في البرد القارس, شاهدناهم يؤدون عملهم دون تذمر او شكوي, ينتشرون في الشوارع الغارقة في برك الامطار, يقومون بتسليك بالوعات المطر, أو شفط المياه بالسيارات المجهزة, أو ربما يضطرون الي فتح بعض بالوعات الصرف الصحي لتصريف المياه المتراكمة, لغياب بالوعات المطر. هي في حقيقة الامر ليست مهمتهم الرئيسية, انما عملهم الروتيني اليومي صيفا وشتاء هو صيانة وتنظيف بالوعات الصرف الصحي من الرواسب التي يمكن ان تتسبب في انسدادها وبالتالي طفح مياه الصرف, ورغم أهمية وحساسية عملهم, فإن آذانهم لا تسلم من الكلمات المهينة الجارحة خاصة في المناطق العشوائية, ومع ذلك يحبون عملهم ولا يخجلون منه.. بعضهم لم يكن يتخيل ان يعمل في هذه المهنة, لكن كما يقولون ما باليد حيلة. عمال الصرف الصحي أو المجاري, يعملون يوميا من خلال ورديات علي مدي24 ساعة تحسبا لأي طوارئ, اما عملهم النهاري المعتاد فهو التنظيف, ويكون كالتالي: ينزل العامل إلي البير, بعد ان يلف جسده بجنزير وحبال مهترئة, وبالاعلي يمسك زميلان له باطرافها, وبواسطة جاروف يبدأ العامل في تجميع الرواسب, وغالبا ما تكون عبارة عن حجارة صغيرة زلط وجذور الاشجار وبعض المتعلقات التي تنزلق عن طريق الخطأ إلي البالوعات الفرعية.. يجمعها العامل في جردل صغير, وبعد امتلائه يسحبه زميلاه لتفريغه, وهكذا إلي ان يتم تنظيف البير, يخرج بعدها العامل بملابس مبتلة ملوثة ليواصل تنظيف بير جديد. شغلتنا ومتعودين عليها وربنا بيحفظنا.. بتلك الاجابة المقتضبة القانعة, فاجأنا أيمن عامل تشغيل وصيانة منذ خمس سنوات عندما سألناه عن الظروف الصعبة التي تواجهه في عمله, خاصة في ظروف الطقس غير المعتادة, لكنه أشار الي ان سلوكيات بعض الناس تكون سببا في زيادة المشقة. يقول ايمن: سرقة أغطية بالوعات الصرف من اجل بيعها أكثر ما يضرنا في عملنا, حيث يضطر الاهالي الي ردمها بالطوب والرمل والكاوتش, فيسقط كل ذلك في البير, وهو ما يصعب علينا عملية تنظيف البلاعة, فنمكث في البير الذي قد يصل عمقه إلي6 امتار وقتا أطول, وهو ما يعرضنا للخطر, فضلا عن التعرض للبلل التام واستنشاق غازات سامة. وعندما سألناه عن سر امتلاء الشوارع بمياه المطر لايام متواصلة, أجاب: احيانا لا تكون هناك بالوعات كافية في المنطقة, وقد يكون سطح الشارع غير مستو, فتتجمع المياه في النقاط المنخفضة.. اغلبية العمال كما يقول ايمن لا يرتدون قفازات في اثناء أعمال التنظيف والتطهير ولا يسألون حتي عن صرفها. عمرو فني صيانة وتشغيل منذ21 عاما وهو مشرف عام علي فريق العمل يحكي عن طريقة عملهم في موسم الامطار وهي اوقات طوارئ بالنسبة لهم فيقول يتم تشكيل ما يعرف ب فرقة تطهير من قبل الحي والمحافظة وشركة الصرف, ونطلب سيارات شفط, ونتجول في المنطقة التابعة لنا ونبدأ بالشوارع الرئيسية والحيوية كالكورنيش والاتوستراد ومنازل الكباري والميادين ولهذا تظل الشوارع الصغيرة والجانبية مغمورة بالمياه لأيام, لأن الشوارع الرئيسية أولي, ولايمكن ان ننقل سيارات الشفط منها مادام استمر سقوط الامطار. ويشير عمرو الي انهم يقومون بكتابة تقارير الي مسئولي الحي المختص بالاماكن التي تستلزم عمل بالوعات للمطر, واحيانا أخري لا يلتزم الحي بعمل البالوعات في المكان المناسب, فنجد شارعا به اربع بالوعات لكنها لا تؤدي الغرض لانها لا توجد في النقاط السليمة, فلا تصل اليها المياه, وتبقي دون تصريف. عمرو يري انه علي مدي سنوات عمله تحسنت الامكانات كثيرا, فيقول كنا ننزل في مياه المطر باجسادنا اما الآن نعتمد علي الشفط ثم يقوم العامل بالتنظيف والتطهير. ويضيف احيانا يكون هناك عجز في البدل والاحذية أو ما نسميه الكزالك, فنقوم بتوزيع المتاح منها علي العمال الذين ينزلون البيارات, مشيرا إلي أنه كمشرف علي العمال حريص علي سلامتهم, فلا ينزل أحدهم إلي أي بلاعة قبل التأكد من خلوها من الروائح والغازات, حيث تتم تهويتها أولا, وبسؤاله عن السيارات التي يمكن ان تقوم بمهمة العامل, قال انها متاحة, لكنها تستغرق وقتا اطول في التشغيل والتركيب, مشيرا إلي ان العامل يقوم بتنظيف16 بلاعة خلال ساعتين, اما اذا تم استخدام السيارة المجهزة فلن يتم تنظيف نصف هذ العدد, علاوة علي ان تنظيف البير لن يكون بالدرجة المطلوبة. محمد حسن يعمل منذ عشر سنوات وهو الآن رئيس عمال احدي فرق التطهير, ولاينكر ان اوضاعهم تحسنت كثيرا عما قبل ثورة يناير, فبعد ان كان راتبه450 جنيها اصبح الآن1500 جنيه, وهناك من هم اقدم منه فتصل مستحقاتهم المالية إلي أكثر من الفي جنيه شهريا, لكنه يتمني ان يكون هناك انتظام في صرف لوازم عملهم مثل السلك والبدل والكزالك, والمسئول عنها ادارة الامن الصناعي. ويتفق محمد علي ان اكثر ما يزعجهم في عملهم هو انسداد البالوعات بالتراب والقمامة ومواد البناء, خاصة بالوعات المطر التي تحتوي علي فتحات وتكون إلي جانب الرصيف. يقول محمد: رغم اننا نقوم بتسليك البالوعات قبل حلول الشتاء بشهر تقريبا فإنه مع اول هطول للمطر تتراكم المياه في الشوارع, بسبب انسداد البالوعات خلال الايام القليلة التي أعقبت التطهير والتسليك, فيشعر المواطن بأنها غير موجودة, ولهذا نضطر احيانا خاصة عند سقوط أمطار غزيرة إلي فتح بالوعات الصرف الصحي لتصريف المياه ثم اغلاقها.