كثر الجدل خلال الأسبوعين الماضيين حول مشروع ممر التنمية الذي اقترحه الدكتور فاروق الباز مدير مركز بحوث الفضاء في جامعة بوسطن الأمريكية.. وهو جدل محمود ويُعد أحد أهم مكاسب الثورة الشعبية في مصر. كان الحديث في هذا المشروع قبل الثورة همساً.. وكان الخبراء وأصحاب الرأي يخشون الجدل بشأنه انتظاراً للتوجيهات والتعليمات.. فإن نال المشروع وصاحبه الرضا السامي. دُبجت له قصائد المديح.. ووُضع في المناهج الدراسية.. وتحدثت وسائل الإعلام عن عبقريته ليل نهار.. أما إن قوبل بالرفض أو حتي بالتحفظ خُسف به وبصاحبه الأرض.. وقيل فيه أسوأ مما قال مالك في الخمر.. وقد حدث هذا السيناريو فعلاً مع مشروع توشكي.. حين تحمس له النظام. تم تسجيله علي أنه مشروع مصر القومي للقرن الواحد والعشرين.. ووضع في الكتب الدراسية باعتباره بداية حضارة جديدة في مصر.. وحشدت له الميزانيات.. وذهبت إليه وفود الفنانين والمثقفين ورجال الأعمال بصحبة الرئيس وحكومته.. وتغنت به وسائل الإعلام.. ثم حين غضبت القيادة السياسية علي الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء وتم رفعه من الخدمة حَلَّت اللعنة علي توشكي.. وألصقت به كل النقائص والموبقات.. ومنع عنه التمويل.. فتوقف المشروع ولم يعد أحد يسمع به إلا في قضايا الفساد التي تتطاير من حولنا. الآن اختلفت الصورة.. فصار لكل خبير.. بل لكل أحد من آحاد الناس الحق في أن يفكر ويقول ما يشاء دون أدني حرج.. ولذلك كثر المؤيدون وكثر المعترضون.. وهو أمر يجب أن نتدرب علي قبوله ونتأقلم معه ولا نضيق به. ومشروع الدكتور الباز يطرح إنشاء ممر في الصحراء الغربية.. يبدأ من ساحل البحر المتوسط شمالاً إلي بحيرة ناصر جنوباً.. ويتضمن شبكة للكهرباء وطريقاً برياً وخطاً للسكك الحديدية. وأنبوباً لجلب مياه النيل من بحيرة ناصر.. كما يشمل إنشاء 12 طريقاً عرضياً لربط الممر مع الوادي والدلتا. ويرتسم ممر التنمية علي هيئة شريط في الصحراء الغربية يتراوح عرضه بين 10 و80 كيلومترا.. وتبلغ تكلفته المبدئية حوالي 24 مليار دولار.. أي حوالي 125 مليار جنيه. ويستند المشروع في الأساس وطبقاً لما ذكره د.الباز إلي وجود خزان مياه جوفي عظيم في الصحراء الغربية تكون منذ 25 ألف عام.. ويكفي مصر لمدة 100 عام.. ويتوقع د.الباز أن يوفر المشروع فرصاً للتنمية الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية.. وربما أضاف مليون فدان إلي الرقعة الزراعية إلي جانب فرص العمل الهائلة التي سيوفرها في كافة التخصصات.. مع استيعاب عشرين مليون شخص ينتقلون إلي العيش في المناطق الجديدة لتخفيف الضغط السكاني في الوادي والدلتا. المنتقدون للمشروع يمتدحون د.الباز وعلمه وإمكاناته.. لكنهم يرون في ممر التنمية رأياً آخر مخالفاً لرأيه.. فالصحراء الغربية فقيرة اقتصادياً وبشرياً.. ونائية جغرافياً.. وقاسية بيئياً.. ومتطرفة مناخياً.. وبالمقارنة مع سيناء والساحل الشمالي تبدو هذه الصحراء عاتية الرياح.. وبيئتها غير صحية ورمالها متحركة في معظم الأمكنة.. وبالإضافة إلي ذلك كله فإنه لم يثبت علمياً أن مياهها الجوفية متجددة. يقولون أيضاً إن تربة الصحراء الغربية تفتقر للخصوبة بسبب تكوينها من الجير المسامي الذي يساعد علي تسرب المياه من التربة. مما يقلل من صلاحيتها للزراعة.. كما أن الصحراء الغربية عموماً تفتقد إلي العناصر التي تجذب