أصبحت مسألة الانتخابات أولاً أم الدستور أولاً محيرة للشارع المصري، حيث تعالت الأصوات التي تنادي بوضع الدستور أولاً حتي لا يكون ذلك خروجا علي الإرادة الشعبية التي عبرت عن نفسها في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس الماضي، والتي أصبحت نافذة بمجرد ظهور نتيجة الاستفتاء باعتبارها تعبيراً عن إرادة الشعب صاحب السيادة في حين ينادي البعض الآخر بوضع الدستور أولاً لأنه يمثل الأسس التي يتم علي أساسها بناء الدولة الديمقراطية الحديثة. أمام هذا الجدل الدائر تحدثنا مع عدد من الفقهاء الدستوريين ورجال القانون الدستوري لمعرفة طبيعة هذا الجدل وما هو الأفضل للمرحلة القادمة. • فرصة لوضع دستور جديد المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا قالت: نأمل أن يكون الدستور أولاً، لأنه يعني وضع الأسس التي تقوم عليها الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفقاً لقواعد محددة وأضافت: نظراً للاستفتاء السابق سيتم وضع دستور جديد من خلال جمعية تأسيسية منتخبة يقوم بانتخابها أعضاء مجلسي الشعب والشوري، هذا في إطار التعديلات السابقة، التي كان من شأنها إحياء الدستور السابق، ولكن هذا لم يحدث بعد أن تم الإعلان الدستوري المؤقت الذي يحتوي علي مواد دستورية تم الاستفتاء عليها ومواد أخري لم يستفت عليها وفي ذات الوقت تم تعديل بعض المواد مثل المادة التي كانت تنص علي أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونصف أعضاء مجلسي الشعب والشوري لهم الحق في طلب تغيير الدستور أو تعديله فتم تعديل هذه المادة في الإعلان الدستوري الذي ينص علي أن يتم انتخاب جمعية تأسيسية تقوم بوضع الدستور، وهذا يعني أننا لن نلتزم بالاستفتاء والدستور القديم لأنه تم إلغاؤه وحل الإعلان الدستوري محله. وقالت الجبالي: هذا الإعلان الدستوري منحنا الفرصة لمراجعة المنهج الذي وضعته لجنة التعديلات فيما ينص بوضع الدستور الجديد، ولذا نشأ الرأي الذي يقول بالدستور أولاً، وهذا الرأي له العديد من المبررات أولها المصادرة علي الدستور المقبل إذا تمت الانتخابات قبل الدستور لأن تشكيل الشعب والشوري قد يختلف عنهم، كما أن استمرارهم يكون مخالفاً للدستور الجديد، بالإضافة إلي أنه قد تكون هناك أغلبية حزبية تمتلك التأثير في البرلمان القادم، كما أن وثيقة الدستور لا تخضع لأغلبية أو أقلية وإنما هي وثيقة توافق يتفق عليها كل الأطراف، كما أن إعادة الانتخابات والاستفتاء بعد ذلك تكلفة مادية فادحة، وجهود ضائعة للقضاة الذين يقومون بالإشراف علي الانتخابات، وعدم التطبيق الحاسم للقانون، بالإضافة إلي وجود البلطجية وقوة تأثيرهم في الانتخابات، كما ينبغي إعادة تدريب القدرات الفنية للجنة العليا للإشراف علي الانتخابات، ولذا فهناك عدم قدرة علي مواجهة الانتهاكات للقانون أثناء الانتخابات، وهذا يدفعنا إلي إعادة تنظيم الأمور بوضع الدستور أولاً. • وضع دستور جديد أما الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستوري، فيري أن المشكلة الأساسية التي تواجهنا اليوم هي هل نبدأ بوضع الدستور أولاً، أم نقوم بإجراء الانتخابات البرلمانية