«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد عبد الفتاح القصاص : معركت ي مع اسرائيل

قبل أن أذهب لإجراء هذا الحوار مع واحد من أهم علماء البيئة فى العالم، وهو »د.محمد عبدالفتاح القصاص«، قرأت الكثير عنه وعن إنجازاته العلمية.. الرجل حصل على جائزتين علميتين وأربعة أوسمة من مصر وثلاث جوائز علمية من الدول العربية وجائزة الأمم المتحدة ووسامين أحدهما من هولندا والآخر من السويد.. وحصل أربع مرات على الدكتوراه الفخرية من جامعات أوروبية وعربية ومصرية.. وشغل العديد من المناصب الدولية.. كل هذا قد يكون مهما.. لكن الأهم أننى عندما قابلته فى مكتبه بالجامعة وجدتنى فى عالم من السحر الهادئ صنعه الرجل بزهده وبمصريته الشديدة وبتميزه العلمى. بعد تحية سريعة وفنجان من القهوة والكلمات القليلة.. أخذنى الرجل فى جولة لأتعرف على عالمه الخاص.. فصرت كتلة من الدهشة والانبهار وأنا أتابع كنوزا جمعها الرجل خلال سنوات عمره الذى جاوز السابعة والثمانين.. وعندما فتح خزائن أسراره أغرقنى فى الحيرة فتوالت أسئلتى.. وكان هذا الحوار.
ما هى حكاية »المعشبة« التى يعتبرها البعض أهم الكنوز العلمية التى تملكها مصر؟
- هى عبارة عن مكتبة للنباتات البرية تم جمعها من الصحارى والبرارى فى مصر والدول العربية.. وبدأ العمل فى تأسيسها منذ عام 1925 ، وتوالت الأجيال المتعاقبة من العلماء المصريين والأجانب فى جمع محتوياتها.. وشاركت طوال مراحل عملى فى الإضافة إليها مع زملائى.. وهى عبارة عن نباتات مجففة كل منها مثبت على ورقة تضم بيانات كاملة عن هذا النبات ومكان نموه والباحث الذى جمعه وتاريخ ضمه إلى المعشبة... إلخ، وهذه المعشبة تضم 90٪ من النباتات المصرية، ونحو 80٪من النباتات الموجودة فى الشرق الأوسط. وهذه المعشبة تكونت عبر العشرات من السنين، لذلك تعتبر كنزا علميا مهما تملكه مصر ومرجعا لاغنى عنه للدارسين فى هذا المجال.. ولأنها لا مثيل لها فى دول الشرق الأوسط فهى لاتقدر بثمن.. ويجب أن أذكر الدكتورة ڤيڤى تاكهولم التى أسست هذه المعشبة.
دفعت مبالغ ضخمة عبر سنوات عمرك فى شراء الكتب العلمية ثم وهبت مكتبتك الضخمة لكلية العلوم.. لماذا فعلت ذلك؟
- هذه المكتبة هى كل ما أملك فى الحياة الدنيا.. أنا لا أملك سيارة ولا شاليها فى الساحل الشمالى.. ولكن عندى الرغبة فى مساعدة زملائى وتلاميذى، لذلك تبرعت بهذه المكتبة الضخمة لكلية العلوم التى تخرجت فيها وعملت فيها طوال عمرى.. أعتبرها ثروة قومية لأنها تضم مراجع علمية يعود بعضها إلى عام 1920 وتضم كتبا ودوريات علمية تشمل كل القضايا المتعلقة بالبيئة والنباتات البرية.. وهى مقسمة إلى تخصصات: علوم بيئة النبات.. ومياه النيل.. وعلاقة الإنسان بالبيئة.. والمياه الجوفية وتغير المناخ وتأثيراته.. إلخ.. وهى مراجع ودراسات شديدة التخصص.. وهذه المكتبة عبارة عن واحة علمية متقدمة جدا فى مجال تخصصى.
