في مقالة قديمة لي. أشرت إلي أن الثقافة سلوك. نفيا للتصور الخاطيء بأن المعرفة هي الثقافة. يحضرني هذا المعني وأنا أتهيأ لكتابة هذه الخاطرة السريعة عن صديقي صلاح ترك. الأديب والأستاذ الجامعي والمهموم بالقضايا العامة. فقد أدرك المعني الحقيقي للثقافة. وانعكس ذلك في أقواله وتصرفاته وحياته جميعا. كان صلاح ترك أستاذا في كلية الزراعة. لكنه لم يقصر دوره علي جدران الجامعة. شأن الكثير من أساتذة الجامعات الذين لا نعرف لهم إسهامات من أي نوع في المجتمع الذي يعيشون فيه. اكتفوا بمدرجات الجامعة. دون أن تشغلهم احتياجات المجتمع. أو يحاولوا التعرف إلي مشكلاته. وما قد توفره لهم المعامل والأبحاث من إضاءات وحلول تضيف وتطور. وتقدم الأستاذ الجامعي في صورته المرجوة. من واجبي أن أضيف صلاح ترك إلي قائمة الشرف الطويلة لهؤلاء العلماء الذين تدين لهم مصر بالكثير من الانجازات في مجالات الحياة المختلفة. لأنه كان فلاحا مصريا فقد اتجه باهتمامه إلي البيئة الزراعية. دارسا وأستاذا. وتوصل إلي تحسينات في الأغذية الزراعية. وفي أنواع جديدة من المحاصيل المهجنة. تهب الجودة والوفرة. بما يعين اقتصادنا الزراعي أتأمل تمسيده لحزمة الأعشاب: أثبتت الدراسات جدواها في علاج أمراض كثيرة. اتجه صلاح ترك إلي العمل العام بما لا يبتعد عن اهتماماته البيئة. أنشأ جمعية للحفاظ علي البيئة. قوامها عدد كبير من أساتذة الجامعات والمتخصصين. لم تكن مجرد تسمية وشعارات ومؤتمرات مغلقة. تودع أبحاثها الأرفف والأدراج. لكنها جعلت الأولوية للتطبيق. بحيث تكون للجمعية إسهاماتها الفاعلة في مكافحة التلوث البيئي. الدور الذي تقصر عن أدائه منذ سنوات وزارة تنفق الملايين من أموال دافعي الضرائب. دون أن تصلهم تأثيراتها بالقضاء علي التلوث البيئي. ممثلا في السحابة السوداء. وعادم السيارات. وإلقاء المخلفات في النهر والبحر. وتجريف الأراضي الزراعية. وتبويرها. إلخ. وحرص صلاح ترك أن يفيد من موهبته الإبداعية. فعاد إلي مقاعد الدراسة وهو الأستاذ الذي يرأس قسما في كليته. ويرأس جمعية لها سمتها الدولي ليدرس فن كتابة السيناريو. وكتب العديد من الإبداعات التي تخاطب كل الأعمار والمستويات المعرفية وكان بديهياً في ضوء هذه الاسهامات التي جعلت العمل الجمعي وسيلة وهدفا. وأن تمتد إلي مدينته المحلة الكبري. فيرعي مواهب أبنائها. ويقدم العشرات من المبدعين في الأجناس المختلفة. لا أستاذية ولا تلمذة. إنما الكل في حضرة الورشة الإبداعية. يفيدون من القراءة المتبادلة. وإبداء الملاحظات. والتقويم. باختصار. كان صلاح ترك مثلا للأكاديمي الذي لم يقصر علمه علي جدران مؤسسته. لكنه حاول أن يصل به إلي أقصي المتاح. سواء علي مستوي الأفراد الموهوبين. أو البيئة التي تطلب حلولا لمشكلاتها. تطالعنا في العديد من الأعمال الإبداعية العلمية شخصيات لا تعرف في حياتها إلا الخير. تمارسه بعفوية في علاقاتها بالآخرين. كان صلاح ترك نموذجا إنسانيا. حقيقيا. ومعاشا. لتلك الشخصيات رحمه الله.