لكل مهنة في الحياة ظروفها الصعبة ولكل صاحب مهنة معاناته التي يحاول ان يتغلب عليها ولكن هناك بعض المهن الفريدة من نوعها تتطلب قدرات ومواصفات خاصة لصاحبها لا يتحملها أي إنسان.. ينظر له البعض نظرة تدن واشمئزاز علي الرغم من انه لا غني عن صاحب هذه المهنة وضمن هؤلاء نازح البكابورتات وتسليك البالوعات. بادرت "المساء" بإلقاء الضوء حول حياة هذا الرجل وتعايشت معه طوال رحلته اليومية منذ الصباح الباكر حتي المساء ووسط ابنائه الذين يحترمونه ويقدرون الدور الذي يقوم به لخدمة الناس.. انه عم مجدي نازح البكابورت. يستيقظ عم مجدي صاحب ال 53 عاما في الصباح الباكر علي اذان الفجر ليصلي ويدعو الله لجلب الرزق ويدخل علي ابنائه ليقبلهم ويحفزهم علي القيام ليشدوا الرحال جميعا كل إلي عمله سعيا وراء الرزق.. يتوقف عند عربية الفول ليأخذ فطاره فول بالزيت الحار مع فحل بصل ويذهب إلي مكان البلاعة التي يوجد بها المشكلة. بسؤاله عما يقابله في رحلته داخل البلاعة أجاب: بأنه يتعرض للكثير من المخاطر حينما ينزل إلي البلاعة حيث يقابل في طريقه سرنجات حقن وامواس حلاقة وزجاجاً مكسوراً واصيب منه عدة مرات واكياس بلاستيك وملابس داخلية قديمة وحفاضات سيدات واطفال وان بعض الاشخاص يقومون بتنظيف الحمامات بالرمال فتسير في المواسير وتغلق المجاري والزيوت التي تلقيها السيدات من المطابخ فتتحول إلي دهون مجمدة وتؤدي إلي انسداد المواسير وهناك من يترك غرف التفتيش والبلاعات خاوية بلا غطاء فيسقط بها بعض الاشياء مثل العصيان والأوراق والطوب التي تؤدي إلي نفس السدد والحشرات التي يقابلها مثل الصراصير والخنافس والفئران واحيانا افاعي من الممكن ان تقضي علي حياته في لحظات ومن المواقف الغريبة انه حينما ينزل في بير البلاعة يقوم بعض الناس بالقاء مياه ساخنة فتنزل عليه لتسلخه وهو قابع في البير لا يدري به أحد. من يتحمل هذه المعاناة وهذا الشقاء إلا من لديه من الصبر والتحمل الكثير وهو يقوم بتسليك البلاعات يوميا من الممكن ان يقف في تسليك بلاعة يوما كاملا ويتوقف حل المشكلة بناء علي الشارع الذي يذهب إليه ان كان عموميا أو جانبياً وان كان طويلا أو قصيرا.. فهناك شوارع تكون ضيقة ومتعبة فالعمل يتطلب التعايش مع كل الظروف من أجل الانتهاء من حل المشكلة فهناك بعض البلاعات التي يصل عمقها إلي خمسة امتار فيحضر الغطاس ومعه جهاز التنفس المتصل بأنبوبة اكسجين من الخارج لأنه يجلس لمدة تصل إلي نصف ساعة في قاع البير للبحث عن حل للمشكلة. وما يضايقه من بعض الناس حقا هو شعورهم بالقرف والاشمئزاز ولا تريد الاقتراب منه علي الرغم من أن كل ما في البلاعة ما هو الا نتاج مخلفات فهو يريد ان يقول لهم انه انسان وله مشاعره ويجب ان يحترموها ولا ينظروا له هذه النظرة لأنه مثلهم تماما وله أولاد ومتزوج وبعد الذهاب إلي منزله يستحم ويرتدي أحسن الثياب ويجلس وسط أولاده يحاكيهم ويلعب معهم وزوجته تحبه جدا وتكون سعيدة وهي تغسل له ملابسه فإنه مثل كل البشر ولكنها طبيعة عمله التي يجب علي الآخرين ان يحترموها ويقول ان ما يحصله مقابل هذه المهنة لا يكفيه ولكنه يحمد الله علي كل