرح" "من سرحان" بالمتفرج إلي آخر الحدوتة مع قدر من الابتزال والخشونة التي لا غني عنها في صناعة الكوميديا علي الطريقة المصرية. تدوير الشخصيات ويعتمد الثلاثة في تأليف الحبكة علي "تدوير الشخصيات" ان صح التعبير فتظهر الشخصية الواحدة في أكثر من شكل وأكثر من نوع جنسي "انثي - ذكر" وأكثر من زمن "ماضي- حاضر" وأكثر من محيط اجتماعي ثم يتم تكييف المواقف الكوميدية كي تتوافق مع الأوضاع الجديدة وحتي تناسب الشخصية المتحولة في النوع ومن زمن ومن بيئة مختلفة ومن ثم تتوالد المفارقات من هذا الخلط للأدوار ومن انقلاب الأوضاع وما يترتب علي ذلك من سخرية ودعاية ومواقف معكوسة. علي سبيل المثال في فيلم "بنات العم" تبدأ الحكاية بالجدة "تاتا بطة" "رجاء الجداوي" وأحفادها البنات الثلاثة: شوق وشيماء وشاهندا.. ولا لأربعة يجلسن داخل القصر فهو الشيء الوحيد الباقي من ميراث الأسرة التي أوشكت علي الافلاس. وهذا القصر مسكون. أو مسحور وكل من حاول شراءه حلت عليه اللعنة وواجه في حياته ما لم يكن يتوقعه من الغرائب والعجائب وبينما تحكي الجدة حكاية القصر يتابع المتفرجون تجليات هذه اللعنة علي من قاموا بشراء القصر من قبل أحدهم مثلا يتحول جسده إلي ما يشبه المغناطيس يجذب إليه جميع المعادن الموجودة داخل القصر واحدهم يتحول إلي مسخ وآخر تحل عليه اللعنة بكارثة فكاهية أخري وبطبيعة الحال تلعب المؤثرات الخاصة دورها الساحر وتوفر لصناع الضحك أدوات أكثر تطوراً وأقدر علي ترجمع خيال المؤلفين إلي غير ضاحكة بتأثير أكبر. علماً بأن هذا الحيل نفسها ليست مبتكرة. ولا شك ان الشبان الثلاثة استطاعوا ان يطوعوا اداءهم التمثيلي للشخصيات التي لعبوها بما يحاكي حالة "الخلط" بين طبيعة الأنثي ثم طبيعة الذكر بعد ان تصاب البنات الثلاثة باللعنة ويتحولن إلي ذكور ومعهم الجدة "بطة" التي استطاعوا ان يخدعوها ويجعلوها توقع علي عقد البيع لحساب رجال أعمال نسخة جاء به زوج شوق النهم علي تحقيق الثراء. بعد عملية البيع تتحول "بطة" إلي ذكر وبدلا من رجاء الجداوي تصبح صلاح عبدالله"!!" وتتحول "شوق" الراقصة اللولبية الجميلة إلي ذكر "أحمد فهمي" ويحدث ذلك أمام جمهور الكباريه اثناء أداء نمرتها الراقص ويتم التحول بطريقة هزلية محبوكة تحرك شهية جمهور الفيلم إلي الضحك في حين يصاب زبائن الكباريه علي الشاشة بالصدمة. و"شوق" زوجة لرجل يشتهي ولدا منها ولنا أن نتصور ما يحدث من ردود افعال عندما تشعر شوق بعد تحولها إلي رجل بأعراض الحمل.. ولا تتوقف "المسخرة" عند "شوق" و"بطة" وإنما تطول "شاهندة" بعد تحويلها إلي ذكر "هشام ماجد" وهي تراقب حبيبها زميل الدراسة بينما يغازل فتاة أخري والأكثر من ذلك تراقب شابا كان متيماً بها وهو مازال علي عهده حتي بعد التحول. أما شيماء التي تصبح بعد التحول "شيكو" فإنها ترفض العودة إلي أصلها لأنها اصبحت فتاة حسناء وتريد ان تقترن بها "يسرا اللوزي". الهانش ويلعب ادوارد في هذه المسخرة الفنية شخصية "عزيز الهانش" نسبة إلي مؤخرته الضخمة التي يتمزق من جراء ضغطها قماش البنطلون في نكته تحدث تأثيرها رغم ان الشخصية في محصلتها الأخيرة ثقيلة وذلك رغم عنصر المكياج الذي اجتهد أن يضفي علي مظهر ادوارد وتكونيه قدرا من الطرافة. وينجح الفيلم في صنع صياغة شكلية مناسبة للحدوتة بدءا من تصميم القصر الذي يشبه "دينزنلاند" واستخدام الاقنعة الخاصة لشخصيات هذا العالم الطفولي "ميكي ماوس ورفاقه" وايضا ملابس الممثلين الثلاثة المستوحاة من نفس هذا العالم الساحر. الفيلم يتضمن احالات إلي نوعيات مألوفة من الفيلم الكوميدي ثبت تناغمها مع الذوق الدارج الذي يستسيغه المتلقي واستلهم الممثلون الثلاثة بعض المظاهر والعناصر التي ارتبطت بهذه النوعيات. مخرجون من نفس الجيل المرح طبعة2000 يقف وراءها مخرجون من نفس جيل المؤلفين الممثلين صناع هذا الفيلم وهم أمير رمسيس "ورقة شفرة" ومعتز التوني "سمير.. وشهير وبهير" وأحمد سمير فرج مخرج "بنات العم" ويبدو أن حصيلة التجارب الثلاثة تؤكد انه ثمة توافقاً في إدارة وترتيب العناصر الفنية داخل إطار مقبول وخلق اجواء من المرح سريعة العدوي وتنتقل مباشرة من الشاشة إلي المتفرج. والمخرجون الثلاثة من جيل درس السينما وتعلم كيفية توظيف أدواتها التقليدية وامكانياتها الحديثة ولا شك انهم استفادوا من التراث الطويل للفيلم الكوميدي المصري منهم روح الدعاية وطريقة تصنيعها بلغة الصورة وأضافوا الي المعرفة الأكاديمية لمسة كل منهم الخاصة التي تحرص علي إجادة الصنعة دون التفريط في احتياجات الجمهور ودواعي الشباك. والافلام الثلاثة ليست من الانتاج الضخم وان كانت تنتمي إلي النوع التجاري الذكي اللاقط لنوعية التوليفة المناسبة والناجحة وبالذات الفيلمين الأخيرين وهذه الخاصية الأخيرة من شروط المنتج الحريص علي تحقيق النجاح في ظروف صناعة لا تعيش حاليا أفضل حالاتها اقتصاديا.