منذ عدة أيام لاحظ المواطن صفر أثناء دشه الصباحى الساخن أن المياه تملأ أرضية الحمام ولا تسير إلى مصيرها النهائى المعتاد عبر فتحات البلاعه الصغيره.. أغلق الدش وانتظر قليلا.. بدأت المياه تنصرف ببطء شديد.. إنتظر حتى رحلت آخر نقطة مياه إلى مصيرها الحتمى غير مأسوفا على رغاوى صابونها.. ثم فتح المياه مره أخرى.. أكمل دشه الصباحى.. ومع إنتهاؤه.. كانت المياه تملأ أرضية الحمام مره أخرى.. إلا أن المواطن صفر لم يعرها أهميه.. فقد عرف أنها سوف ترحل.. فقط سوف تفعل ذلك ببطء شديد.. إلا أنها فى النهايه سوف ترحل.. جفف جسمه وعلق على الشاى.. ثم اختلس نظره إلى الحمام أثناء مروره من أمامه.. كان ما توقعه قد حدث.. رحلت المياه ولكنها رحلت ببطء شديد.. فى اليوم التالى.. تكرر ما حدث مره أخرى.. ولكن ببطء أشد.. فى اليوم الثالث.. إزداد البطء أكثر.. لدرجة أن المواطن صفر أشعل سيجاره وانتهى من تدخينها فى منتصف الدش حتى ترحل المياه التى تملأ أرضية الحمام ويستطيع فتح الدش مره أخرى.. فى اليوم الرابع إنتظر المواطن صفر كثيرا حتى يستطيع مواصلة دشه الصباحى.. إلا أن هذا ما لم يحدث.. فقد ظل يذهب ويجيء وهو ينظر إلى المياه على الأرضيه ويلاحظ منسوب إرتفاعها وهو يحاول تحديد ما إذا كانت المياه تنصرف ببطء شديد أم أنها ثابته فى مكانها ولا تتحرك على الإطلاق.. مر الوقت المناسب ليتأكد المواطن صفر أن الإنسداد فى البلاعه قد وصل إلى مداه.. وأنه ينبغى عليه أن يستدعى السباك حالا.. أخرج السباك من البلاعه الكثير من الشوائب المتراكمه عبر فتره زمنيه طويله.. وعلى الرغم من أن تلك الشوائب قد تكون على هيئة شعره مثلا.. إلا أنه وكما أن طوبه على طوبه يبنوا جدار.. فإنه أيضا شعره على شعره يسدوا البلاعه.. وإذا أفسحت تلك الشوائب فى وقت من الأوقات مساحات صغيره فيما بينها لمرور ما تيسر من المياه فإنها مع الوقت لن تستطيع توفير تلك المساحات وسوف يصبح لزاما على السباك أن يأتى فى النهايه ليضطلع بدوره الحيوى فى تلك الحياه.. ذلك الدور الحيوى الذى – ويا للعجب – نمتعض منه على الرغم من احتياجنا جميعا له لكى تظل حياتنا نظيفه ! تروى الأسطوره بعد ذلك أن المواطن صفر قد اعتزل الناس لفتره إنغمس فيها فى حاله تأمليه صوفيه وجدانيه خرج منها بالإكتشافات التاليه.. الإكتشاف الأول: نحن قمنا بالثوره بعد أن إكتشفنا أن المياه تملأ أرضية الحمام.. وبعد الثوره واصلنا إستحمامنا على الرغم من أننا لم نقم بتسليك البلاعه من الشوائب الكثيره التى تسدها.. وفجأه.. إندهشنا عندما اكتشفنا أن منسوب المياه على أرضية الحمام قد ارتفع أكثر وأصبح يهدد بإغراق الشقه.. ونسينا أن المدهش أكثر أننا أصلا.. ما جبناش سباك ! الإكتشاف الثانى: فى بداية الإنسداد سوف تسمح الشوائب بمرور بعض المياه.. وفى الوقت الذى تعتاد فيه على البطء الشديد فى تصريف المياه سوف يتوقف ذلك التصريف تماما.. وسوف تصبح الشوائب فى النهايه هى سيدة الموقف لحين إستدعاء السباك.. لينتهى الأمر إلى ما نحن عليه الآن.. فقط نراقب إرتفاع منسوب المياه على أرضية الحمام للتأكد من أن الشقه لن تغرق.. بدلا من حل المشكله من جذورها وتسليك البلاعه ! الإكتشاف الثالث: جميل أن نستحمى.. جميل أن نغسل أرواحنا من أتربة تسعه وخمسين عاما عجاف حكمنا فيهم من لا ينبغى أن يحكمنا.. جميل أن نترك أنفسنا لمياه الحريه والكرامه التى قد انسابت من فتحات دش الثوره فوق رؤوسنا.. إلا أنه كان ينبغى علينا التفكير فى كيفية تصريف تلك المياه الناتجه عن مثل هذا الدش الشعبى.. المشكله أننا تعاملنا مع الثوره على أساس أنها تسليك للبلاعه المسدوده.. بينما الثوره فى الأساس دش ساخن نغسل به أرواحنا المنهكه من طول الفساد والإستبداد والقمع.. الثوره ”دش” مش ”سباك”.. دش ساخن ومنعش إلا أنه بدون تسليك البلاعه قد يتسبب – لا قدر الله – فى إغراق الشقه ! الإكتشاف الرابع: السباك بحق هو من يسلمنا الحمام صاغ سليم بعد تسليك البلاعه من جميع الشوائب التى تسدها.. مش اللى نسلمه الحمام عشان يسلكلنا البلاعه .. فيسدها أكتر !