مثلي مثل معظم المصريين. إن لم يكن جميعهم. تابعت بدأب واهتمام شديدين مجريات أول انتخابات بعد ثورة 25 يناير وأقصد تلك التي جرت في تسع محافظات يومي الاثنين والثلاثاء ميدانياً بالنهار وإعلامياً بالليل من خلال شاشات القنوات الفضائية المختلفة عربية وأجنبية وأسعدني كغيري هذا الخروج الكثيف للشعب المصري شباباً وشيوخاً رجالاً ونساء بغض النظر عن أي ملابسات أخري قد تكون حدثت هنا أو هناك وأسعدني كذلك اتفاق الجميع داخل مصر وخارجها علي ان هذه الانتخابات هي الخطوة الأولي لبناء دولة حديثة تليق بمصر تاريخاً وحضارة. وكان المعني الذي تنبض به التفاصيل الكبيرة والصغيرة هو ان هذا الشعب الذي أنجز ثورة الخامس والعشرين من يناير لا يزال قادراً علي إدهاش وإبهار العالم بطبيعته الايجابية التي تظهر دائماً وقت الأزمات ليثبت للمرة الألف بعد الألف أنه شعب واع ولا يمكن الضحك عليه ولكنني فوجئت ربما كما فوجئ غيري بأحد هؤلاء العباقرة الذين ابتليناهم في العقود الأخيرة من المعقدين نفسياً الذين يأبون إلا أن ينكدوا علينا عيشتنا وينغصوا علينا فرحتنا. يطل من علي شاشة إحدي القنوات الفضائية التابعة للتليفزيون المصري بطلعته غير البهية ليهيل التراب علي وجه هذه التجربة التي وصفها حتي الأعداء بأنها عرس للديمقراطية. قال إن هذه الانتخابات التي شهدت خروجاً غير مسبوق للجان الانتخابية قبل الشعب المصري لا تعكس قناعة هذا الشعب بما يفعل لأن من خرج خرج رعباً من العقوبة القانونية التي قررها القانون بتوقيع غرامة 500 جنيه علي كل من لا يدلي بصوته أو رعباً من الفتاوي التي أصدرتها بعض التيارات الاسلامية مضافاً لها فتاوي أخري من المؤسسة الدينية الرسمية. دار الفتوي والأزهر الشريف بأن الإدلاء بالصوت الانتخابي أمانة وواجب وطني وفرض شرعي يأثم من لا يؤديه. وأضاف ان هناك خروقات كثيرة حدثت في هذه الانتخابات مثل استخدام "المال السياسي" و"أعمال البلطجة" و"الاعتماد علي العصبية العائلية" و.. و.. إلخ. وأكد أن أغلبية هذا الشعب الجاهل مشيراً إلي نسبة الأمية التي قدرها بأكثر من 40% مخدوع ومضحوك عليه ودليله علي ذلك ان القطاع الأعرض في رأيه كان قد صوت لصالح الدستور أولاً وليس الانتخاب أولاً وأن الثوار في ميدان التحرير يرفضون هذه الانتخابات بينما يعلم القاصي والداني أنه لم تجر في مصر أي استفتاء حول مسألة الدستور أولاً أو الانتخابات أولاً وإنما حول التعديلات الدستورية كما ان ثوار التحرير أنفسهم قد صرحوا علي لسان البارزين منهم قبل الانتخابات وأثنائها أنهم سيصوتون ثم يعودون للميدان!! والمصيبة ان هذا الناعق كالبوم يشغل منصب أستاذ في علم الاجتماع السياسي بإحدي أعرق جامعاتنا وأنا أحتفظ باسمه واسم الجامعة للوقت المناسب وأنه كان طوال الوقت يحاول الإيحاء لنا بأن ما يدعيه هو العلم والموضوعية وكأنه وحده الذي شهد هذه الأحداث وكأن رأيه نتاج تجربة معملية فذة لا يمكن التشكيك فيها كما حاول ان يوحي لنا بأن الديمقراطية بموجب قبولها للرأي والرأي الآخر تقتضي ان يشنف أذاننا بمثل هذه المقولات التي لم يقل بها أحد سواه. لعن الله شهادات الدكتوراة والأستاذية التي يحملها أمثال هؤلاء الذين دأبوا علي المخالفة لكل ما هو مؤكد والخروج علي كل ما هو مألوف حتي لو شهد به الملايين متصورين أنهم بذلك يفتحون لأنفسهم عالماً من الشهرة- الكاذبة- حتي لو كانت مخالفتهم وخروجهم مخالفة وخروجاً علي الإجماع الوطني أو مناقضة للحواس الخمس أو الست أو السبع. غفر الله لهذا الناعق الذي حاول إفساد فرحتنا علينا ولكن الذنب ليس ذنبه وإنما ذنب من أتاح له الفرصة وعلي شاشات التليفزيون المصري!! ولكنها الديمقراطية فلا بأس فلدينا ملايين الشهادات التي تناقض شهادته المزيفة بكل تأكيد وستكتمل الانتخابات رغماً عن أنفه. إن شاء الله تعالي وسيثبت هذا الشعب أنه أكبر من كل أدعياء العلم والديمقراطية والوطنية بإذن الله.