50 عاماً والأسري المصريون في حرب 67 الذين يصل عددهم إلي حوالي 65 ألف أسير ينتظرون رد كرامتهم والانتصار لشرف العسكرية بعد تعرضهم للقتل والتعذيب والإهانة علي يد جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي.. خمسون عاماً ومن بقي منهم علي قيد الحياة وأسرهم ومنهم أبناء لم يروا آبائهم ينتظرون حقهم من اسرائيل. خاصة وقد أنصفهم القضاء مؤخراً بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا في جلستها يوم 21/1/2017 بإلزام الحكومة بالمطالبة بحقوق هؤلاء الأسري وأبنائهم باعتبارها لا تسقط بالتقادم. هذا باختصار ملخص كلمات الأسير المصري ابراهيم السيد سليم ابن دار التحرير للطبع والنشر الذي تعرض للأسر في حرب 67 وكان شاهداً علي جرائم الجيش الاسرائيلي وجنوده بحق الأسري المصريين والذي روي ل "المساء الأسبوعية" تفاصيل الأسر وما حدث وما شاهده ومطالب الأسري وأسرهم. وإلي نص الحوار: * نبدأ من كيف وقعت في الأسر؟! ** كنت ملحقاً باللواء العاشر مشاة بمنطقة القسيمة المجاورة لصحراء النقب وتم تكليفي بمأمورية ليلة 5 يونيو للذهاب إلي الورشة المركزية بمخازن العريش لاستلام مواتير وقطع غيار للسيارات. وصلنا بعد أذان الفجر. كانت المخازن مغلقة. فوجئنا بالطيران يحلق فوق رءوسنا. لم نكن نعلم انها طائرات اسرائيلية رغم أن الظنون لعبت برأسنا بعد أن شاهدناها تتجه إلي القاهرة. بحثت عن وسيلة للعودة إلي القسم ووجدت سيارة بها ملازم أول دفعة حديثة ومعه السائق وجندي وتعرضت السيارة إلي اطلاق نار كثيف من الطائرات الاسرائيلية ونجح السائق في الهروب منها حتي وصلنا إلي مفارق الحسنة- القسيمة وكانت المفاجأة في وجود "كول" مدرعات اسرائيلي متجه إلي العريش وأطلق قذيفة علي السيارة استشهد علي اثرها السائق والملازم وأصيب الجندي وزحفنا علي الرمال حتي لا يرانا الأعداء وعدنا للمفارق فوجد ناكول مدرعات علي طريق الحسنة مواز لكول آخر علي شط البحر وأمضينا الليل وسط اطلاق نار عشوائي. وفي يوم 6 يونيو توجهت واثنين من زملائي إلي تبة مرتفعة وحفرنا خندقاً نختبئ فيه حتي يحل الظلام وبعد الظهر خرجت لاستطلاع الموقف فشاهدني قائد دبابة اسرائيلية وأطلق قذيفة نحوي ردمت الخندق بالرمال وقام بالنداء لتسليم نفسي وتحدث معي بالعربية. وقال: أنا يهودي- مصري مولود في وكالة البلح. وحكي لي عن امبابة وكوبري أبوالعلا والكيت كات. وطلبت منه أن يتركني حتي ظهرت مجموعة مكونة من 11 فرداً يطلقون عليهم توجيه الملاجئ. مرمطونا سرقوا الساعات والمتعلقات وشكوا انني ضابط لأنني كنت ارتدي فانلة بيضاء بعد فقدي لمهماتي. المهم أخذوني أنا والمصاب والجندي الثالث إلي منطقة الشرطة العسكرية التابعة لنا والتي احتلوها. حيث وجدنا 23 ضابطاً وعسكري مصري مأسورين في خندق. وفي آخر ضوء يوم 6 حملنا إلي مطار العريش وطوال الطريق شاهدنا جثث جنودنا علي رمال سيناء ترتوي بدماء الشهداء. وفي 7 يوليو مع أول ضوء من النهار تم إعدام بعض الجنود المصريين بعد إجبارهم علي حفر براميل في الرمال ودفنهم فيها. وفي التاسعة صباحا أحضروا سيارات نقل وقاموا بتحميل 50 أسيراً في كل سيارة وكان يحرس كل سيارة جنديان اسرائيليان يجلسان فوق الكابينة وسيارة أخري تحرسها في الخلف. وخلال الطريق تسابق الجنديان الاسرائيليان علي قتل ركاب السيارة من الأسري الذين يجلسون القرفصاء. وللأسف كان يصيبنا جنديين اسرائيليين يمنيين وكانت سيارتنا تحمل 54 فرداً بين عسكري وضابط لم يعق منهم أحد سوي بعد أن وضعت يدي علي رأسي وجاءت فيها الطلقات وعندما وصلنا إلي بئر سبع وعند الفرز لإلقاء الجثث علي الأرض صرخت أنا حي واكتشفوا وجود اثنين آخرين لم يستشهدا. واصطحبنا أحد جنود الاحتلال إلي مستشفي بئر سبع وأخبرني أنه يهودي مصري وعندما وصلنا إلي المستشفي رفض الاسرائيليون استقبالنا وقالوا نحن لا نسعف الأسري بل نسعف الجنود الاسرائيليين. فعاد بنا إلي محطة السكة الحديد وركبنا قطار الموت الذي