الكاتب الأمريكي المتخصص في شئون الدين والثقافة جوناثان ميريت. يعتبر العام المنصرم ثقافيا وسينمائيا "عام الإنجيل" لوجود أعمال ضخمة ومميزة تعتمد في مادتها الموضوعية علي قصص من الإنجيل عرضت في عام ..2014 ومنذ بدايات السينما وطوال مائة عام لم تنقطع هوليوود عن بعث قصص من العهد القديم والجديد علي الشاشة الفضية. بعد ان لوحظ ان هذه الأفلام الدينية تحقق عوائد لا تقل عما تحققه الأفلام التجارية التي تشكل التيار الرئيسي للسينما الأمريكية. وقد اعتادت هوليوود ان تتوجه الي "المتدينين" من جمهور السينما الذين يترددون علي الكنائس ويشكل الدين ركنا رئيسياً في ثقافتهم. فهؤلاء يتطلعون الي أعمال جيدة تتواصل مع معتقداتهم ومبادئهم المسيحية. ومن المهم ثقافيا وتجاريا للقائمين علي صناعة السينما في هوليوود ان تستثمر رغبات هذا العدد الكبير. ومن ثم اعتبرت القصص الدينية المأخوذة من الانجيل مصدراً كبيراً يمكنها ان تعتمد عليه خصوصاً وانها حكايات تتضمن كل العناصر الجذابة والمثيرة. فهي تمزج في أحداثها بين الحركة "الأكشن" والإثارة والخيوط الرومانسية والدراما التاريخية والخيال المشبع بالمشاعر الروحية وبالقيم الربانية وسحر مافوق الواقع وما يتجاوز الخيال القصصي المعتاد.. الكتاب المقدس "الإنجيل" حسب الإحصائيات المنشورة هو أكثر الكتب مبيعاً علي إمتداد الزمن. ثم اتضح ان الأفلام المأخوذة عنه ليست أقل جماهيرية من الكتاب المطبوع. كثيرون ممن يرصدون الواقع السينمائي اعتبروا عام 2014 عام "الإنجيل" ليس فقط بسبب عدد الأفلام وان السبب ما أحدثته علي مستوي الإيرادات وما أثارته من جدل حولها علي امتداد العالم وهنا في مصر. نوح - وسفر الخروج نموذجان وفي السنوات الأخيرة تم توجيه جزء معتبر من صناعة السينما الأمريكية لإنتاج الفيلم الديني الذي ثبت نجاحه كغذاء روحي يتطلع اليه "المتدينون" المشتاقون لمضامين قوية مؤثرة تتفق مع توقهم الي السلام الداخلي والروحي بعد ان طغت المادة طغيانا مخلاً بالقيم والمياديء الدينية الإنسانية. وخصوصاً لو امتلكت هذه الأعمال قوة الإثارة والاستحواذ واعتمدت علي ميزانيات ضخمة توفر النجوم الكبار والتكنولوجيا الآسرة في مجال المؤثرات البصرية والسمعية.. وفي هذا العام 2014 اقتحمت الشركات الكبري مثل "سوني" و"ليونزجيت" سباق الأفلام الدينية المعتمدة علي قصص الإنجيل والأنبياء وانتجت افلاما بعناوين مثل: "ابن الله" "Son of Goo" الذي انتجته فوكس بميزانية كبيرة وعرض في فبراير 2014. وذلك بعد ان حقق المسلسل التليفزيوني "الانجيل" "Bible" الذي بثته قناة التاريخ" عبر الكابل وحقق ارقاماً قياسية. وبعدها إنتبهت الشركة الي ضرورة مضاعفة الجرعة "المسيحية" في الأفلام التي تنتجها عن حياة المسيح عليه السلام. فإذا كان معيار النجاح هو تحقيق عائد كبير في الشباك. إذن فإن الفيلم فتح الباب لفيلم آخر تكلفت ميزانيته 130 مليون دولار حسب المنشور. وهو فيلم "نوح" "Noah" بطولة راسيل كرو وأنتوني هوبكنز والممثلين جينيفر كونيللي وإما واتسون ومن إخراج داريني ارنوفسكي مخرج فيلم "البجعة السوداء" وكلها اسماء حاصلة علي الأوسكار ويعتبر وجودها في فيلم واحد قوة ضاربة وجاذبة للجمهور العاشق للسينما. مقدمة