ولكل منهما عيوبه، لكن الطبيعي هو وضع دستور جديد أولاً لأن دستور 1971 سقط مع سقوط النظام السابق، ولا يصح أن نبدأ في بناء الدولة قبل تحديد الأسس التي يقوم عليها هذا البناء، فالدستور هو الذي سيحدد طبيعة الدولة القادمة هل برلمانية أم رئاسية ولذا علينا حتي نبدأ في بناء دولة ديمقراطية حديثة، أن يتم وضع الدستور أولاً، خاصة مع ما نجده من إجماع علي إلغاء بعض النصوص الموجودة في الدستور القديم مثل نسبة ال50% عمال وفلاحين، وكذلك الحد من سلطات واختصاصات رئيس الدولة، ولذا إذا بدأنا بالانتخابات البرلمانية سنواجه مشكلة حقيقية قد تصل إلي حل المجلس إذا نص الدستور الجديد علي إلغاء نسبة ال50% عمال وفلاحين، كما سنضطر إلي حل مجلس الشوري إذا نص الدستور الجديد علي إلغائه. وأضاف فرحات: في حالة وضع الدستور أولاً سنواجه مشكلة أساسية وهي من الذي سيقوم بتشكيل الجمعية التأسيسية التي ستضع مشروع الدستور الجديد خاصة أن الإعلان الدستوري نص علي أن يتم تشكيل لجنة تأسيسية تتكون من مائة عضو يتم اختيارها وفقاً لإرادة الشعب فلا يجوز أن يتم اختيار هذه الجمعية من مؤسسات معينة، وأوضح فرحات أن الأفضل أن يتم البدء في الانتخابات البرلمانية علي أن يتم وضع مادة انتقالية تحدد مدة مجلس الشعب الذي سيقوم باختيار الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد. • الدستور أولاً يقول د. فؤاد عبدالنبي - أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية: الدستور أولاً وقبل الانتخابات البرلمانية لأن الإعلان الدستوري الصادر يوم 28/3، والذي تم العمل به يوم 29/3/2011 ليس دستوراً بالمعني القانوني فهو بمثابة وثيقة سياسية وضعها الحاكم العسكري حتي يتمكن من خلالها من تنفيذ مطالب عامة لحين استقرار الأمور، وتسليم إدارة البلاد لحاكم جديد منتخب، كما أن الإعلان الدستوري لا يتمتع بصفة دستورية لأن الشعب صاحب السيادة الأولي وذلك تبعاً للمادة الثالثة في الإعلان الدستوري التي تنص علي أن الشعب هو صاحب السلطة ومصدر رئيسي للسلطات في البلاد، ويصون الوحدة الوطنية، كما أن الشعب لم يعط الحاكم العسكري أو رئيس الوزراء سلطة إصدار دستور، وإنما رئيس مجلس الوزراء يقوم بتسيير الأعمال فقط، والحاكم العسكري يقوم بتسيير الأمور في البلاد لحين اختيار رئيس، وأضاف إن الدستور المؤقت لا يتمتع بأي صفة قانونية وإنما هو التزام سياسي فقط، ومن ناحية أخري فإن انتخاب مجلس الشعب قبل الدستور مصيبة كبري لأن البرلمان الجديد سيكون غير ممثل للشعب أو لشباب الثورة، وبالتالي سيعطي الفرصة للأحزاب القديمة التي لا تتمتع بأي وجود في الشارع بالإضافة لعدم وجود ممثل قوي للأحزاب الجديدة، كما أنه سيعطي الفرصة لأصحاب النفوس المريضة والمصالح للعبث بأمن البلاد للحفاظ علي مصالحهم ولذا من مصلحة الشعب عامة وجود الدستور أولاً، لأنه الأساس التي يتم وضع أسس وبناء الدولة الديمقراطية عليه. وأضاف: لا خوف علي وجود المادة الثانية قبل الثورة أو بعدها وهي مادة أساسية في دساتير 23،54،56،64،71 وفي الإعلان الدستوري وهي مادة أساسية باعتبارها تتفق مع الغالبية العظمي للشعب ولا تتعارض مع الأديان الأخري، كما أنها مكملة للمادة الأولي فقرة «1» التي تنص علي أن جمهورية مصر العربية نظامها ديمقراطي وتقوم علي علي أساس المواطن والمادة الثانية تؤكد ذلك. • الاستفتاء صحيح علي جانب آخر يقول الفقيه الدستوري د.