توليت العديد من المناصب المهمة فى بعض المنظمات الدولية.. وهو دليل على قدرات الإنسان المصرى على تولى المهام الدولية ألم تشعر بذلك؟
- الإنسان هو الإنسان لا فرق بين أمريكى وهندى أو إنجليزى ومصرى.. المهم الجدية والإصرار والكفاءة.. يوجد نحو 1800 مصرى يشغلون منصب أستاذ كرسى فى الجامعات الأمريكية.. بخلاف عدد لا حصر له يعملون فى مجالات متقدمة جدا مثل وكالة الفضاء الأمريكية أو فى تصميم المحطات النووية.
ولكننا لم نحقق تقدما علميا قريبا مما حققته الدول الكبرى.. هل السبب فى نظام التعليم؟
- لا.. زويل اتعلم فى جامعة الإسكندرية.. ونظام التعليم فى مصر رغم كل شىء معقول، لكنهم فى أمريكا مثلا عندهم نظام لاكتشاف المواهب العلمية لدى الطلاب منذ مراحل تعليمهم الأولى، ويدعم هذا النظام تلك المواهب فى المراحل التالية حتى يحصلوا فى النهاية على علماء ومبتكرين ومبدعين فى المجالات المختلفة.. النظام ده مش موجود عندنا للأسف.
لماذا لا يوجد فى مصر نظام خاص باكتشاف المواهب ودعمها؟
- لأن الدنيا عندنا زحمة جدا.. فى المدارس والجامعات والفصول والمدرجات والمعامل، ولا يوجد عندنا الأستاذ الذى يتفرغ أو حتى يهتم باكتشاف المواهب العلمية. وأنا هنا أقصد أن المشكلة عندنا ليست فى نظام التعليم أو مناهج التعليم لا.. رأيى أن كل ده عندنا معقول.. لكن المشكلة هى فى التخطيط للتعليم لتحقيق أعلى استفادة.
جئت للدراسة فى القاهرة عام 1940 وعشت فيها حتى الآن كيف تغيرت الحياة فى هذه المدينة التى تتضخم باستمرار؟
- فى الأربعينيات كان كل عدد سكان القاهرة نحو 5,1 مليون نسمة، وكان المسئولون منزعجين أيامها من احتمال زيادة عدد سكان المدينة 250 ألف نسمة، وأن الزيادة حتعمل دوشة.. لذلك كان مدرس الفصل يعرف كل تلاميذه لأن عددهم كان قليلا جدا.. أنا شخصيا وأنا تلميذ كنت بأزور أستاذى عبدالحليم منتصر كل يوم جمعة وكانت علاقات الجيران حلوة وحميمة.. والأهم أن أبناء الطبقة المتوسطة زمان كانوا بيعتبروا أغنياء بمقاييس الأيام الحالية.. يعنى المعيد فى الجامعة فى الأربعينيات كان راتبه 5,11 جنيه، وده كان مبلغ ضخم جدا، وكان الفائض بعد مصاريف الحياة اليومية يكفى هذا المعيد لشراء الكتب العلمية ويكفيه أيضا لقضاء عدة أسابيع فى الصيف فى زيارة لأوروبا.. الآن راتب معيد الجامعة كام وكيف يشترى الكتب العلمية التى يحتاجها، فمتوسط أسعارها نحو ألف جنيه للكتاب.. يعنى الآن أستاذ الجامعة اللى معندوش مكتبة خاصة.. دى مشكلة كبيرة.. ومدرس الفصل الذى يسعى للدروس الخصوصية لزيادة دخله لا وقت لديه لإقامة علاقة سوية مع تلاميذه.. يعنى فيه تغيرات كثيرة.
لماذا لايفهم أو يهتم أغلب الناس بالقضايا التى تشغل بال علماء البيئة مثل التصحر والتنوع البيولوجى والشتاء النووى والاحتباس الحرارى ومخاطر التلوث وأوجاع نهر النيل، وما يتردد عن غرق الدلتا المصرية وحروب المياه المحتملة؟
- الجهل بمشاكل البيئة يزيد هذه المشاكل تعقيدا.. وهو أمر ناتج عن تقصير أجهزة التعليم والإعلام والثقافة واقتناع الناس بخطورة المشاكل البيئية يساعد على حل هذه المشاكل، فلا يلوثون الهواء والأنهار مثلا.. ولإثارة اهتمام الناس يجب ألا نبدأ بمشاكل تغيير المناخ التى ستظهر آثارها المدمرة بعد خمسين عاما، أو مشكلة غرق الدلتا المصرية التى قد تحدث بعد مائة عام، ولكن علينا أن نبدأ بالقضايا البيئية التى تمسهم مباشرة، وهى قضية التلوث وأثره على صحة الإنسان، وإذا اقتنع الناس بأن إهمالهم فى علاج قضايا التلوث سيؤدى إلى إصابتهم بالأمراض وربما الوفاة فإن غريزة الحياة هنا ستدفع للنضال من أجل علاج مشاكل التلوث.