شيء علي الرغم ان هذه المهنة لها قدسيتها في بلاد أخري ويحصلون فيها علي أعلي الرواتب وهناك بعض الناس يتعاملون معه احسن معاملة سواء بالترحاب أو باحضار مشروب أو طعام له لأنهم يشعرون بهذا الانسان عامل المجاري الذي يضع يده علي القاذورات من أجل تصليح البلاعة لهم فالمواطن لا يستطيع تحمل انسداد البلاعة عنده لمدة ساعة فما بالكم وهو يقضي نصف عمره داخل هذه البلاعة والبعض الآخر يهينونه ويسبونه لمجرد انه تأخر في الحضور أو تعثر في تصليح البلاعة وينظرون له نظرة تدن علي الرغم انه عاكف علي حل مشكلتهم فهل من تقدير من المواطنين ولو بقليل من الاحترام؟ وبخصوص ادوات العمل فشرح لنا كل قطعة علي حدة: * "خرازان" وهو عبارة عن عود رفيع مكون من حديد صلب طوله 2 متر يستخدمه في تسليك المواسير وهو المسئول عن لم القماش والشعر واكياس البلاستيك ويجب ان يكون معه 11 عود خرازان. * "قلاب" هو عبارة عن قطعة حديد صلب صغيرة توضع في الخرازان لتقليبه اثناء وضعه في المواسير. * "فنكاش حديد" ويسمي في بعض الأحيان عتلة وهو المسئول عن فتح الابيار أو البلاعات. * البوكليشة وهي حبل ملفوف حول بعضه علي الخرازان لتنظيف بعض المواسير وتسليك الانسداد منها. ومن الحوادث الغريبة التي يذكرها لنا انه في احدي المرات وجدوا طفلا داخل بلاعة.. والله وحده أعلم من صاحب هذه الجريمة اللاإنسانية ويتساءل أي قلب هذا الذي من الممكن ان يلقي بنفس بشرية حية في بلاعة صرف صحي؟ وبعد كم من المعاناة مع البلاعة ومرور أكثر من ساعتين مع الصعود والنزول وهو يتصبب عرقا تم تسليك البلاعة علي خير وجلس علي قهوة ليستريح ويحتسي كوبا من الشاي علي حد قوله "يعدل دماغي" ثم ذهب في طريق عودته إلي المنزل ليستريح من عناء يومه بعد ان انجز مهامه علي أكمل وجه. وبسؤاله عن اسرته اجاباً: انه لديه سبعة ابناء اكبرهم محمد ثم سناء متزوجة ولديها ولدان ثم عبدالواحد ثم يحيي في الصف الثالث الاعدادي ثم سمية في الصف الخامس الابتدائي ثم علاء في ثالثة ابتدائي واخيرا طه ثلاث سنوات - آخر العنقود سكر معقود - ومنهم ثلاثة يعملون علي باب الله وعلي حد قوله ارزقية. وعلي الرغم انه قام بتربيتهم احسن تربية ولم يبخل عليهم في شيء الا انه حينما تقدم شاب للزواج من ابنته تساهل معه في مصاريف الزواج حتي يستر ابنته وتذهب إلي بيت زوجها ووجهة نظره ان زواجها خير من ان يفوتها قطار الزواج وتعنس أما الشباب فمن الممكن ان ينتظر لسن الاربعين ويتزوج بعدها. وحينما جاءت سيرة أم العيال قال انها تحبه جدا وراضية بعيشتها معاه وتتمني رضا الله ثم رضاه عنها فهي تقوم بغسيل ملابسه بعد العودة من العمل وهي في قمة السعادة وتراعيه وتراعي شئون المنزل علي الوجه الاكمل فقد عوضه الله بها خيرا بعد وفاة زوجته الأولي. وبسؤاله عن أمنياته في الحياة أجاب: انه لا يريد أي شيء في الحياة غير رضا ربنا عليه وان ينعم الله عليه بالستر وان يعامله الناس معاملة حسنة. وبعد ان قامت أم العيال بعمل دور شاي لنا وجلسنا مع هذه العائلة السعيدة تركناه وهو يحتضن ابنه الصغير يحيي متمنيا له ان يراه في يوم من الايام ذا شأن عظيم مثل والده.