السكان. وبصفة عامة فإن مشروع ممر التنمية يفتقر إلي الجدوي اقتصادياً بسبب ارتفاع تكلفته.. مما يجعل تنفيذه إهداراً للمال العام. وتجاهلاً لبدائل مجدية أكثر مثل سيناء.. خصوصاً إذا كان تدبير رأس مال المشروع يمثل عبئاً ثقيلاً لا تتحمله الميزانية العامة.. وقد نندفع بسببه إلي الوقوع مرة أخري في شرك الاقتراض الباهظ من الخارج. تعمير سيناء هو البديل الأكثر جدوي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.. وبالذات بعد زيارة د.عصام شرف رئيس الوزراء إلي هذه الأرض الطيبة وتعهده لأهلها باللاءات الثلاث: لا للتهميش أو التجاهل.. لا للاضطهاد.. لا للتفرقة في المعاملة.. وهذا ما يجعل مشروع تعمير سيناء الأشد إلحاحاً. وعلي عكس الصحراء الغربية فإن سيناء تحتوي علي احتياطي ضخم لمجموعة من الخامات الطبيعية والبترول والغاز الطبيعي.. وتزخر بخامات مثل الجبس والجير والكبريت والفحم وملح الطعام والرمال بألوانها المختلفة.. كما ترتبط بالأسواق المحلية والعربية والعالمية بشبكة من الطرق براً وبحراً وجواً.. وتمر في سيناء شبكة الربط الكهربائي العربي وخط الغاز الطبيعي المصدر للأردن وسوريا وإسرائيل.. بالإضافة إلي قناة السويس و7 مطارات و9 موانئ بحرية وعشرة طرق برية من بينها الطريق الدولي الذي يربط المشرق العربي بمغربه. وتضم سيناء مشروعات عملاقة لم تكتمل بعد مثل مشروع ترعة السلام المجهزة لري 45 ألف فدان.. وخط السكة الحديد.. وتتوافر فيها مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة والأراضي الصالحة للزراعة.. وتمتلك سيناء شواطئ طويلة علي البحرين الأحمر والأبيض. مما يجعلها تتمتع بإمكانات سياحية فريدة وثروة سمكية لم تستغل بعد. كل هذه العناصر قادرة علي جذب المزيد من السكان والاستثمارات العربية والعالمية.. ولعلنا نتذكر في هذا الصدد مشروع الملك عبدالله خادم الحرمين لربط مصر والسعودية عن طريق كوبري يمتد فوق خليج العقبة لتسهيل تبادل السلع وانتقال الأيدي العاملة وتيسير حركة السياح والحجاج والمعتمرين. ورءوس الأموال بين البلدين. وهكذا يتأكد أن تعمير سيناء الآن هو الأيسر والأقل كلفة.. بالإضافة إلي أن أمننا القومي يدعونا بكل إلحاح إلي أن نزرعها بالبشر في كل شبر من أرضها.. وأن نربطها بالدلتا لننهي عزلتها إلي الأبد. أما تعمير الصحراء الغربية.. وهو هدف استراتيجي لا يمكن تجاهله أو إغفاله.. فيمكن أن يتم علي المدي البعيد.. من خلال تطبيق نظرية د.جمال حمدان المعروفة ب"تنمية الحواف".. وذلك عن طريق تقسيم المحافظات عرضياً بما يجعل لكل محافظة امتداداً في الصحراء.. وتمنح هذه المحافظات قدرات مالية وفنية للتوسع تدريجياً في هذا الظهير الصحراوي. وبذلك يتم استصلاح واستزراع الصحراء الواقعة علي حافة المناطق المزروعة والآهلة وفق مخطط عام يحقق أهداف التنمية وبما لا يرهق ميزانية الدولة في رقعة واحدة. وهذا بديل آخر أكثر أمناً لتعمير الصحراء الغربية دون مغامرة. إشارات: * لو كانت ملكة بريطانيا تحكم في بلادنا لما تمتع حفيدها بهذا الزفاف الأسطوري.. كان زمانه في طرة. * فتح معبر رفح يعيد إلي المواطن توازنه النفسي.. ويريحنا من عذاب الضمير. * للأسف.. ليس لدينا قانون يجرم إفساد الأسرة حتي تحاكم به السيدة سوزان مبارك. * طوابير الخبز عادت أمام الأفران.. أين صوتك يا د.جودة عبدالخالق؟!.. أين العدالة الاجتماعية؟!