احتفلت الأمم المتحدة بمنحك جائزتها يوم 5 يونيو ,1978 يومها أشرت فى كلمتك إلى رحلتك منذ خروجك طفلا من البرلس طلبا للعلم حتى وصلت إلى حصولك على جائزة أكبر محفل دولى، ماذا كنت تقصد من تلك الإشارة؟
- كنت أريد أن أقول لكل أطفال القرى المصرية ومدنها أن كل واحد منهم ممكن يحقق ما حققته وربما أكثر، كنت أريد أن أعطيهم الأمل وأن أعطيهم النموذج على أن راهب العلم لا ينام.. وأن العمل والاجتهاد والإصرار هو طريق تحقيق الأهداف العظيمة.
نشأتك فى البرلس هل كانت الدافع لتخصصك فى مجال البيئة؟
- كنت أساعد والدى فى صيد السمك والطيور المهاجرة وبناء السفن الصغيرة.. ولاحظت أن حياة الناس تعتمد على البيئة ودورات حياة الأسماك والطيور ودورات هجراتها.. والناس بالفطرة كانت تعرف المتغيرات المناخية فى بيئتهم من نوات وأعاصير ورياح كما كانوا يعرفون خطورة إهدار موارد الطبيعة بالصيد الجائر لزريعة الأسماك مثلا.
هل المشروعات الدولية الخاصة بالبيئة هى مشروعات اقتصادية ذات عائد؟
- الحكومة البريطانية كلفت خبيرا دوليا اسمه »شتيرن« بعمل دراسة حول التكاليف البيئية لتغيرات المناخ، وأنهى الرجل دراسته الضخمة وأثرت على العالم كله، وأكد هذا العالم أن الاهتمام بالبيئة عملية مربحة اقتصاديا جدا.. بعدها بدأت الحكومات تهتم بالحفاظ على البيئة.
عندما قدمت إلى القاهرة فى الأربعينيات تعرفت على يهودى مصرى اسمه يعقوب مارك كوهين.. وبعد ذلك دخلت فى معارك علمية مع عدد من الإسرائيليين شهدتها المحافل الدولية.. ما هى حكايتك مع اليهود؟
- اليهود كأفراد مثلهم مثل المسلمين أو المسيحيين.. لكن إسرائيل ليست هى اليهود.. إسرائيل قامت على استخدام الدين اليهودى كمبرر لوجودها.. وعملت إسرائيل دعاية كاذبة بأنها واحة العلم فى منطقة واسعة - تقصد العرب والمسلمين - من الجهل والتخلف، لذلك سعت إسرائيل إلى إجهاض أى نهضة علمية فى المنطقة العربية وسعت إلى عدم بروز العلماء العرب فى المحافل الدولية.. وأنا شخصيا واجهت ذلك بالعمل الدءوب وتجاوزت الضغوط الإسرائيلية.. وفى مجال البيئة حاولت إسرائيل أن تقنع العالم أن العرب هم سبب الخراب البيئى، وكانت دعايتها تقول أن العرب أعداء الشجرة وأن إسرائيل ستحول صحراء النقب إلى جنة خضراء.. نعم طبقت إسرائيل بعض المعارف العلمية والتجارب المحدودة وربما أفادوا من بعض البحوث المصرية فى هذا المجال.. ثم اتضح أن إسرائيل لم تحقق شيئا يذكر فى هذا المجال، وأن الحكاية كلها دعاية أكثر منها إنجازا علميا محدودا تم تنفيذه فى مزارع صغيرة (عشرة أفدنة مثلا للمزرعة).. المثير هنا أن احنا فى مصر سبقنا كل هذا وزرعنا التين الشوكى فى الكثبان الرملية بالساحل الشمالى منذ عام ,1918 ومزارع زيتون فى برج العرب منذ عام ,1921 والمشكلة هنا أننا فى مصر بنحقق إنجازات علمية رائعة فى صمت وإسرائيل شاطرة فى الدعاية.
