في زيارته الأخيرة لمصر عاد الدكتور فاروق الباز أستاذ بحوث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية يطرح مشروعه القديم الجديد المعروف باسم "ممر التنمية" كأحد المشروعات القومية الكبري التي يجب ان تقدم عليها مصر بشجاعة حتي تخرج من الوادي الضيق لاستصلاح واستزراع أكثر من مليون فدان. ومشروع الدكتور الباز يتركز اساسا في إنشاء ممر في الصحراء الغربية.. يبدأ من ساحل البحر المتوسط شمالا الي بحيرة ناصر جنوبا.. وتتضمن شبكة الكهرباء وطريقا بريا وخطا للسكة الحديد.. وأنبوباً لجلب مياه النيل من بحيرة ناصر.. كما يشمل انشاء 12 طريقا عرضيا لربط الممر مع الوادي والدلتا. ويرتسم ممر التنمية علي هيئة شريط في الصحراء الغربية يتراوح عرضه بين 10 و80 كيلو متراً.. وتبلغ تكلفته المبدئية حوالي 24 مليار دولار.. أي حوالي 125 مليار جنيه. ويستند المشروع طبقا لما ذكره د. الباز الي وجود خزان مياه جوفي عظيم في الصحراء الغربية يكفي مصر لمدة 100 عام.. ويتوقع د. الباز ان يوفر المشروع فرصا للتنمية الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية الي جانب فرص العمل التي سيوفرها في كافة التخصصات.. مع استيعاب 20 مليون شخص ينتقلون الي العيش في المناطق الجديدة لتخفيف الضغط السكاني في الوادي والدلتا. اما المنتقدون للمشروع فيمتدحون د. الباز وعلمه وامكاناته.. لكنهم يرون في ممر التنمية رأيا آخر مخالفا لرأيه.. فالصحراء الغربية حسبما يقولون.. فقيرة اقتصاديا وبشريا.. ونائية جغرافيا.. وقاسية بيئيا.. ومتطرفة مناخيا.. وبالمقارنة مع سيناء والساحل الشمالي تبدو هذه الصحراء عاتية الرياح.. وبيئتها غير صحية ورمالها متحركة في معظم الامكنة.. وبالاضافة الي ذلك كله فإنه لم يثبت علميا ان مياهها الجوفية متجددة. يقولون ايضا ان تربة الصحراء الغربية تفتقر للخصوبة بسبب تكوينها من الجير المسامي الذي يساعد علي تسرب المياه من التربة مما يقلل من صلاحيتها للزراعة.. كما ان الصحراء الغربية عموما تفتقد الي العناصر التي تجذب السكان. وبصفة عامة فإن مشروع ممر التنمية يفتقر الي الجدوي اقتصاديا بسبب ارتفاع تكلفته.. مما يجعل تنفيذه اهدارا للمال العام وتجاهلا لبدائل اخري أكثر جدوي مثل سيناء.. خصوصا اذا كان تدبير رأس مال المشروع يمثل عبئا ثقيلا لاتتحمله الميزانية العامة. تعمير سيناء هو البديل الاكثر جدوي.. سياسيا واقتصاديا وامنيا.. فسيناء علي عكس الصحراء الغربية تحتوي علي احتياطي ضخم لمجموعة من الخامات الطبيعية والبترول والغاز الطبيعي.. وتزخر بخامات مثل الجبس والجير والكبريت والفحم وملح الطعام والرمال بألوانها المختلفة.. كما ترتبط بالاسواق المحلية والعربية والعالمية بشبكة من الطرق البرية والبحرية والجوية.. وتمر في سيناء شبكة الربط الكهربائي العربي وخط الغاز الطبيعي المصدر للاردن وسوريا واسرائيل.. بالاضافة الي قناة السويس و7 مطارات و9 موانئ بحرية و10 طرق برية من بينها الطريق الدولي الذي يربط المشرق العربي بمغربه. وتضم سيناء مشروعات عملاقة لم تكتمل بعد مثل مشروع ترعة السلام المجهزة لري 450 الف فدان.. وخط السكة الحديد.. وتتوافر فيها مساحات كبيرة من الاراضي المزروعة والاراضي الصالحة للزراعة.. وتمتلك سيناء شواطئ طويلة علي البحرين الاحمر والابيض مما يجعلها ذات إمكانات سياحية فريدة وثروة سمكية لم تستغل بعد. كل هذه العناصر قادرة علي جذب المزيد من السكان والاستثمارات العربية والعالمية.. ولعلنا نتذكر مشروع الملك عبدالله لربط مصر والسعودية عن طريق كوبري يمتد فوق خليج العقبة لتسهيل تبادل السلع وانتقال الايدي العاملة وتيسير حركة السياح والحجاج والمعتمرين ورؤوس الاموال بين البلدين. وهكذا يتأكد ان الأولوية يجب ان تكون لتعمير سيناء ليس فقط من الناحية الاقتصادية ولكن ايضا من الناحية الامنية حتي لانتركها للارهاب والارهابيين.. بالاضافة الي ان أمننا القومي يدعونا الي ان نزرعها بالبشر في كل شبر من ارضها.. وان نربطها بالدلتا لننهي عزلتها الي الابد.