هل الدستور الذي استفتينا عليه عام 2014 مطبق فعلاً أم لا.. ؟؟ رسمياً.. المفروض أنه مطبق بمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء.. لكن للأسف أحياناً نري أنه في إجازة. أقول هذا بمناسبة الحكم الصادر من محكمة مستأنف بولاق أبو العلا بحبس الزميل أحمد ناجي الصحفي بجريدة "أخبار الأدب" سنتين بتهمة نشر مواد أدبية تخدش الحياء العام وتنال من قيم المجتمع. الحكم للأسف يخالف نص الفقرة الثانية من المادة "71" من الدستور وتنص علي: "ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية. أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد. فيحدد عقوباتها القانون".. بالتالي.. لا يجوز حبس الزميل في جريمة نشر لا تتعلق بتحريض علي العنف أو بتمييز بين المواطنين أو بطعن في الأعراض. الزميل أحمد ناجي يا سادة كان قد نشر فصلاً من رواية "استخدام الحياة" بالجريدة تضمن ألفاظاً خادشة للحياة فتم تقديمه للمحاكمة وصدر حكم أول درجة ببراءته.. إلا أن محكمة الاستئناف قضت بحبسه.. بالتالي.. فإن الحكم الابتدائي طابق الدستور في حين ان الحكم الاستئنافي خالف نصاً دستورياً صريحاً وهو ما يستوجب "نقضه" وإعادة المحاكمة من جديد. إنها فعلاً مشكلة قد تتكرر ولابد لها من حل دستوري.. إلا أن ردود الفعل عليها تراوحت بين المنضبطة والمنفلتة: * الفقيه الدستوري د. محمد نور فرحات أكد ان الحكم واجب النفاذ لأنه نهائي لكنه يخالف النص الدستوري الذي يحظر العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر. والكاتب محمد سلماوي أيد أيضاً نفس جزئية "المخالفة الدستورية" ودعا جميع الكتاب والمثقفين والمدافعين عن الدستور وحرية الإبداع إلي وقفة صارمة ضد الانتهاك غير المقبول للدستور.. وأنا أتفق معه في كل ما قاله فيما عدا تعبير "حرية الإبداع" لأن خدش الحياء العام ليس إبداعاً بل انفلاتاً. * أما الروائي الكبير صنع الله إبراهيم فقال: "لا يمكن اقتطاع جزء من الرواية من سياقه والاستناد اليه في إقامة دعوي قضائية "اللي مش عاجبه لا يقرأ".. !! وهذا التبرير مرفوض جملة وتفصيلاً لسببين: * الأول.. إن أي خدش للحياء في أي عمل أدبي أو فني هو أمر غير مبرر بالمرة ولابد من محاسبة مرتكبه بعيداً عن الحبس.. وألا اعتبرنا كل أفلام السبكي "المقززة" إبداعاً يأتي في السياق الدرامي. وكل آراء مخرجة البورنو إيناس الدغيدي حرية رأي وتعبير. * الثاني.. يعني ايه "اللي مش عاجبه لا يقرأ"؟؟.. يعني نكتب ما يحلو لنا مهما كان ما نكتبه واللي مش عاجبه لا يقرأ؟؟.. يعني نصف علاقة جنسية داخل رواية بمنتهي الدقة ونذكر فيها الأعضاء التناسلية بألفاظها السوقية ونقول اللي مش عاجبه لا يقرأ؟؟.. يعني وزيادة في التوسع الذي لابد منه ننتج أفلاماً سينمائية مكتظة بالمشاهد الجنسية الكاملة ونقول حرية إبداع واللي مش عاجبه لا يتفرج؟؟.. يعني وزيادة في الإباحية والتفسخ والانحطاط كل واحد "يزنق" واحدة في شارع ويفعلان ما يحلو لهما ونقول حرية شخصية واللي مش عاجبه لا ينظر.. ؟؟ يا راجل.. هل هذا كلام يقال.. ؟؟ الحل من وجهة نظري تخصيص دوائرخاصة لجرائم النشر وأن تكون أحكامها متفقة مع نص المادة "71" من الدستور.. لا حبس.. والحكم إما بالبراءة أو الغرامة فقط فيما عدا جرائم التحريض علي العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في الأعراض فيطبق قانون العقوبات عليها. يا ناس.. إما أن يطبق الدستور كما استفتينا عليه.. أو لا يكون عندنا دستور وفضوها سيرة.