فيلم "نوح" التي يمكن مشاهدتها علي اليونتوب تعتبر عينة مرئية تعكس حجم الإبهار الغني التقني ومدي ثراء الصورة وجاذبيتها بالاضافة للمؤثرات والأداء.. دقائق قليلة تثير شهية عشاق الفن السينمائي الباحثين عن الجمال والمعرفة وتملأهم رغبة في مشاهدته. الفيلم بدأ عرضه في نوفمبر 2014 ويحقق نجاحاً كبيراً وبعد فترة ستجده علي الاسطوانات المدمجة وعند كل باحث. وباختصار سيكون متاحاً للراغبين في مشاهدته.. ولن يجدي نفعاً موضوع المنع الذي ترفعه في وجه المعرفة والوعي بما يدور عنا وحولنا بينما نحن في أمس الحاجة لتوسيع مداركنا وعقولنا. وفي ابريل من نفس العام الذي ودعناه منذ أيام عرض فيلم بعنوان "Heauenis For Raef" ومعناه مجازا "الله موجود فعلا" وهو من إنتاج شركة "سوني" وكما يشير العنوان يقوم علي موضوع ديني من وحي الإنجيل ويعالج حقيقة وجود الله "المسيح" والخلاص والفيلم عن كتاب بنفس الإسم ويتناول قصة حياة صبي صغير عاش تجربة الموت وخرج منها. وفي ديسمبر 2014 بدأت عروض فيلم "سفر الخروج" في الولاياتالمتحدة وأوروبا وفي أجزاء من العالم. وهو كما يعرف تدور أحداثه في مصر ويصور الصراع بين النبي موسي والفرعون المصري رمسيس الثاني.. ويصور خروج اليهود من مصر بعد تحريرهم من العبودية. والقصة سبق انتاجها عام 1956 وقام ببطولته شارلتون هيبستون في فيلم "الوصايا العشر" ونفس الفيلم "الوصايا العشر" قدمته السينما الأمريكية ايضا في عام .1923 هذه الأفلام الدينية التي شكلت نوعا مهما في الانتاج الأمريكي تحمل اسقاطات سياسية وايدولوجية ويطوع من خلالها الهدف السياسي لخدمة الصهيونية واسرائيل. والدين يلعب هنا الوسيط ذاته الذي تستخدمه الجماعات الدينية المتأسلمة كجماعة "الاخوان" والجماعات الأخري التي خرجت من نفس العباءة الأيديولوجية. وعلينا ان نفهم دور السينما في معارك الصراع الايدولوجي. وفي فيلم آخر من إنتاج 2014 بعنوان "مريم أم المسيح" والذي عرض في ديسمبر نجد معالجة أخري ليست بعيدة عن فيلم "آلام المسيح" وقد تم عرضه في اعياد الكريسماس وضم ضمن فريق الممثلين بيتراوتول وبن كنجسلي وجوليا أورموند والوجه الاسرائيلي الجديد اوديا راش وهي ممثلة في سن السادسة عشرة وتؤدي ضمن الفيلم دور السيدة العذراء مريم. واللافت ان كثيراً من المؤسسات الدينية شاركت في انتاج الفيلم. ومنها كنسية الراعي جويل اوستين حيث قامت بدور المنتج المنفذ حسب ماهو مكتوب في عناوين الفيلم. ومن المتوقع ان يحقق هذا الفيلم الأخير عائداً كبيراً. ومن الجدير بالانتباه ان نجاح الأفلام الدينية المعتمدة علي قصص الانجيل والتوراة يتجاوز ما حققته الأفلام القديمة التي اعتمدت علي نفس المصدر. والنجاح لا يشير الي الإيرادات فقط وإنما أيضا الي الأثر العاطفي والوجداني في قلوب وعقول الذين يتدافعون لمشاهدة هذه النوعية. وقد يعتقد البعض ان الدافع الديني وحده يقف وراء انتاج هذه النوعية من الأفلام والحقيقة ان الحافز المادي المتحقق من الإيرادات يحتل الأهمية الأكبر وايضا الهدف السياسي ليس بعيداً. إن صناعة السينما لا شك مرآة عاكسة لرغبات المجتمع ويمكن حصرها اساساً في الجنس والعنف والدين وعام 2014 يكشف ان القصص الدينية تتفوق في تأثيرها عن العناصرالأخري.