مع ارتفاع سعرالدولار وتحكم السوق السوداء، تتجه أصابع الاتهام نحو المستوردين والمهربين باعتبارهم أحد العوامل الرئيسية التى ساعدت على تفاقم هذه الأزمة حيث إن السلع غير الضرورية والاستفزازية تجاوزت قيمتها مايزيد على ستة مليارات دولار . كما يحرصون على تقديم مستندات مزيفة عن منشأ الصناعة بهدف خفض الجمارك عليها لنحو 20 % فقط من المبلغ الحقيقى، فضلا عن عمليات التهريب المنظم الذى يهدر مليارات الدولارات على الدولة، وما يترتب على ذلك من تدمير الصناعات المحلية. هذا ما أكده بعض المستوردين ، موضحين أن عددا محدودا من المستوردين يلجأون لهذه الوسائل نظرا لأن الأسعار الاسترشادية التى تضعها الدولة على نحو 600 سلعة كفيلة بتعجيز المستورد وتسبب له خسارة كبيرة تمنعه من الاستمرار فى المجال . ولكى نقترب من المشكلة ، فإن القائمة السوداء التى حددها الخبراء للسلع الاستفزازية تشمل : طعام القطط والكلاب بقيمة 153 مليون دولار، ولعب أطفال 55 مليون دولار، وجمبرى جامبو وكافيار 78 مليون دولار، وياميش رمضان بنحو 104 ملايين دولار، ولحوم طاووس وغزلان ونعام وما فى حكمها بنحو 95 مليون دولار، وشيكولاته بقيمة 57 مليون دولار، وسيارات للسباق، وسيارات لملاعب الجولف، والبيتش باجى ، وما فى حكمها بنحو 600 مليون دولار، بالإضافة إلى استيراد ألعاب نارية كالشماريخ ، والبمب، والمفرقعات بقيمة 600 مليون دولار. برغم أن مصر تعانى بشدة من نقص العملة الصعبة.التهريب والإغراق يرى محمد السيد صلاح (أحد العاملين فى الاستيراد) أن القرارات الأخيرة للجمارك والتى تهدف إلى القضاء على التهريب والإغراق تسببت فى ارتباك السوق المحلية منذ أن أصدرت الحكومة تعديلات على التعريفة الجمركية والتى شملت وضع الرسوم الاسترشادية على نحو 600 سلعة مستوردة مما اعتبره المستوردون تقييدا للاستيراد سواء بزيادة الرسوم الجمركية أو من خلال إجراءات البنك المركزى لتوفير الدولار للواردات المهمة ، فالحكومة تعتقد أن الاستيراد العشوائى هو سبب العجز فى السيولة والدولار ، بينما نحن المستوردين نجد أن سياسات الحكومة الاقتصادية سبب الأزمة ، لذلك هناك عدد من المستوردين يتحايلون على التعريفة الجمركية ، ويقدمون أوراقا ببلد المنشأ غير حقيقية ، وحتى لا تحدث خسارة حسب رأيهم ،وآخرون أيضا يحملون العبء والمشكلة بزيادة السعر على السلعة يدفعه المستهلك ، ومع ذلك فإن السعر فى كثير من الأحيان يكون أقل كثيرا من الصناعة المحلية ، فمثلا ورق الكرتون الخاص بالتعبئة والذى نستورده تكلفته فى السوق أقل من المنتج المصرى برغم الرسوم المضاعفة عليه ، بينما فى الداخل نجد المصانع المحلية ترفع نسبة الربح بدرجة عالية جدا ودون رقيب ، مع انخفاض الجودة فى غالب الأحيان ، فالدولة إذا كان واجبها أن تفتح السوق للتجارة وتشجع الصناعة المحلية ، يجب ألا تكون دافعا للجوء المستورد للتلاعب فى الفواتير لأنه - للأسف فى حالة تقديم الأوراق السليمة سيتم فرض مبلغ أكبر على المستورد ويحمله على السلعة ، بينما واجب الدولة ضبط الأسعار لمنع احتكار السلع وفرضها بالسوق ، فإذا كانت تدعم التصدير، فكثير من الواردات تشمل مستلزمات الصناعة والإنتاج ، وليس كل مانستورده يكون سلعا ترفيهية أواستهلاكية ، والتى تسمى بالسلع الاستفزازية. وقال مصطفى الشامى (أحد المستوردين) : إن المشكلة الحقيقية هى أن المنتج المحلى لا يصمد أمام المنتجات الواردة لأن المحلى هو الأغلى والأقل جودة عادة ، ومع ذلك نحرص على حماية الصناعة الوطنية ونستجيب للدولة ونستبعد السلع الاستفزازية ، ونطلب فى الوقت نفسه