شيء جيد أن تتجه الأنظار من جديد إلي ضرورة محاربة الإرهاب في سيناء بالبناء والتعمير وليس بالسلاح وحده.. وأن يعلن عن تخصيص 10 مليارات جنيه لتنمية هذا الجزء العزيز من أرضنا.. وأن يركز الخطاب السياسي علي "أننا ذاهبون للتعمير والبناء قبل البحث عن الثأر وقتل المجرمين". هذا هو طريق العقل.. ولو سرنا فيه إلي النهاية سوف تنتقل مصر إلي وضع أفضل بكثير مما هي عليه الآن.. فسيناء تركت زمنا طويلا للفقر والجهل والجماعات المنغلقة في مواجهة مشروعات استثمارية سياحية مغامرة ومرفوضة في بيئة بدوية محافظة مثل قري العراة والشواطئ الخاصة بالأجانب.. ولم تأخذ منا إلا بعض أغنيات حماسية جميلة لا تسمن في النهاية ولا تغني من جوع. والغريب أن حكومات مصر المتعاقبة تحدثت كثيرا عن ضرورات تنمية سيناء وتعميرها لأهداف استراتيجية لكنها لم تقدم شيئا ملموسا وهناك علي الأقل 3 مشروعات قومية جاهزة في هذا الصدد مكتوبة علي ورق فاخر مصقول ومازالت حبيسة أدراج المسئولين منذ 33 سنة.. ولو أخرجت هذه المشروعات ونفض عنها الغبار وتم تفعيلها خطوة خطوة فسوف تكون النتائج مبهرة. في الحقيقة.. الأمر لا يتعلق بعدم وجود دراسات حول تنمية سيناء فالدراسات والمشروعات متوفرة وما أكثرها بل يتعلق بغياب الإرادة السياسية والتباس الرؤية وعدم حسم الأوضاع الخاصة بملكية الارض والمشروعات والتعامل مع سيناء وأهلها باعتبارها جزءا عاديا وطبيعيا في الجسد المصري. ومن المفارقات أن اعتبارات الأمن القومي والطبيعة العسكرية لسيناء كانت تستخدم مبررا لتعطيل التنمية في هذه الارض المتاخمة لفلسطين المحتلة بينما الحقيقة أن التنمية الشاملة ومضاعفة الكتلة السكنية في سيناء تشكلان خط الدفاع الرئيسي والأكثر فاعلية عنها.. وعن مصر بأكملها.. سواء في مواجهة أي عدوان صهيوني أو في مواجهة قوي التطرف والعنف والإرهاب. بهذا المعني لن تكون سيناء مشكلة في المستقبل.. بل ستكون هي الحل والسبيل للخروج مما نحن فيه من ضيق واضطراب إلي سلام أوسع ورزق أرحب ليس علي مستوي سيناء فقط.. وإنما علي مستوي مصر كلها. وسيناء كما اثبتت الدراسات عامرة بالخيرات.. إذ تحتوي علي احتياطي ضخم لمجموعة من الخامات الطبيعية والبترول والغاز الطبيعي.. وتزخر بخامات مثل الجبس والجير والكبريت والفحم وملح الطعام والرمال بألوانها المختلفة.. كما ترتبط بالأسواق المحلية والعربية والعالمية بشبكة من الطرق برا وبحرا وجوا وتمر في سيناء شبكة الربط الكهربائي العربي وخط الغاز الطبيعي الذي كان يصل إلي الأردن وسوريا وإسرائيل.. بالاضافة بالطبع إلي قناة السويس و7 مطارات و9 موانئ بحرية وعشرة طرق برية من بينها الطريق الدولي الذي يربط المشرق العربي بمغربه. وتضم سيناء مشروعات عملاقة لم تكتمل بعد مثل مشروع ترعة السلام المجهزة لري 450 ألف فدان.. وخط السكة الحديد.. وتتوافر فيها مساحات كبيرة من الاراضي المزروعة والأراضي الصالحة للزراعة.. وتمتلك سيناء شواطئ طويلة علي البحرين الأحمر والأبيض مما يجعلها عامرة بإمكانات سياحية فريدة وثروة سمكية لم تستغل بعد. كل هذه العناصر قادرة علي جذب المزيد من السكان والاستثمارات العربية والعالمية.. ولعلنا نتذكر في هذا الصدد مشروع الملك عبدالله لربط مصر والسعودية عن طريق كوبري يمتد فوق خليج العقبة لتسهيل تبادل السلع وانتقال الأيدي العاملة وتيسير حركة السياح والحجاج والمعتمرين وءوس الأموال بين البلدين وتجنب مخاطر العبارات القاتلة. وهكذا يتأكد أن تعمير سيناء الآن هو الأيسر والأقل تكلفة في مواجهة الإرهاب.. بالإضافة إلي أن أمننا القومي يدعونا بكل إلحاح إلي أن نزرعها بالبشر في كل شبر من أرضها.. وأن نربطها بالدلتا لننهي عزلتها إلي الأبد.