ولكن كانت هناك معارك علمية مباشرة دخلتها مع العلماء الإسرائيليين.
- كانت هناك مجموعة من شيوخ العلماء الإسرائيليين ضايقونى كثيرا.. فمثلا عملوا على منعى (لما كان واحد منهم يعمل رئيسا للأكاديمية العالمية للعلوم والآداب) من قبولى عضوا زميلا للأكاديمية الدولية.. ويوم ترك هذا الإسرائيلى منصبه وحل محله عالم سويدى جليل انتخبت فورا وأصبحت عضو مجلس إدارة هذه الأكاديمية الدولية.. أيضا خلال علاقتى بمنظمة اليونسكو والبرامج الدولية.. ووجدت مجموعة من الإسرائيليين يفرضون أنفسهم فرضا بغير حق على اليونسكو والبرامج الدولية، ولا أنسى هنا واحدا إسرائيليا اسمه زهرى، وكانت قصتى معه طويلة وواحدا آخر اسمه إيج، باختصار كان كل هدفهم هو منع وصول العلماء العرب إلى المحافل الدولية ولكنهم فى النهاية لم ينجحوا.
كان الفنان التشكيلى العظيم صلاح طاهر مدرسك فى المرحلة الثانوية.. ما هى تجربتك معه؟
- أنا رسبت فى السنة الرابعة الثانوى فى مادتى الرسم واللغة الإنجليزية.. ومن حسن حظى أن صلاح طاهر كان قد أصبح مدرسا فى سنة الإعادة لمادة الرسم.. وبعد عدة أشهر من جهده المتواصل معى جعلنى أعشق الرسم وبدأ فى تعليق لوحاتى على حوائط الفصل وحولنى من طالب راسب إلى طالب متميز، ومازلت أذكر كيف كان يعلمنا علم الجمال.. ده نموذج لمدرس الثانوى الذى لاتجده الآن،ولم يكن صلاح طاهر وحده، بل كان كل المدرسين تقريبا موهوبين أذكر منهم شكرى سعد وعباس إبراهيم وفتحى الغزاوى، وجميعهم انتقلوا إلى التدريس بالجامعة وأصبحوا من علماء مصر فى مجالات تخصصهم.
أنت تتحدث عن نوعية من المدرسين أعتقد أنها لم تعد موجودة.
- فى تقديرى أنه إذا كان هناك شيئ مهم حققته فى مجال تخصصى العلمى سواء فى مصر أو فى العالم فهو يرجع إلى جودة التعليم فى المراحل التعليمية التى مررت بها فى مصر، ودور المدرس هو الأساس فى نجاح العملية التعليمية أو فشلها، باختصار المدرسة مثل مدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية - أصبحت كلية العلوم الآن - التى تعلمت فيها كانت مدينة علمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
كيف بدأ الاهتمام الدولى بقضايا ومشاكل البيئة؟
- فى عام 1962 نشرت الباحثة الأمريكية راشيل مارسون كتابا بعنوان »الربيع الصامت« تحدثت فيه عن مخاطر المبيدات الحشرية التى تستخدم فى الزراعة.. ووقتها اعتبرها العلماء سيدة شاردة الذهن بسبب إصابتها بمرض السرطان.. بعدها أدت أدخنة المصانع الألمانية والإنجليزية إلى سقوط أمطار حامضية أصابت البحيرات السويدية بالتلوث الذى أصاب من يستحمون فى هذه البحيرات بأمراض جلدية، كما مات السمك فى تلك البحيرات، فطالبت السويد الأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولى لمناقشة قضايا البيئة العابرة للحدود، وعقد عام 1972 فى استوكهولم، بعدها بدأ الاهتمام الدولى بمشاكل البيئة يتسع. ؟ رأست الاتحاد الدولى للإنسان والطبيعة، وشاركت فى أغلب المشروعات البيئية الدولية والمحلية هل حدثت استجابة لجهود علماء البيئة؟ - حدث تحسن ولكن ببطء.. العلماء لايتحدثون وتحدث الاستجابة لهم فى اليوم التالى.. المسألة تحتاج إلى وقت، ولابد من إقناع الناس بخطورة تدهور البيئة، وبعد أن يقتنعوا يمارسون ضغوطا على حكوماتهم.. بعدها تتحرك الحكومات.. يعنى مثلا سعت إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وكان يرأسها العالم المصرى الجليل د.مصطفى طلبة إلى عمل معاهدة فيينا لحماية طبقة الأوزون سنة ,1985 ولم تهتم دول العالم بذلك بما فيها أمريكا، ولكن بعد أن أثبت العلماء خطورة الأشعة الكونية التى تتسرب إلى الأرض من خلال ثقب الأوزون على صحة الإنسان واقتنع الناس بذلك مارسوا ضغوطا على حكوماتهم لذلك وقعت تلك الحكومات على الاتفاقية عام .1988
قرأت عن شىء مرعب اسمه »الشتاء النووى« والآثار البيئية للحروب النووية.. ما رأيك فى هذا الموضوع؟
- دى كذبة كبيرة.. بدأت عندما اقترح خبراء فى إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق ريجان بالسماح بحدوث قصف نووى محدود لتحريك الأحداث التى أصابها الجمود خلال فترة الحرب الباردة.. لكن العلماء انزعجوا جدا وأكدوا أنه لو حدثت حرب نووية حتى ولو من جانب واحد، أو حتى كانت حربا نووية محدودة فلن يكون هناك منتصر ومهزوم.. وسوف يخسر الجميع.. وأنا كنت واحدا من بين عشرة علماء كلفتهم الأمم المتحدة بعمل تقرير عن هذا الموضوع.. وقد أثر التقرير الذى أعددناه على سياسات مختلف دول العالم، واقتنع الجميع بخطورة القصف النووى حتى ولو كان محدودا على العالم وعلى الإنسان.
كنت عضوا فى مجلس الشورى على مدى عشرين عاما ماذا حققت؟
- مجلس الشورى فى بداية تكوينه كان مجلسا استشاريا.. وبعدها اكتسب مسئوليات تشريعية بمرور الزمن.. وكنا نعد تقارير ونقدمها للحكومة وكفى.. لكن فى العشر سنوات الأخيرة بدأ مجلس الشورى يلعب دورا تشريعيا ويناقش القوانين ويناقش الحكومة.؟
كيف ترى علاقة رجل العلم برجل السياسة فى مصر؟
- رجال السياسة والتنفيذ فى مصر عيبهم أنهم محتاجون إجابات سريعة وحاسمة عن أسئلتهم، أما رجال العلم فعيبهم أنهم يحتاجون إلى الوقت والتأنى لاستكمال البحث والدراسة قبل أن يصلوا إلى إجابة عن الأسئلة المطروحة لذلك لايلتقى الطرفان.
هل تعرضت لمشاكل بسبب مواقفك العلمية؟
- جيلى كله تعرض لمشاكل بسبب مواقفه العلمية.. ومصر خسرت الكثير بسبب ذلك.. والمشكلة هنا هى الخلط بين الرأى العلمى والموقف السياسى.. فمثلا عندما طلب بعض العلماء المصريين فى الستينيات دراسة بعض الآثار الجانبية لمشروع السد العالى.. لم يقبل التنفيذيون هذا الموقف الذى اتخذه بعض علمائنا واعتبروهم أعداء النظام، وهو اتهام غير حقيقى بالمرة.. وفى هذا المجال أرجو أن يفهم الجميع طبيعة العلم وحق العلماء فى استكمال دراساتهم العلمية بتأن، لأنه لا توجد دائما حلول جاهزة لكل المشاكل وأنه عندما يبدى عالم رأيا علميا لايتفق مع رأى الحكومة فهذا لا يعنى أنه من أعداء الحكومة.
