لم يحقق تعليما منتظما منذ الصغر، فقد التحق ب"الكتاب" ثم تنقل بين عدة مدارس حتى استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية..ثم عمل فى هيئة البريد "بوسطجى"؛ لكن موهبته جعلته أحد أبرز كتاب جيله. إنه الأديب الراحل إبراهيم أصلان الذى أضاف للمكتبة العربية أعمالا قيمة. كانت مواقفه واضحة حيث انحاز منذ البداية للوطن؛ ولم يوائم أو يُهادن؛ كما دعم منذ البداية حركة التغيير التي تبنتها الجمعية الوطنية للتغيير. ورغم عزوفه الإعلامى إلا أن شعبيته الجماهيرية ميزته عن الكثيرين من نظرائه. وضمن برنامج الاحتفاليات الثقافية بمعرض الكتاب نظم المعرض احتفالية بالكاتب الراحل حيث شارك فيها صديق عمره الروائى سعيد الكفراوى، وغاب عنها الناقدان شعبان يوسف ومحمد طلبة. فى البداية قال الروائى الكبير سعيد الكفراوى: "ربطتنى بأصلان علاقة صداقة طويلة جدا؛ سافرنا سويا خارج مصر وداخلها، كنا فى العراق والمغرب؛ وزرنا سويا معظم محافظات مصر؛علاقتنا لم تكن شخصية بل أسرية, فكنت أنا وإبراهيم أصلان ومحمد البساطى ومحمد عفيفى مطر وإبراهيم عبد المجيد أصدقاء مقربين؛ وشهدت مقاهى القاهرة المختلفة تفاصيل هذه العلاقة". وأضاف: "إبراهيم أصلان أحد الكتاب الذين امتلكوا الواقع واستطاعوا أن يكتبوا عنه فنا بديعا؛ ورغم أنه لم يأخذ حقه فى التعليم وعمل فى بداية حياته فى هيئة البريد إلا أنه ثقف نفسه بنفسه واحتل مكانة تليق به فى الحركة الثقافية المصرية، وأسس لنفسه كتابة خاصة به تقوم على الحكى والنصوص الصغيرة التى تحمل أفكارا كبيرة؛ لقد كان إنسان بمعنى الكلمة فمنذ شهرين تقريبا دق جرس الهاتف فى الفجر، وجدت على الطرف الآخر إبراهيم أصلان فقال لى بصوت يملؤه الحزن: خيرى شلبى فى رحاب الله، نزلنا سويا من المقطم، كهلين عجوزين نجتر الذكريات التى امتدت أربعين عاما مع خيرى شلبى، دخلت لألقى النظرة الأخيرة على شلبي وإذا بإبراهيم أصلان لا يقوى على الدخول ومشاهدة صديقه ميتا، ظل يبكى بجوار الحائط، وهى من المرات البسيطة التى رأيته فيها يبكى بهذه الطريقة". وأضاف: "عندما تقرأ نصا من نصوص أصلان تكتشف انه صاحب النص حتى وإن لم يضع اسمه فقد وضع لنفسه أسلوبا يميزه وموضوعات لا يهتم بها غيره، لأنه ينتمى إلى طبقة المهمشين، حيث نشأ وتعلم فى حي إمبابة وخالط أهل الهامش واستطاع أن يُعبرعنهم..لقد كان مشغولا بالطبقة الكادحة المهمشة.. كان دائما يطرح علينا الأسئلة: كيف يعيش هؤلاء الفقراء؟!!.. وإلى متى سيظل العدل غائبا؟!!.. حديثه عن الحرية لا يتوقف ولديه نصوص كثيرة تحكى وتتكلم عن الفقراء". أضاف الكفراوي خلال اللقاء :"كانت أحلامه على المستوى العام كبيرة جدا, بينما كانت أحلامه على المستوى الشخصى بسيطة، فكان يقول لى: نفسى أشترى كرسى هزاز وأجلس فى شرفة بيتى على جبل المقطم وأرى غروب الشمس..المدهش أن يوم وفاته فوجئت بزوجته تتصل بى وتقول: إلحقنى إبراهيم تعبان ولا أعرف ماذا أفعل، أسرعت إلى منزله أنا وزوجتى وكنت أول من وصل فوجدته يجلس على الكرسى الهزاز وقد فارق الحياة..فحملته ووضعته على الفراش وأغمضت عينيه وأعلنت وفاة الكاتب الكبير". ويرى الكفراوي أن أصلان ينتمي إلى جيل من العباقرة موضحا:" إنى لأعجب من هؤلاء الراحلين البسطاء الكبار الذين أعطوا لنا الكثير، حيث كانوا متفاعلين مع الواقع يتنبأون بما يحدث ويشرحون الواقع، لقد تنبأ الشاعر الراحل أمل دنقل بنكسة 67 وكتب "البكاء بين يدى زرقاء اليمامة.. ومحمد عفيفى مطر "النيل يغير أثوابه" و صنع الله إبراهيم "تلك الرائحة" وعبد الحكيم قاسم "أيام الإنسان السبعة".. وهكذا إبراهيم أصلان فلغته ترمز إلى العالم، والحياد فيما كتبه بين الواقع وذات الواقع وبين الشخصية وحلمها". وأشار سعيد الكفراوى إلى أن كُتاب هذا الجيل عاشوا واندمجوا وتفاعلوا، وعلى الرغم من أن معظمهم يحملون شهادات متوسطة أو ما هو أقل؛ ورغم أنهم خرجوا من قرى ومناطق شعبية لم تنل حظا من الاهتمام - حتى أن إبراهيم أصلان كان يشعر بالغربة فى القاهرة - إلا أنهم نحتوا فى الصخر وقدموا للثقافة المصرية والعربية الكثير والكثير،فقدم هذا الجيل ما يُطلق عليه وثيقة تاريخية عن الواقع السرى للوطن؛ فقد استطاع جيل الستينيات أن يُكونوا لنفسهم ثقافتهم المميزة وهو ما انعكس على إبداعهم الرائع. ويرى الكفراوى أن أصلان فى نصه الأدبى كان يسعى لكتابة ما يُريده وليس ما تريده الكتابة وكان دائما يقول له: "على الكاتب أن ينتج فنا؛ بغض النظر عن المغزى الذى يستطيع المبدع القادر أن يستدعيه. وأضاف :" كنا نختلف فى رؤيتنا للفنون وفى أساليب الكتابة.. وأعتقد أن إبراهيم أصلان فى فترة من الفترات تأثر بنموذج ناجح فى شكل الكتابة، وكنا نناقش ذلك فيما بيننا، وكنا نبحث عن الأفضل ونحلم بالتغيير فى الحكى والكتابة..ومن ينظر لنجيب محفوظ مثلا سيجد أن رواياته شهدت تطويرا عبر مراحله المختلفة". واختتم سعيد الكفراوى كلامه قائلا: "لقد فقدت الحياة الثقافية والأدبية مبدعا كبيرا، وسلام على جيل الستينيات".