شكاوي عديدة تلقتها الأجهزة الرقابية مؤخراً من قطاع كبير من المستثمرين ضد وزارة المالية ومصالحها خاصة "الجمارك" التي يتهمونها بالإضرار بالصناعة الوطنية لصالح الاستيراد والمهربين. ففي الوقت الذي كان من المفترض فيه تضافر جهود كل أجهزة الدولة لتنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي لتخفيض الأسعار وتشجيع المنتج المحلي ليحل محل الاستيراد من الخارج فإن مصلحة الجمارك تسير عكس المفروض وتضر بالصناعة الوطنية وتمارس إجراءات تؤدي إلي زيادة تكاليف المنتج المصري لتصبح الجمارك أحد الأسباب وراء ارتفاع الأسعار في السوق المحلي بخلاف الدولار. فوفقاً للشكاوي الموجهة إلي الجهات الرقابية فإن مصلحة الجمارك تقود حملة لزيادة إيراداتها من المصانع تحت ضغط احتياجها لسرعة الإفراج عن مستلزمات إنتاجها. بدلاً من مكافحة التهريب المنتشر بكافة صوره ومصادره. بدأت الجمارك حملتها منذ عامين بالترويج بأن كل الفواتير القادمة من الصين مضروبة فأعطت لنفسها الحق في تحسين أسعار جميع الفواتير بمعني رفع أسعار الفواتير من كل دول العالم وليس من الصين فقط بمعدلات تعدت نسبتها ال 300% مستندة في التحسين إما إلي القوائم الاسترشادية المعدة بمعرفتها لأكثر من 560 سلعة أو وفقاً لأعلي سعر فاتورة اعتمدتها لنفس السلعة بغض النظر عن منشأها أو جودتها أو السياسة التسويقية للشركة التي صدرت السلعة إلي مصر بالسعر الأقل. والنتيجة أن الجمارك فرحت بزيادة الإيرادات التي حصلتها نتيجة تحسين السعر بالفواتير إلا أنها في المقابل تسببت في زيادة تكلفة المصنع الذي سيرفع أسعاره علي المستهلك بقيمة الزيادة التي حملتها الجمارك علي بضاعته. السماح المؤقت مسلسل الضغط علي المصانع من الجمارك لم ينته فمؤخراً سلطت الجمارك الضوء علي نظام السماح المؤقت وهو نظام لمن لا يعلم يستهدف تشجيع المصانع علي الإنتاج والتصدير للتيسير علي المصانع لاستيراد الخامات بدون سداد رسوم جمركية بضمان تعهدات وضمانات بالأصول. فبدأت في إجراء حملات علي المصانع لمراجعة سجل السماح المؤقت. وفي حالة اكتشاف عجز وهو أمر وارد لأسباب قد ترجع لحدوث حوادث أو إساءة إنتاج وخلافه. يتم تطبيق الغرامات التي كانت بنسبة 1% شهرياً مع بداية صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1165 لسنة 2005 الخاص بشأن تيسيرات نظام السماح المؤقت ثم ارتفعت وقت الإخوان تحت ضغط سخط الشارع علي رجال الأعمال أثناء ثورة يناير إلي 4% شهرياً و48% سنوياً. قابل الكثير من المصانع حملات الجمارك بالاعتراض علي سداد الغرامات. لاسيما بعد أن حولت الجمارك كل حالات العجز إلي مخالفات لتحصيل الغرامات. وفي ظل الظروف الحالية وجدت الكثير من المصانع أن الغرامات مجحفة فتوقفت عن سدادها فزادت المتأخرات. مما دعا رئيس المصلحة إلي إصدار تعليمات بحرمان المصانع المتأخرة في سداد الغرامات من التيسيرات بنظام السماح المؤقت وإلزامها بسداد الرسوم الجمركية كاملة. والتي ترجمها رئيس الإدارة المركزية للسماح المؤقت في صورة تعليمات مكتوبة أصدرها بتاريخ 18/7/2016 موجهة إلي مديري السماح المؤقت في كل المنافذ الجمركية بدأها بعبارة بناء علي تعليمات رئيس مصلحة الجمارك. مما يؤكد مصدر التعليمات بإلزام العاملين في إدارة السماح المؤقت علي مستوي الجمهورية تحصيل كامل الرسوم الجمركية من الشركات التي عليها متأخرات وحرمانها من التيسيرات. مما يعني أن رئيس المصلحة وضع نفسه محل القضاء في حرمان المصانع من حقها في التيسيرات. حيث تبين من الرجوع إلي قرار رئيس الوزراء أنه اشترط لسقوط حق المصنع في التيسيرات الجمركية لنظام السماح المؤقت أن يصدر حكم قضائي بات ضد الشركة أو ممثلها القانوني بالتهريب. كما وضع المصانع تحت ضغط إما السداد للغرامات بنسبة 48% سنوياً أو تعطيل الإنتاج لعدم الإفراج الجمركي عن الخامات. والنتيجة