ما هو تقييمك لمنظومة البحث العلمى فى مصر؟
- نحن نملك كل العناصر التى تساعدنا على تحقيق نهضة علمية شاملة.. والمشكلة أن هذه العناصر متناثرة ولازم تترابط.. عندنا لجنة عليا يرأسها رئيس مجلس الوزراء مسئولة عن البحث العلمى على أعلى مستوى.. وعندنا صندوق يوفر تمويلا سخيا للبحوث تابع لوزارة الدولة للبحث العلمى.. وعندنا أكاديمية للبحث العلمى.. وأنا أقترح أن تتحول أكاديمية البحث العلمى إلى أمانة فنية علمية تحضر مشروعات الخطة العلمية الوطنية.. وتعرض على اللجنة العليا لمناقشتها وإقرارها، وبعد ذلك تتولى مراكز البحوث تنفيذ الخطة القومية كل فى مجال تخصصه وبحيث تعمل المراكز البحثية (التابعة للجامعة أو التابعة للوزارات المختلفة) كفريق متكامل لتنفيذ الخطة القومية المتفق عليها.. والمشكلة أن هذا لا يحدث.
ألا ترى أن هذا الخلل أثر سلبا على العمل فى مجال الحفاظ على البيئة فى مصر؟
- طبعا.. والأمثلة صارخة وكثيرة وتفرقت المسئولية فى الحفاظ على البيئة بين الجهاز والوزارة وعشر وزارات أخرى منها الصحة والصناعة والزراعة وغيرها.
كيف ترى أوجاع نهر النيل والمشاكل التى تناقش فى اجتماعات دول حوض النهر؟
- مشكلة المياه هى مشكلة مصر الأولى.. ويجب أن نعرف أن نهر النيل كان من عام 1950 نهرا مصريا تماما.. كان علماؤنا المصريون هم الذين يدرسون كل ما يتعلق بالنهر من منابعه إلى مصبه وكانت باقى دول الحوض غير مهتمة لأنها كانت تكتفى بمياه الأمطار، ولكن بعد عام 1950 بدأ عدد السكان يتزايد بسرعة فى مصر وفى باقى دول حوض النهر، ومع توالى مواسم جفاف الأمطار وزيادة السكان تزايد الطلب على الماء، ولذلك طرحت مصر مبادرة لتنمية موارد نهر النيل المائية لصالح كل الدول المشاركة فى حوض النهر، وهنا أحب أن أوضح أن المنابع الاستوائية توفر نحو ألف مليار متر مكعب من المياه لايصل منها إلى نهر النيل سوى 12 مليار متر مكعب فقط، وهو ما يعنى أن هناك فرصا ضخمة يمكن أن يوفرها تعاون دول حوض النيل فى مشروعات تنمية موارد نهر النيل من المنابع الاستوائية.. والعلم ممكن يحل الكثير من المشاكل فى هذا المجال.. والدليل على ذلك أن مصر فى الأربعينيات قامت ببناء سد »أوين« على مخرج بحيرة فيكتوريا، وقامت مصر ببناء محطة لتوليد الكهرباء فى هذا السد واستفادت مصر بزيادة حصتها المائية واستفادت أوغندا وكينيا وتنزانيا بالكهرباء.. وهكذا يمكن بالعلم والتعاون تنفيذ العديد من المشروعات ليستفيد الجميع.
كيف ترى التمويل الأجنبى للأبحاث العلمية التى تجرى فى مصر؟
- أعتقد أن ضررها أكبر من نفعها.. ولابد أن نفهم هنا أن الدول المتقدمة ليست جمعيات خيرية، وأنها تسعى لتحقيق مصالحها من خلال تمويل بعض المشروعات البحثية فى مصر.
لماذا لاتمول الشركات المصرية الضخمة ورجال الأعمال المصريون البحث العلمى؟
- بدأ هذا يحدث وبدأت بعض الشركات تفعل ذلك، وكان ساويرس وفريد خميس من الرواد فى هذا المجال وأتمنى أن نتوسع فى هذا الأمر.
