العلاقة بين هوليود "قلعة السينما" وبين المسيحية قديمة جداً. بدأت بعد اختراع الصور المتحركة بسنوات قليلة.. وقد رفضها رجال الدين في البداية.. باعتبار أن السينما عمل دنيوي تجاري يروج للأكاذيب ويبيع للناس أوهاماً وأحلاماً فضلاً عن أنها تدعو إلي أساليب حياة تتعارض مع القيم والأخلاقيات الدينية وأنها من خلال الفيلم تخلق "إلهاً" آخر غير "الله" الذي نعبده. هذه المخاوف التي أبداها رجال الكنيسة عن وسيط الفيلم جعلت بعض الولاياتالأمريكية عام 1913 لا توافق علي بناء دار سينما بارتفاع 200 متر حتي لا تضاهي الارتفاع المسموح للكنيسة وجعلت الفيلم في بداياته عملاً مذموماً. لكن هذا لم يمنع هوليود من عمل أفلام دينية مفعمة بالحركة والإبهار الشكلي.. ومحملة بالتفاصيل الجذابة وبالأفكار. حتي أن بعض المشاهير كتبوا أنهم اكتسبوا أفكارهم عن الشُهرة والنجاح والجمال وكثير من المعارف من الشاشة الكبيرة. وفي حين كان الدين المسيحي يتراجع ويفقد تأثيره علي الناس في أمريكا. تقدمت هوليود لتملأ الفراغ بالأساطير والحكايات التوراتية وبالآلهة والأنبياء والمعارك حتي أصبح الفيلم الديني علي غرار "الوصايا العشر" للمخرج سيسيل دي ميل وفيلم "بن هور" من أشهر الأعمال علي الشاشة وتحول الكتاب المقدس إلي مصدر مهم للموضوعات الدينية وأصبح "الفيلم الديني" نفسه نوعية تحقق الأرباح ورائجة. يقول سيسيل دي ميل بتفاخر: "اعطني أي صفحتين من الإنجيل أعطيك فيلما". وفي العام الماضي 2014 خرجت مجموعة من الأفلام الضخمة ذات الميزانيات الكبيرة مثل "ابن الله" الذي حقق 67 مليون دولاراً في أسابيع قليلة. ومثل فيلم "نوح" الذي منعوا عرضه هنا في مصر وحقق بدوره إيرادات وصلت إلي 339 مليون دولار.. وفيلم "الله ليس ميتاً" 60 مليون دولار وفيلم "الجنة حقيقة" 91 دولار وفيلم "الخروج" عن قصة النبي موسي الذي تم إنتاجه مرات عديدة في سنوات سابقة.. وعناوين الفيلم الديني تملأ صفحات وصفحات. ويري البعض أن سنة 2014 سنة غير مسبوقة بالنسبة للفيلم الديني. إنها حسب وصف أحدهم سنة "الإنجيل" ويعود هذا الفضل في تحقيق الدعاية والانتشار لوسائل التواصل الاجتماعي. فمنذ ثلاثين سنة مضت كانت شبكات التليفزيون تسعي لاستقطاب أكبر عدد من الناس.. اليوم أصبح في مقدور الفيس بوك أن يصل إلي المتفرج بطريقة أسهل جداً وأسرع وإلي جماعات من الناس تشكل وحدها وحدات للتسويق والدعاية. الأفلام التي تقتبس موضوعاتها من الكتب المقدسة "العهد الجديد - العهد القديم" انتعشت جداً بعد فيلم "آلام المسيح" للمخرج ميل جيبسون الذي أنتج منذ عشر سنوات تقريباً. وانتشر بسرعة من خلال الفيديو كاسيت وحظي بدعاية كبيرة من قبل الجمعيات الأهلية المسيحية في أمريكا مثل "رابطة الأسرة الأمريكية" و"النساء المتدينات" وهؤلاء زرعوا حماساً في نفوس المتفرجين المدنيين البعيدين عن الاهتمامات الدينية. وقد ظلت الأفلام ذات الموضوعات الدينية مناسبة للجدل والعراك وتسخين حالات الاشتباك بين هوليود من ناحية والكنيسة ورجال الدين من ناحية أخري.. ومع ذلك يظل الدين والفيلم مادة خصبة في المؤتمرات العلمية مثل المؤتمر الدولي حول الدين والفيلم الذي أقيم في مايو 2015 وشارك في تنظيمه لجنة تضم عدداً من أساتذة الجامعات في العالم. بالإضافة إلي مهرجان "الدين اليوم" الذي يكرس برنامجه بالكامل لموضوع الدين والخلافات بين الأديان المختلفة والشعائر الدينية التي تتناولها السينما بأسلوب فني وهو مهرجان بدأ عام 1997 ويقتصر علي عرض الأفلام ذات العلاقة بالدين وقد أقيمت الدورة الثامنة عشرة في الفترة من 9 - 19 أكتوبر 2015 في مدينة ترينتو بإيطاليا "Trento). وهناك مجلة متخصصة في هذا المجال مثل "جورنال أوف ويلجم" والفيلم "Yournal of religion) الذي تصدره جامعة نبراسكا الأمريكية. بالإضافة إلي الدورات الدراسية التي تنظمها الجامعات في هذا المجال. سوف تظل العلاقة بين الدين والفيلم مهمة بالدرجة التي لا يمكن تجاهلها أو إقصاء ومنع الأفلام التي تعالج الموضوعات الدينية مهما كانت أساليب المنع!!