أن المصانع ستخضع للضغط وتسدد الغرامة إلا أنها ستنقلها علي المستهلك النهائي في صورة ارتفاع في الأسعار لتصبح الجمارك مصدراً آخر لرفع أسعار السلع بالأسواق بخلاف الدولار. يري بعض المحللين أن الجمارك لا تستطيع تفسير ممارساتها للضغط علي المصانع بأنها تمارس دورها في مكافحة التهريب وحماية الإيرادات الجمركية لسبب بسيط أن قرار تيسيرات نظام السماح المؤقت صدر بعدما انخفضت الرسوم الجمركية علي الخامات لتتراوح من صفر حتي 10% علي الأكثر مما يعني أن قيمة الرسوم الجمركية المستحقة علي الخامات لا تستدعي من المصانع تحمل مخاطر تعطيل الإنتاج من أجل التهرب من مبالغ بسيطة وفي الغالب فإن الجمارك لا يهمها من تلك الإجراءات تحصيل الرسوم لأنها متدنية وإنما يهمها تحصيل الغرامات بعدما توحشت نسبتها وأصبحت 48% أي ما يعادل ضعف الرسوم. مستقبل الاستثمار في مصر علي الجانب الآخر أكد المحللون أن ما تقوم به الجمارك من إجراءات ضد الصناعة وضد سمعة مصر دولياً من توسيع نطاق تحسين الأسعار دون اعتبار لأي معايير اقتصادية مبررة له آثار سلبية عديدة منها أنه يعطي انطباعاً في الخارج بأن مصلحة الجمارك المصرية لا تدير عملها بشكل علمي. ولا تعطي أهمية للآثار السلبية لتحسين الأسعار علي الشركات العالمية حيث يعد موافقة الشركة علي التحسين بمثابة اعتراف منها بالتلاعب في الفواتير ما يضعها تحت طائلة القوانين في بلادها لارتكاب جريمة التهرب الضريبي المخلة بالشرف. ويمنع الشركات العالمية الاستمرار في مصر أو الإقدام علي الاستثمار فيها. بل إن بعض الشركات العالمية بدأت الاحتجاج علي ممارسات الجمارك بنقل استثماراتها من مصر أو التفكير في نقل استثماراتها من مصر ومنها شركة مرسيدس التي نقلت استثماراتها إلي الجزائر تضررا من تحسين أسعار الفواتير الذي رفع أسعارها في مصر بلا مبرر اقتصادي وخوفاً من الاتهام بالتهريب في بلادها. الحرب ضد التصدير وهناك محللون آخرون يبررون ما تتعرض له الصادرات المصرية من رفض في بعض الأسواق الصديقة وغير الصديقة ما هو إلا نتيجة لقرارات تحسين الفواتير واتهام الموردين الأجانب بشكل غير مباشر بالتواطؤ. في إشارة إلي أن الدول الأجنبية لن تنظر إلي ما تتخذه السلطات في مصر من تحسين أسعار بالفواتير في الجمارك بالإضافة إلي ما اتخذته وزارتا المالية والصناعة والبنك المركزي من قرارات لتقييد حركة الاستيراد علي أنها إجراءات اضطرارية مشروعة تستخدمها الدولة المصرية للحد من الضغط علي الدولار وتحصيل موارد إضافية لسد عجز الموازنة بل ستراها علي سبيل الإجراءات التي تجعل مصر دولة تخل بالتزاماتها الدولية مما يسمح بمعاقبتها دولياً. كلمة أخيرة : إن الآثار السلبية لقرارات مصلحة الجمارك علي أسعار السلع ستتضخم بعد الإجراءات الأخيرة لتعويم الجنيه والتي ترتب عليها رفع سعر الدولار الجمركي الذي يتم في ضوئه حساب الرسوم الجمركية التي تسدد عليها الوزارات من 888 جنيهاً قبل التعويم إلي 50.13 جنيه بزيادة تعادل 50% في الرسوم الجمركية يضاف إليها الضريبة علي القيمة المضافة بزيادة 3% المحسوبة علي اساس كل الرسوم والأرضيات مما يعني ان الدولار الجمركي سيرفع الرسوم الجمركية بنسبة 60% وإذا اضفنا اليه الزيادات في التحسين بنسبة 300% في المتوسط فإن القرارات الجديدة سترفع التكلفة علي المنتج المحلي بسبب الجمارك فقط بنسبة 400% في المتوسط. ومن هنا أطالب بتدخل كل من وزير المالية ووزير الصناعة والمؤسسات المهتمة بالصناعة.. لإعادة النظر في قرارات الجمارك من حيث أثرها علي الصناعة والأستثمار والأسعار علي محدودي الدخل.. فجذب الاستثمارات الأجنبية لا يتم فقط بسبب استقرار أسعار الدولار فهناك اسباب أخري من بينها نسبة الربح التي يحققها المستثمر والتي ستتآكل بالتأكيد بسبب الممارسات الغريبة لمصلحة الجمارك في التعامل مع الصناعة والاستثمار.