ضمن برنامج "الاحتفاليات الثقافية" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب جري الاحتفال بالكاتب الراحل الكبير إبراهيم أصلان في لقاء حضره صديق عمره الروائي سعيد الكفراوي. وغاب عنه الأديبان شعبان يوسف ومحمد طلبة. تحدث الكفراوي عن علاقته بأصلان قائلاً: ربطتني به علاقة صداقة طويلة جداً.. سافرنا سوياً خارج مصر وداخلها. كنا في العراق والمغرب.. وزرنا سوياً معظم محافظات مصر.. علاقتنا لم تكن شخصية بل أسرية.. كنت أنا وابراهيم أصلان ومحمد البساطي ومحمد عفيفي مطر وإبراهيم عبدالمجيد.. ومقاهي القاهرة المختلفة شهدت تفاصيل هذه العلاقة. أضاف: إبراهيم أصلان أحد الكتاب الذين امتلكوا الواقع واستطاعوا ان يكتبوا عنه فناً بديعاً.. ورغم أنه لم يأخذ حقه في التعليم وعمل في بداية حياته في هيئة البريد فإنه ثقف نفسه بنفسه واحتل مكانه الذي يليق به في الحركة الثقافية المصرية. وأسس لنفسه كتابة خاصة به تقوم علي الحكي والنصوص الصغيرة التي تحمل أفكاراً كبيرة. أشار سعيد الكفراوي إلي واقعة تؤكد علي أهمية إبداع ابراهيم أصلان وتميزه قائلاً: عندما كنا في العراق. وجدنا الروائي الكبير الراحل الطيب صالح يبحث في الفندق عن أصلان بعد أن قرأ مجموعته القصصية "بحيرة المساء". لقد كان إنساناً بمعني الكلمة -الكلام لسعيد الكفراوي- منذ شهرين تقريباً دق جرس الهاتف في الفجر. وجدت علي الطرف الآخر ابراهيم أصلان فقال لي بصوت يملؤه الحزن: خيري شلبي في رحاب الله. نزلنا سوياً من المقطم. كهلين عجوزين نجتر الذكريات التي امتدت أربعين عاماً مع خيري شلبي. دخلت لألقي النظرة الأخيرة علي خيري وإذا بابراهيم أصلان لا يقوي علي الدخول ومشاهدة صديقه ميتاً. ظل يبكي بجوار الحائط وهي من المرات البسيطة التي رأيته فيها يبكي بهذه الطريقة. أضاف: عندما تقرأ نصاً من نصوص ابراهيم أصلان تكتشف أنه صاحب النص حتي وإن لم يضع اسمه عليه فقد وضع لنفسه اسلوباً يميزه وموضوعات لا يهتم بها غيره. لأنه ينتمي إلي طبقة المهمشين. نشأ وتعلم في حي امبابة خالط أهل الهامش واستطاع أن يعبر عنهم.. لقد كان مشغولاً بالطبقة الكادحة المهمشة.. كان دائماً يطرح علينا الأسئلة: كيف يعيش هؤلاء الفقراء؟!.. وإلي متي سيظل العدل غائباً؟!.. حديثه عن الحرية لا يتوقف ولديه نصوص كثيرة تحكي وتتكلم عن الفقراء. كانت أحلامه علي المستوي العام كبيرة وكبيرة جداً بينما كانت أحلامه علي المستوي الشخصي بسيطة. كان يقول لي: نفسي اشتري كرسي هزاز وأجلس في شرفة بيتي علي جبل المقطم وأري غروب الشمس.. المدهش أن يوم وفاته فوجئت بزوجته تتصل بي وتقول: الحقني ابراهيم تعبان ولا أعرف ماذا أفعل. أسرعت إلي منزله أنا وزوجتي وكنت أول من وصل فوجدته يجلس علي الكرسي الهزاز وقد فارق الحياة.. فحملته ووضعته علي الفراش وأغضمت عينيه وأعلنت وفاة الكاتب الكبير.. وحقيقة فإن إبراهيم أصلان ينتمي إلي جيل العباقرة وإنني لا أعجب من هؤلاء الراحلين البسطاء الكبار الذين أعطوا لنا الكثير. كانوا متفاعلين مع الواقع يتنبأون بما يحدث ويشرحون الواقع. لقد تنبأ الشاعر الراحل أمل دنقل بنكسة 67 وكتب "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة".. ومحمد عفيفي مطر "النيل يغير أثوابه" وصنع الله إبراهيم "تلك الرائحة" وعبدالحكيم قاسم "أيام الإنسان السبعة".. وهكذا ابراهيم أصلان فلغته ترمز إلي العالم. والحياد فيما كتبه بين الواقع وذات الواقع وبين الشخصية وحلمها. أشار سعيد الكفراوي إلي أن هذا الجيل ابن واقعه عاشوا واندمجوا وتفاعلوا. وعلي الرغم من أن معظمهم يحملون شهادات متوسطة أو ما هو أقل ورغم أنهم خرجوا من قري ومناطق شعبية لم تنل حظاً من الاهتمام -حتي أن ابراهيم أصلان كان يشعر بالغربة في القاهرة- إلا أنهم نحتوا في الصخر وقدموا للثقافة المصرية والعربية الكثير والكثير. لقد قدم هذا الجيل ما يمكن ان نسميه وثيقة تاريخية عن الواقع السري للوطن.. لقد استطاع جيل الستينيات ان يكون لنفسه ثقافته المميزة وهو ما انعكس علي إبداعهم الرائع. يري الكفراوي أن أصلان في نصه الأدبي كان يسعي لكتابة ما يريده وليس ما تريده الكتابة وكان دائماً يقول لي: علي الكاتب أن ينتج فناً.. بغض النظر عن المغزي الذي يستطيع المبدع القادر ان يستدعيه.. كنا نختلف في رؤيتنا للفنون وفي أساليب الكتابة.. وأعتقد أن ابراهيم أصلان في فترة من الفترات تأثر بنموذج ناجح في شكل الكتابة. وكنا نناقش ذلك فيما بيننا. كنا نبحث عن الأفضل ونحلم بالتغيير في الحكي والكتابة.. ومن ينظر لنجيب محفوظ مثلاً سيجد أن رواياته شهدت تطويراً عبر مراحله المختلفة.