فيفى تاكهولم كانت أستاذة فى كلية العلوم ولها تمثال فى الكلية تقديرا لدورها، ما رأيك فى تجربة الاستعانة بأساتذة من الخارج؟
- العلماء الأجانب هم الذين أسسوا كلية العلوم بالذات، لأنه لم تكن هناك أسس مصرية سابقة فى مجالات دراسة هذه الكلية بعكس كليات التجارة والهندسة والآداب مثلا.. وأذكر أن هؤلاء العلماء الأجانب الذين علمونى وعلموا جيلى كانوا مخلصين جدا. ؟ قمت برحلات علمية إلى الصحارى المصرية وشاركت فى بعثات علمية لدراسة البيئة فى مناطق مختلفة وساهم ذلك فى تكوينك العلمى.. هل هناك من يقوم بمثل هذه الرحلات العلمية الآن؟ - أهم هذه الرحلات زيارتى لمنطقة السدود فى السودان وزياراتى المتعددة للصحارى المصرية، خاصة الصحراء الشرقية.. ومن أهم البعثات العلمية تلك التى رتبها معهد بحوث الصحراء عام 1951 لعمل مسح علمى لموارد شمال سيناء واشترك فيها 50 باحثا مصريا وأجنبيا واستمرت إقامتنا فى صحارى شمال سيناء ستة أسابيع.. وأعتقد أنه من النادر أن يتم إرسال مثل هذه البعثات والرحلات العلمية الآن لأننى لم أقرأ إلا نادرا عن أبحاث تضيف إلى ما قمنا به.. وأتمنى أن أعرف ماذا حدث فى منطقة السدود التى زرتها عام 1947 وماذا يحدث الآن هناك!
حققت إنجازات علمية هائلة ولكنك لم تحقق ثروة مادية.. يعنى حضرتك قلت لى أنك لاتملك سيارة أو شاليها فى الساحل الشمالى.. ألا يزعجك ذلك؟
- هذا الأمر لايزعجنى أبدا.. لأنها مستورة والحمدلله، ولا أحتاج إلى أحد ولست مدينا.. بالإضافة إلى أننى عايش كويس وعلمت أولادى كويس وقدرت أجوزهم وأساعدهم.. خلاص الحمدلله عايز إيه تانى.
حكيت لى عن د.محمد مصطفى مشرفة ودوره وعن دور د.محمد رضا مندور الذى اكتشف موهبة عامل فنى كان يعمل معه وساعده حتى أصبح أستاذ كرسى الفلك فى كلية العلوم.. وقصة الطالب إبراهيم عبدالقادر الذى تقدم بدراسة للحصول على درجة الماجستير فأعجبت لجنة المناقشة برسالته ومنحته الدكتوراة.. أنت تتكلم عن عالم مثالى.. إيه الدنيا دى.
- أصل الدنيا دى هى الجامعة.. وأى جامعة قائمة على الأستاذ.. أستاذ كويس يعمل جامعة كويسة.. أستاذ محترم يعمل جامعة محترمة.. وأستاذ فاشل يعمل جامعة بنفس مستواه.. لما أنشأنا الجامعة المصرية كانت جامعة محترمة لأن فيها أساتذة محترمين، الأستاذ بيعمل كل حاجة.. واللى هو عايزه.. لأن الأستاذ موضع ثقة.. كونك تضع الأستاذ موضع ثقة أصبح موضع المسئولية عليه.. هى دى الدنيا اللى عشناها والجامعة التى درسنا فيها وعلمنا أجيالا فيها.
لو سألتك الآن بتحلم بإيه؟
- باحلم أن الجامعة ومراكز البحوث المصرية تنهض بدورها الوطنى الذى يحقق لمصر المعاصرة ودى معركتنا المستمرة لازم نلحق بالدول المتقدمة بالعلم.
ماذا عن أسرتك الصغيرة؟
- الحمدلله عندى أسرة بحمد ربنا عليها؛ زوجة صالحة وأولاد ممتازون، ولد هو أستاذ فى الجامعة الأمريكية فى علم الحاسبات الآلية، وعندى بنت خريجة الفنون الجميلة والأمور مستقرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.