تم حشر الأسري فيه في عربات بضائع مغلقة لا يوجد فيها منفذ. ما تسبب في موت العديد منهم قبل أن تصل إلي مصر معتقل "عتليت" للأسري. حيث وضعونا في عنابر مخيفة تطل علي بحيرة مبطنة بالشرنك وأعطوا كل واحد نصف بطانية وكان كل عنبر يضم حوالي 600 أسير الذي يضم حوالي 5500 أسير كان منهم اللواء صلاح ياقوت ومخصص لكل عنبر ميعاد للخروج من 9 حتي الثانية ولا توجد سوي 5 حنفيات مياه فقط وكانوا يقسمون الرغيف المتوسط إلي 12 شريحة يعطون كل فرد شريحة عليها لبن زبادي مزود بالمياه. والغداء بصلة وطماطم وخيارة ولا يوجد عشاء. ونتيجة لعدم السماح باستخدام دورات مياه وعدم كفاية الحنفيات في الصباح انتشرت الأمراض الجلدية والحشرات وعانينا من تراكم الصديد علي الجروح. ويوم 9 يونيو سمعنا أفراد اليهود وعندما سألنا علمنا أن عبدالناصر تنحي. فأخذوا في الرقص والتهليل. ولم يكن أمامي سوي فتح الجرح بنفسي وتنزيل الصديد وكنت استخرج العضم المكسور من أصابع يدي مثلما يستخرج الانسان الشوك من السمك. وكانت كل بلاطة متر ونصف في مترين ينام عليها 4 أفراد. وبعد طول المدة وسوء الأوضاع قررنا الانتفاضة والثورة مرة بعدما طلب جندي اسرائيلي مني الدعاء لجولدا مائير فرفضنا وكانت ثورة وأخري بمناسبة سوء الطعام والأحوال المعيشية. وعندما علمنا بتنحي ناصر بكينا وهتفنا لا لا لا تتنحي. وعندما علمنا بتراجعه كان الهتاف مدويا في المعسكر. المهم أنه بعد 5 أشهر ونصف في معسكر عتليت علمنا أنه يتم الإفراج عن 49 من المصابين ونقلهم إلي القاهرة عن طريق الصليب الأحمر ولم نعرف منهم حتي كانت ليلة النصف من شعبان بعد أن وصلنا ودعونا فكانت المفاجأة أننا سنغادر المعسكر يوم 17/11/67. الغريب أن الضباط والجنود الاسرئيليين كانوا يتسابقون علي الفوز بالسجائر المصرية التي يتم ارسالها لنا بعد تدخل الصليب الأحمر وقيام الشئون المعنوية المصرية بإرسال شنطة لكل أسير بها غيارات وسجاير وأمواس حلاقة كان معظمها يتعرض للسرقة من اليهود. وعند عودتي تم نقلي إلي مستشفي القوات المسلحة وأجريت لي عمليتان جراحيتان وخرجت بعد شهرين وأثناء ذلك حضر إلينا قادة القوات المسلحة محمد فوزي وعبدالمنعم رياض وغيرهما وخرجت في شهر 4 عام 68 وأنا مسجل أسير تحت رقم 29/67 بتاريخ 17/11/.67 * وماذا بعد ذلك؟ ** للأسف لم يتم عرضي مثل زملاء كثيرين علي القومسيون الطبي. ما تسبب في عدم حصولي علي أي مستحقات وبعد انتهاء الخدمة العسكرية وقدمت التماسات عديدة لجميع الرؤساء من أول أنور السادات إلي حسني مبارك حتي عبدالفتاح السيسي وخلال هذه السنوات لم أنسي حقي وقمت ومعي زملائي برفع العديد من القضايا للحصول علي حقنا من اسرائيل لأنها خالفت المواثيق الدولية وقتلت الأسري العزل وأصابتهم وأهانتهم حتي حصلنا مؤخراً علي حكم الإدارية العليا في 21/1/2017 بفضل مثابرتنا وجهود العديد من المحامين المحترمين في مقدمتهم وحيد الأقصري رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي. * وماذا تريدون؟ ** ننتظر رد كرامتنا والانتصار لشرف العسكرية. ننتظر رد كرامة الأسير المصري الذي أهين وارتكبت في حقه الجرائم من جيش الاحتلال الاسرائيلي. لقد شاهدت إعدام زملائي بالرصاص وإجبارهم علي حفر قبورهم. رمال سيناء ارتوت بدماء الشهداء. لو حفرتم حول مطار العريش لوجدتم جماجم ورفات الآلاف من الشهداء المصريين. لسنا أرخص من جنود اسرائيل الذين افترشوا علم مصر وارتكبوا عليه الخطيئة فدفع ذلك الجندي المصري سليمان خاطر لإطلاق النار عليهم وقامت مصر بصرف مليون دولار لكل واحد من الإسرائيليين تعويضا!! نحن اليوم لدينا حكم رد اعتبارنا معنويا ولكننا ننتظر قيام الدولة بالتحرك واسترداد حقوقنا والحصول علي تعويضات من اسرائيل ومحاكمة قادتها وجنودها الذين يتفاخرون بقتل الجنود المصريين وارتكاب المجازر بحقهم. خمسون عاما ونحن لا نعرف الوسيلة لاسترداد حقنا. واليوم آن الأوان لاسترداد حقنا والانتصار لشرف العسكرية.