عاطف البنا إن الجدل الموجود حالياً في الشارع المصري لا يجوز ولا يليق أن يحدث مثل هذا الجدل لأنه يعد خروجاً علي نصوص دستورية كفلها القانون، ومن يسعون لإثارة الجدل حول هذه النقطة سوف يصلون بنا إلي نظام أسوأ من النظام السابق الذي كان يعد خروجه علي الدستور سمة أساسية من سماته، ولذا علينا ألا نصل إلي مرحلة الخروج علي الدستور، خاصة أن الأمور قد حسمت من قبل، فهناك نصوص دستورية تم الاستفتاء عليها هذا إلي جانب المواد الدستورية التي تم الإعلان عنها في الإعلان الدستوري، وهذه المواد جميعها تعمل علي تنظيم الحياة السياسية، حتي يتم إجراء الانتخابات البرلمانية ثم يتم بعدها انتخاب جمعية تأسيسية تقوم بوضع الدستور الجديد، ثم يتم طرح هذا الدستور للاستفتاء الشعبي عليه، وأضاف البنا إن المسألة لا تحتمل آراء وتعليقات، فنحن لدينا نصوص دستورية، والجدل الثائر حالياً يضرب بهذه النصوص عرض الحائط. • الاعتراض علي الرئيس أما دكتور رجب حسن عبدالكريم أستاذ القانون الدستوري والمحامي بالنقض فيقول إن موضوع الدستور أولاً قد حسم من خلال الاستفتاء الذي تم في مارس الماضي، فالنصوص التي تم الاستفتاء عليها كان من بينها مادة حددت «الآلية التي يتم بها معالجة المؤسسات الدستورية في مصر، وهي مجلسا الشعب والشوري، والدستور والانتخابات الرئاسية» فالمسألة كانت واضحة ومحددة تتمثل في انتخابات برلمانية، ثم جمعية تأسيسية تقوم بوضع الدستور الجديد، ثم يطرح الدستور للاستفتاء الشعبي وأخيراً الانتخابات الرئاسية لكن بعد الاستفتاء السابق لا يجوز اليوم من الناحية القانونية إعادة الأمر نفسه مرة أخري، ومن الناحية الواقعية فالاستفتاء مكلف جداً والتأخير ليس في صالح المجتمع الذي يحتاج إلي الأمن والاستقرار، كما أن الخوف من سيطرة الإخوان أو فلول الوطني أمر غير حقيقي لأن سير العملية الانتخابية في الأقاليم يعتمد بنسبة كبيرة علي العصبية والعائلات وهذا فكر يحتاج إلي سنوات حتي يتم تغييره وهذا لا علاقة له بالأحزاب أو أي تنظيمات أخري. وأضاف إن مجلس الشعب القادم لن يكون مجلس مصالح ولكنه سيكون مجلسا تأسيسيا يساهم في بناء الموسسات في البلد، كما أن المجتمع المصري لن يقبل بالفساد مرة أخري. وأوضح عبدالكريم أن المجلس القادم سيكون مجلسا انتقاليا لأننا ضد نسبة ال50% عمال وفلاحين، والدستور القادم قد لا ينص عليها بدليل أنه تم إلغاء كل القوانين التي كانت تخدم العمال والفلاحين، ووجود هذه النسبة في الفترة الانتقالية قد يساعدنا علي تحديد معني العامل والفلاح، ثم بعد إصدار دستور جديد يكمل مجلس الشعب الانتقالي مدته الخمس سنوات ثم نقوم بعد ذلك بتطبيق الدستور مع الانتخابات الجديدة. وقال عبدالكريم: أنا ضد وضع الدستور في ظل الظروف الراهنة كما أن مسألة الدستور أولاً قبل الانتخابات الرئاسية للحد من سلطات الرئيس القادم، وليس للحد من اختصاصات مجلس الشعب.