من الأمور التي ذكرها الله في الكتاب العظيم أنه يضرب للناس الأمثال بصغائر الأحياء وكبار الأشياء لبيان الحقائق الغالية وأنه سبحانه لا يستحيي من ضرب تلك الأمثال كما يفعل بعض الناس خجلاً ويمنعهم هذا الحياء عن ضرب المثل. فرب العالمين لا يمنع أن يصور لعباده ما يشاء من أمور بأي مثل مهما تكن ضآلة حجمه. فهو سبحانه يضرب المثل بالبعوضة أو ما فوقها لتقريب الأفهام للناس. هذا الأسلوب القرآني الجميل لا يروق لأهل الضلال فيستنكرونه ويرددون ما الذي يريده الله من ذلك ويتجاهلون أنه من الأساليب التي يذكرها الله لبيان الحقائق العادية لتكون كل الأمور واضحة أمام الجميع وضوح الشمس في جوف النهار. أما الذين آمنوا فيدركون أن وجه التمثيل بتلك الاحياء الصغيرة إنما هو حق لله تعالي وذلك من اعجاز القرآن الكريم. ومن نفس الطريق التي كان يلجأ إليها الحكماء من العرب. فخطاب الله للناس من نفس اللغة التي يتعامل بها أهل الجزيرة العربية. ولا يضل عن هذا الطريق سوي المنحرفين المتمردين. هؤلاء المنحرفون هم الذين لم يلتزموا عهد الله الذي أنشأ في نفوسهم بمقتضي الفطرة هذه الحقائق موثقة بالعقل المدرك ومؤيداً بالرسالة ومن الأمور التي يلجأون إليها في هذا المنعطف أنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل مثل قطع صلة الأرحام المتعارف عليه بين سائر البشر لنشر التراحم بين الناس. وهؤلاء يستمرون في هذا الغي فيبتكرون الوسائل للافساد في الأرض بمخالفة الاعراف السائدة في المعاملات. عناداً وإثارة للفتن وإشعال نيران الحروب وافساد الصحراء كل ذلك من أجل أن يفسدوا علي الناس حياتهم. هؤلاء الضالون تبتلي بهم الأمة الإسلامية علي مدي التاريخ. مما يتسبب في تخلفها وانصرافها إلي معارك لا تساهم في تحقيق أي نفع للبشرية وما الذي يفيد هؤلاء في أن يضرب الله الأمثال للناس بتلك الأشياء المتناهية الصغر. بلاشك إنه الكبر الذي استكن في القلوب وامتلأت بالصدأ الذي ران عليها. هذا الصنف من الناس يخسرون حياتهم بافساد فطرتهم وقطعهم ما بينهم وبين الناس من تعاطف وتواد وتراحم. فلهم الخزي في الدنيا ويوم القيامة هم من المفسدين. وبلاشك أيضاً أن حلاوة الإيمان واستقراره في الوجدان يجعل المرء يمتثل لأمر الله الذي يريد الخير لكل البشر. والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.