من الدولة أن تفتح الفرص من خلال مسئوليها للتعامل مع الأسواق العالمية، ومنها الإفريقية ، والانتباه إلى أن نسبة كبيرة من المستوردين يستغلون اتفاقيات مصر الدولية للتحايل على التعريفة الجمركية وبلد المنشأ، فى الوقت الذى نجد فيه أن القرارات التى تصدر لصالح الصناع تستغلها المصانع باستيراد كميات أكبر من احتياجها ، وتبيع معظمها فى السوق دون تصنيع أحيانا ، كما أن قرار الإغراق فى الاستيراد تجاه منتجات دولة معينة ، دفع البعض لتقديم شهادة منشأ من دول أخرى ، مشيرا إلى ما يتوقعه البعض بأن أزمات ستنتج من هذه القرارات لأنه لا توجد بدائل ، فتحميل المستوردين سيزيد التعريفة وربما يؤدى لانخفاض حصيلة الجمرك، حتى لو سلمنا بأن زيادة حصيلة الجمارك ستزيد 1.5 مليار جنيه حسب التصريحات . أصحاب المصانع وأشار المسئول فى الاستيراد إلى أن الحكومة تتعرض لضغط كبير من أصحاب المصانع تحت مسمى حماية الصناعة المحلية، وتعطى انطباعا بأن المستوردين مجموعة مهربين، ونحن نعمل فى ظل القانون ، ونخضع لرقابة مصلحة الجمارك والصادرات والبنوك والمستوردين ،ومع ذلك فشلت الصناعة المحلية، مع كل تلك التيسيرات التى يحصل عليها المصنعون، وعجزهم عن منافسة المستورد برغم أن السلعة المستوردة بسعر الدولار ومن السوق السوداء أحيانا مع رسوم الجمارك ورسوم الأرضيات ، يتم بيعها فى النهاية بسعر أرخص من المنتج المحلى، وبجودة أعلى أيضا ، كما أن المصانع بالمناطق الحرة تهرب من خلال الحماية ، وهى أحد عوامل التهريب، فتدخل البضاعة للفحص الظاهرى دون معرفة عددها أو نوعيتها، فهى ليست أزمة مستوردين ، ولكن البعض يضغط على المسئولين لتحقيق مصالحه الشخصية ، وتستجيب له للأسف . كما أن هناك شركات تستحوذ على نسبة عالية من السوق، فتلجأ إلى الحكومة لإصدار رسوم إغراق ويجدد لسنوات لحماية صناعتها ضد المنافسة برغم رداءة جودتها ، ومن الطبيعى فى ظل قرارات تحمى شركة واحدة أن يقوم المستورد بالاستيراد من الصين مثلا ثم يحضر فاتورة منشأ من دولة أخرى حتى يستطيع العمل ولا يضيع فى السوق وتغلق شركته. وأوضح مسئول بالاستيراد أن التلاعب فى الأسعار يظهر فى سعر الشنطة والحذاء والأقمشة من الماركات العالمية والاكسسوارات الحريمى التى يتم بيعها بالكيلو ، وهى تباع فى السوق بأسعار منافسة لأنه لا منافس فى جودتها ، وأنه حسب الإحصاءات المنشورة، فإن رسائل الاستيراد التى تدخل مصر تبلغ نحو 200 ألف رسالة فى العام وجانب كبير منها يتعرض للتلاعب من بعض المستوردين فى الأسعار لأنهم يعتقدون أنه فى حالة تقديم الأوراق السليمة ستفرض جمارك إضافية من 10 إلى 30% ، وهنا من مصلحة الدولة أن تدعم الاتجاهين بفتح السوق للتجارة وتشجيع الصناعة فى الوقت نفسه لأن المنافسة ستدفع الصناعة المصرية للتطوير، فالمستورد يعانى التضارب بين البنك والجمارك، ففى حالة تقديم الفاتورة من البنك ، يتطلب أن تلغى السعر الاسترشادى، ولكن الجمارك تفضل أحيانا احتسابها بالسعر الاسترشادى، مع أن نسبة التلاعب هنا تكون معدومة . وهنا يجب أن يكون دور الدولة أساسا لمواجهة الواردات من المنتجات غير المطابقة للمواصفات وبكميات كبيرة ، مما يتطلب تطبيق رسوم الإغراق خاصة على الملابس والمصنوعات الجلدية والأدوات المكتبية، والتى أغرقت السوق المصرية من أسواق عالمية، ونتج عنها إغلاق آلاف المصانع، ثم رفعت الأسعار بدرجة عالية ، منها صناعات الجلود والأثاث حيث يلعب التهريب دورا مدمرا لترويج المنتج سواء المستورد أو المحلى ، وتضيع على الدولة مليارات الجنيهات من حصيلة الجمارك التى يمكن أن تدخل بشكل رسمى. كما