في يوم واحد غرق مركب للهجرة غير الشرعية برشيد. وأحبطت قوات الأمن بمطروح محاولتين أخريين للهجرة "السوداء". إحداهما بمطروح والأخري في البحيرة. في حادث الغرق لقي عشرات الشباب في مقتبل العمر وفي أوج قدرتهم علي البذل والعطاء مصرعهم غرقا في مياه البحر المتوسط. يقال إن بينهم أجانب. بخلاف المصريين. وفي الواقعتين. تم إعادة 174 شخصا - كلهم مصريون - من عرض البحر قبل توجههم إلي اليونان وإيطاليا. بينهم 71 شابا مصريا علي مركب صيد في مطروح. والآخرون علي مركب صيد في البحيرة. أي اننا أمام ثلاث وقائع للهجرة غير الشرعية في يوم واحد. ومعني ذلك ان مافيا الهجرة غير الشرعية تمارس عملها بهمة ونشاط كبيرين. وأن ما لم يتم ضبطه من حوادث "الهجرة السوداء" كبير وكبير جدا. معني ذلك أيضا أن الرقابة ضعيفة علي الأنشطة المشبوهة. واننا بحاجة لمراجعة الأوضاع لأن القدرة علي الهروب غير الشرعي إلي الخارج. "ربما تشجع" علي الهروب غير الشرعي إلي الداخل. خصوصا ونحن محاطون بعوامل "غير مواتية" في دول الجوار. قد تدفع البعض للتفكير في التسلل إلينا وإلحاق الأذي بنا. وكنت قد قرأت - منذ فترة - تحقيقا من مصر. في مجلة أجنبية. وأشرت إليه في مقالة سابقة عن الهجرة غير الشرعية أيضا. وهو يتحدث عن عصابات المافيا التي تمارس نشاطها في هذا المجال قرب حدودنا الغربية وكيف أن بعض "أصحاب النفوذ" يساعدون في تنظيم هذه الرحلات ويسهلون المهمة أمام مافيا التهريب. ولا شك في أن هذه الموجات المتلاحقة من محاولات الهجرة السوداء. إن دلت علي شيء أيضا. فإنما تدل أيضا علي ضياع بعض الشباب ويأسهم من القدرة علي تحقيق ذواتهم وطموحاتهم وآمالهم داخل البلاد. فليجأون إلي الهروب من المصير المجهول إلي مصير مجهول آخر. وإذا كان الشباب. يقدمون علي هذه الرحلات. رغم شبح الموت الذي يحيط بها ويحاصرها. منذ لحظة تحرك القارب من علي الشاطئ. فليس لذلك معني أيضا سوي أن الظروف المحيطة بهم هي ظروف طاردة مقابل ظروف جاذبة في أماكن أخري من أرض الله. وليس من السهل علي أي شاب أن يترك اسرته وأهله ووطنه الذي ولد علي ترابه ونشأ بين احضانه. إلا إذا أحس بأنه أصبح غريبا وانه لم يعد له متسع في المكان.. وإلا إذا أحس بأن الفرص قد ضاقت عليه. وأوصدت في وجهه الأبواب. الغريب ان مجلس الوزراء الموقر اجتمع. عقب كارثة كفر الشيخ لمناقشة القضية.. وكل ما خرج به من الاجتماع هو "ارسال" مشروع قانون الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين إلي مجلس النواب. بعد إقراره من مجلس الدولة. لمناقشته وإقراره في دورة الانعقاد الجديدة التي ستبدأ الشهر القادم". ومن المسلم به أن القوانين وحدها "لا تحل ولا تربط" في مواجهة مشكلة معقدة مثل هذه المشكلة متعددة الأبعاد. متشابكة الخيوط فكم من قوانين "رادعة" أصدرناها. لمنع الاتجار في المخدرات. ومع ذلك لا تزال هذه التجارة منتشرة في أماكن كثيرة. وأصحابها يحققون ثروات هائلة علي حساب مقدرات الوطن وتدمير شبابه وإنهاك قواه الانتاجية والعقلية. وكم من قوانين "رادعة" أصدرناها لمواجهة الاتجار في الأعضاء البشرية. ومع ذلك لا تزال هذه التجارة رائجة.. ومازالت مافيا هذه التجارة ترتع وتعيث فسادا في مناطق عديدة.. ولا نزال نجد ضحاياها بين الشباب الفقراء واليائسين ممن يبيعون أعضاءهم لمواجهة ظروفهم الحياتية القاسية. ابحثوا عن حلول عملية لمواجهة ظواهر الهجرة السوداء. وتجارة المخدرات. وبيع الأعضاء البشرية. من خلال معالجة الدوافع والمسببات التي تفجر هذه الظواهر. لأنها جميعا ناتجة عن الفقر واليأس والإحباط خصوصا بين الشباب المتطلع لحياة أفضل.