أكد علماء الإسلام أن من حق كل مظلوم أن يدافع عن حقوقه وأن حرية الرأي مكفولة للجميع بشرط الالتزام بآداب الحوار بعيداً عن التخريب والمشاجرات. رفض العلماء ما حدث من أعمال فوضوية وطالبوا بالحفاظ علي أمن المجتمع والتصدي لكل من يخرج عن الشرعية بكل قوة منددين بما حدث مؤخراً من أعمال تخريبية في ميدان العباسية وقبله في الميادين الأخري. و"المساء الديني" يدق ناقوس الخطر مما يحدث هذه الأيام.. ونتساءل إلي متي هذه الفوضي وكيف يمكن وقف هذه الأعمال التخريبية وما هي السبل التي حث عليها الإسلام ومثل هذه المواقف؟ أكد الدكتور حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو نقابة الاشراف أن الإسلام حث علي الحوار وحتي علي الرأي والرأي الآخر علي أن يكون صاحب الرأي عنده حجة مقنعة ودلائل تدل علي صدق رأيه وهذا ما يسمي بالبرهان علي الرأي "قل هاتوا برهانكم". ومن حق المجتمع الإسلامي أن يتظاهر ويعلن رأيه ولكن في حدود عدم المس بحرية الآخر أو المخالف له.. والله قد ضرب لنا مثلاً بقصة سيدنا إبراهيم عندما حاجز النمرود عندما قال له "أنا أحيي وأميت". ثم قال له سيدنا إبراهيم "إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب". والله أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالاستماع إلي الرأي الآخر "وشاورهم في الأمر" ووصف المؤمنين بالشوري "وأمرهم شوري بينهم". وما حدث في سقيفة بني سعده في اختيار خليفة لرسول الله عندما أعلن الأنصار رأيهم وأعلن المهاجرون رأياً آخر وكانت الحجة مع المهاجرين وانتهي الأمر بدون تشاجب ولا تشاجر ولا معارك فعندما يعلن الإنسان رأيه في مظاهرة يجب عليه أن يحافظ علي ممتلكات الدولة وأن يحافظ علي ممتلكات الآخر وأن يحافظ علي أمن المجتمع فلا يقلق الذي يخالفه في الرأي أو يعتدي علي ممتلكاته أو عرضه أو دمه. طالب د. طه ولي الأمر بأن يستمع وأن يكون واسع الصدر وأن يتحلي بالحكمة مع أصحاب المطالب.. وهذا ما حدث عندما وقف سيدنا عمر علي المنبر فقال "أيها الناس اسمعوا وأطيعوا" فقام أحد الحاضرين وقال له مواجهة "لا سمع لك ولا طاعة" وإذا بسيدنا عمر يسأله لم؟ فقال: لقد وزعت علي كل منا ثوباً واحداً وأخذت لنفسك ثوبين فلم يغضب سيدنا عمر وإنما اتجه إلي ابنه عبدالله فقال له يا عبدالله أين ثوبك فقال يا أبت وهبته لك فقال سيدنا عمر للرجل: هذا ثوبي وهذا ثوب ولدي فإذا به يقول: الآن لك السمع والطاعة. قال د. طه: إن ما يحدث الآن بين أصحاب الآراء والتشتت في الفكر وعدم تحديد الهدف والوسيلة الحسنة فهذا يؤدي بالمجتمع إلي التشتت والفرقة مما يؤدي إلي انهيار الدولة.. فلو كل فرد تمسك برأيه علي أنه هو الرأي الصائب فقد أزحنا ديكتاتوراً وأتينا ب 80 مليون ديكتاتور في مصر.. ولكن يجب علي كل صاحب رأي أن يعرض رأيه بحجته ودليله ثم يسمع إلي الآخر.. وواجب علي أحدهما أن يقنع الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بعلو الصوت والتراشق بالألفاظ والحجارة. حق مكفول يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد- وكيل وزارة الأوقاف الأسبق- إن المظاهرات حق مكفول لأي إنسان بشرط أن يكون واضح الهدف محدد المطالب وأن هذا التظاهر يتم وفقاً لقوانين المجتمع وأحكام البيئة العرفية.. ولقد شهد عصر الرسول صلي الله عليه وسلم أول مظاهرة قامت من بعض أصحابه وتتلخص في أن الفقراء من المسلمين الأول اجتمعوا وتشاوروا فيما بينهم فقالوا إن الأغنياء ذهبوا بالأجور ونحن لا ندري أحوالنا فاتفقوا علي مظاهرة تقوم من مكان محدد وتوجهوا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم في منزله واتفقوا علي أنه لا يكسرون شجرة ولا يضرون أي إنسان من الباعة الجائلين ولا يطرقون أي باب ولا يرفعون أصواتهم حفاظاً علي راحة المرضي وكبار السن وتحركت المظاهرة علي هذا الأسلوب العظيم ووصلوا إلي مسجد النبي صلي الله عليه وسلم فاستقبلهم وتقدم أحدهم وعرض مشاكلهم التي تتلخص في قولهم "يا رسول الله ذهب أهل الدسور بالأجور" -أي الأغنياء" يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم لكنهم يذكون ويتصدقون ونحن لا نذكي ولا نتصدق لأننا فقراء فذهبوا هم بالأجور وأين نحن؟" مطالب محددة وواضحة. فأجابهم النبي عليه الصلاة والسلام ألا أدلكم علي أحسن من ذلك؟ فقال نعم.. قال لهم: إذا صليتم الفرض فاقرأوا آية الكرسي ثم سبحوا الله ثلاثا وثلاثين واحمدوه ثلاثا وثلاثين وكبروه ثلاثا وثلاثين ثم أكملوا المائة بلا إله إلا الله محمد رسول الله.. وانفض الاعتصام لكن بعد أسبوع قام الفقراء بمظاهرة أخري واعتصام وذهبوا إلي النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا له يا رسول الله "قلدنا الأغنياء وبدأوا يفعلون كما نفعل فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال لهم "اعملوا ما شئتم فكل ميسر لما خلق له وإن أكرمكم عند الله أتقاكم". أكد الشيخ عبيد أن الإسلام بذلك وضع ضوابط وقواعد وآداب يجب أن نلتزم بها عند عرض أي مشكلة.. فأسلوب الحوار يوصل إلي النتائج الطيبة وهدوء الأعصاب يظهر المجتمع بروح التضامن والتآلف. وعلي هذا كنا نرجوا من إخواننا في مظاهرة العباسية أن يكون هناك ضبط للنفس ونبذ للشائعات والعمل علي إظهار صورة الثوار بأنهم من المحبين لوطنهم وبدل تكسير السيارات وتحطيم المحلات- و هذا إهدار للمال وضياع لثروة- كان الأولي بنا أن نحافظ علي كل ذلك ونكتب مطالبنا ونتقدم بها إلي المسئولين ونعطيهم فرصة من الزمان.. لماذا؟ لأن الله القادر الذي إذا أراد شيئاً قال لن كن فيكون.. أخبرنا سبحانه أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام.. لماذا؟ وهو القادر العظيم ليس كمثله شئ وكان في الإمكان أن يقول يا سماء ارتفعي ويا أرض انخفضي ويأمر في لحظة صغيرة أقل من ثانية لكنه فعل ذلك ليعلمنا التأني والحلم وعدم العجلة والتروي. فإذا كان الله القادر فعل ذلك فكيف بنا نحن؟ فهل لنا أن نتعلم.. يا قادة الشباب ثقوا بأن النصر معكم إن شاء الله مادام هناك ترتيب وتنظيم وإعطاء فرصة للمسئولين لينظروا في أمرهم ويتعرفوا علي قدراتهم.. أما أنتم فهيا إلي العمل لأن مصر في حاجة إلي الإنتاج والتصنيع والزراعة ومن غيركم أنتم يقوم بمثل هذا. أعلموا أن بينكم بعض الحاقدين علي انتصاركم ونجاح ثورتكم ويريدون أن يعكروا واصفوكم.. فهل لنا أن ننتبه وأن نتنادي علي بعضنا ونتواصل عن طريق الفيس بوك ونقول لبعضنا نريد العمل ونتفاعل مع الجهة الداخلية وننظف الشوارع وننشر الأمن وندعوا الناس إلي التعاطف مع بعضهم والتعامل بالرحمة والحب ونعلن مصر بلد الأمن والسلام ونحن الجنود الأوفياء سوف نضرب علي يد كل خارج علي القانون أو يريد أن يعبث بأمن مصر فيا بلادي سلمت من كيد الأعادي وحقق الله لها الآمال في ظل الأزهر الشريف الذي يقود مسيرة المسلمين إلي شاطئ الأمان وبر النجاة. سلوكيات مرفوضة يقول د. محمد فؤاد شاكر- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس: نلاحظ منذ فترة ظهور بعض السلوكيات التي لا يوافق عليها الإسلام ولا يقرها ومن مثل ذلك اتخاذ يوم الجمعة فرصة للتظاهر ومحاولة فرض الرأي وإظهار فكر شبابنا ورأيه في كل قضايانا الآن. وربما استغل بعض الناس هذا التجمع الشبابي فاندس بينهم وأساء إلي دعوة الإسلام الراشدة إلي الأمن والأمان والسلامة والسلم.. من ذلك ما حدث من تظاهر عند ميدان العباسية وظهور بعض الفئات التي لا تنتمي إلي الشباب ولا إلي الهدف الذي من أجله يسعي الشباب. أضاف د. شاكر أنه من الملاحظ بنظرة عامة أن الأيام الأخيرة أظهرت أمامنا مئات التآلفات. تآلف الحرية. الوطنية. وكل هذه الأشياء تشتيت لجهود الشباب.. وأيضاً عرقلة لتحقيق الآمال المنشودة.. ثم جاءت الطامة التي كنا نتحدث عنها في إساءة استخدام الحرية إلي حريق أكثر من 20 سيارة وتدمير بعض المحلات والتشاحن مع فئات ما كان ينبغي أن يتشاحن معهم الشباب. قال د. شاكر إن الثورة قامت والرئيس انخلع من وظيفته ورموز الفساد تقدم للقضاء وإذن فلا داعي مطلقاً للعجلة فلنترك القضاء يؤدي رسالته.. ولنترك أيضاً رجال السياسة المخلصين أن يقيموا البناء السياسي الجديد من برلمان ودستور وترشيح رئيس جديد لهذا البلد الكريم.. وهذا الذي حول المتظاهرين إلي محترفي مظاهرات أضر كثيراً باقتصاد مصر وإيقاف موارد الإنفاق في هذا البلد. فيا شباب الأمة: نحن انبهرنا بصنيعكم في البداية ودم الشهداء غال عندنا لكن أن نستمر في هذه الغوغائية فليس ذلك في صالح بلدنا.. فأفيقوا إلي الرشد وعودوا إلي أعمالكم وانتظروا حتي يأتي الفرج من خلال قضائنا العادل ورأي الساسة المخلصين في هذا البلد.