أن هناك مواسم بالخارج تشهد تخفيضات كبيرة عالمية على الأسعار خاصة للسلع ،وهنا يجب مراعاتها عند تقدير الرسوم الجمركية. تلاعب المستوردين ويشير الدكتور رشاد عبده رئيس منتدى الدراسات الاقتصادية إلى أن الأسعار الاسترشادية بالجمارك جاءت بعد تلاعب المستوردين لدرجة أصبحت ظاهرة ملحوظة ، فالمستوردون هم السبب ، فتجد من يأتى بفاتورة» مضروبة » ويقول لك سعرا غير معقول بأن الثمن 3 دولارات بالمقارنة بالسعر الحقيقى الذى يتجاوز 50 دولارا ،ليس ذلك فقط بل يبيعها فى السوق المحلية بسعر يساوى 100 دولار مثلا ، فى الوقت الذى توضع فيه أسعار استرشادية بالتعاون مع اتحاد الغرف التجارية الذى يحرص على متابعة هذه الأسعار، وعن طريق فريق عمل يسافر للبلاد ويتعرف على الأسعار الحقيقية ، لأن الجمارك تعتبر مصدرا مهما جدا للدخل القومى ، وهى بجانب الضرائب تبلغان 422 مليار جنيه من الدخل الذى يبلغ 622 مليارا ، كما أن النقص فيهما يعنى زيادة عجز الميزانية الذى بلغ هذا العام 251 مليارا ، بينما يحرص بعض المستوردين على استيراد سلع رديئة أوغير ضرورية تبدد العملة الصعبة بلا جدوى ، فإن استيراد هذه السلع فى هذه الظروف الحرجة يمثل ضغطا كبيرا على الدولة، نظرا لأنه يستنزف الاحتياطى النقدى الذى تراجع إلى 16.5مليار دولار. فالحكومة أعدت قائمة بالمنتجات المستوردة تحت بند السلع الاستفزازية، وزيادة الجمارك عليها ، للحد من استيرادها فى محاولة لمواجهة تراجع احتياطى النقد الأجنبى ، كما وضعت الدولة المستوردين فى اختبار حقيقى عبر تطبيق الأسعار الاسترشادية على الرسائل الواردة ، مما دفع بعض المستوردين للاعتراض على تطبيق منشور الأسعار الاسترشادية الذى أصدرته مصلحة الجمارك ، والذى تضمن بصفة خاصة أسعار عدد من السلع الأكثر ورودا من الصين بالاعتماد على مؤشرات أسعارها بالمصانع الصينية. ويكون دور الجمارك بهذا حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة مع المنتجات ذات المنشأ الأجنبى ، والتى ترد بأسعار مغرقة أو مدعومة أو بفواتير غير حقيقية،فهناك مستويات للرسوم تبدأ من المادة الخام ومستلزمات الإنتاج وحتى المنتج النهائى ، مما يحفظ حق الدولة وضمان المنافسة العادلة مع الصناعة الوطنية يضيف محمد المرشدى نائب رئيس جمعية المستثمرين ورئيس غرفة الصناعات النسيجية وعضو مجلس الشعب أن أكثر المشكلات التى تواجه الجمارك تظهر فى تعطل الأغذية أحيانا ، لتأخر استلام صاحبها ، فإذا فسدت أو انتهت صلاحيتها ، يقوم الجمرك بإعدامها ، إضافة إلى وجود مصادرات بمختلف السلع نتيجة لتأخر أوعدم حضور أصحابها لمدة شهرين فتعرض فى مزاد علنى ، أما إذا كانت مصنوعات لا تنطبق عليها المواصفات فتحول للمصانع المختصة لتحسين صلاحيتها ، ثم بيعها فى المزاد أيضا بعد ذلك وأن الفكرة القديمة بأنه يجرى بيعها مباشرة وهى دون المواصفات انتهت أخيرا ، حيث توجد جهة تحدد المواصفات والصلاحية ، وفى الوقت نفسه فإن الجمرك لا يفرج عن الرسائل التى لا تخضع للمواصفات خاصة الأغذية ، فيعاد شحنها للبلد المصدر على حساب المستورد ، وأنه بالنسبة للأسعار الاسترشادية للجمارك فهى لا تأتى عشوائيا ، بل بالاتفاق بين خبراء الجمارك والجهات المعنية باتحاد الصناعات ووزارة التجارة والصناعة والغرفة التجارية ، والمشكلة التى نعانيها الآن هى أن نسبة كبيرة من بضائع السوق المصرية مهربة ومجهولة المصدر ، وتحتاج مراقبة من الجهات المعنية بالداخل لأن عملية التهريب دمرت الكثير من الصناعات المصرية ، وهى سلع معروضة فى أنحاء البلاد وتحتاج جدية ورغبة فى مطاردة المهربين .