بعد سنوات طويلة من الشد والجذب والجدال والنقاش حول مشروع الدكتور فاروق الباز " ممر التنمية " يخرج للنور من جديد فهذه ليست المرة الأولي التي يتقدم بها العالم المصري الشهير بمشروع ممر التنمية فقبل أكثر من 25 عاما تقدم الباز بهذا المشروع للحكومة المصرية للمرة الأولي إلا انه لم يجد استجابة فظل خلال هذه الفترة يجري المزيد من الأبحاث لتطوير المشروع وقدمه مرة أخري لحكومة نظيف عام 2005التي تحاكم الآن بعد ثورة 25 يناير التي غيرت مسار الأمور في مصر. ً حيث يقوم مشروع “ممر التنمية” على إنشاء طريق طولي يربط بين شمال مصر وجنوبها فوق الهضبة الغربية لنهر النيل بعيدًا عن ممر النهر بمسافة تتراوح بين 8-10 كيلومترات ليتفادى في طريقه منخفض القطارة وينحرف شرقًا ثم غربًا لتفادي بحيرة قارون في الفيوم ويتم ربط هذا الطريق بالوادي من خلال محاور عرضية تربطه بالمدن المصرية المختلفة في الوادي والدلتا وقد اُختِير هذا الجزء من الصحراء الغربية بُناءً على خبرة في تضاريس مصر وإمكاناتها التنموية، ويتكون الشريط المتاخم لوادي النيل من هضبة مستوية بميل بسيط من الجنوب إلى الشمال بموازاة النيل، ولا تقطع المنطقة أودية تهددها السيول كما هو الحال في شرق النيل، كذلك تتواجد مساحات شاسعة من الأراضي التي يسهُل استصلاحها لإنتاج الغذاء، إضافة إلى احتمالات تواجد المياه الجوفية، هذا الشريط بالذات تقل فيه الرمال ولا تتقاطع معه خطوط الكثبان الرملية . وفي تصريحات سابقة للدكتور الباز أكد علي أن هذا الممر يفتح آفاقاً جديدة للامتداد العمراني والزراعي والصناعي والتجاري والسياحي حول مسافة شاسعة حيث يستهدف المشروع استيعاب 20 مليون مواطن مصري وزراعة نحو مليون فدان يتم ريُّها من خلال المياه الجوفية أما الاستخدامات المنزلية والبلدية فيتم توفير المياه لها من النيل عبر أنبوب يقوم بسحب مياه النهر إلى محطات على طول الطريق كما يستهدف الممر تسهيل النقل بين أطراف الدولة حيث ُيعتبر النقل من أساسيات التقدم والازدهار على مر العصور، واعتمد قيام الدولة المصرية القديمة منذ أكثر من خمسة آلاف عام اعتمد على النيل كطريق يربط شمالها بجنوبها حيث كان ينتقل من خلاله الناس والأخبار والغذاء والمنتجات والبضائع ورجال الأمن وجامعو الضرائب وكل ما يمثل كيان الدولة وسر بقائها , كذلك اعتمد الإغريق والرومان والعرب على تسهيل وتأمين النقل في جميع أرجاء حضاراتهم وفي العصر الحالي نَمَت أوروبا الحديثة بعد إنشاء شبكات الطرق السريعة فيها، وكذلك تفوقت أمريكا على باقي العالم الغربي باستخدام ثرواتها الطبيعية أحسن استخدام ، مما استدعى إنشاء شبكة متميزة من السكك الحديدية والطرق الممتازة، الدائمة الصيانة في جميع أرجائها. و أضاف انه نتيجة الزيادة المستمرة في عدد السكان والتكدس في شريط ضيق علي ضفاف النيل يمثل ?% من مساحة أرضنا يعمل الممر علي الحد من التوسع العمراني في وادي النيل والدلتا بفتح آفاق جديدة للنمو بالقرب من التجمعات السكانية الكبرى ومجالات لا حصر لها في استصلاح أراضٍ صحراوية وإنشاء مشاريع جديدة للتنمية في مجالات التعمير والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة، كما يُعطي الممر أملاً جديداً لأجيال المستقبل باستخدام أحد عناصر الثروة الطبيعية وأقربها إلى التجمعات السكانية الحالية، وهو الشريط المتاخم لوادي النيل في الصحراء الغربية . وعلي صعيد أخر وجه الدكتور رشاد بيومي نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وأستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة انتقادات لاذعة إلى مشروع ممر التنمية الذي أعلن عنه الدكتور فاروق الباز عالم الجيولوجيا المصري واصفا المشروع بأنه “لا يقوم على أي أساس علمي أو إستراتيجي”، وأعلن رفضه واستنكاره وإبراء ذمته من اعتبار الباز للمشروع رمزا للخلاص مما تعاني منه البلاد . وأبدى بيومي أسفه لتوجيه كل مشاريع التنمية خلال الفترة الماضية إلى الصحراء الغربية مثل فوسفات أبو طرطور وتوشكي وشرق العوينات، التي صرفت عليها عشرات المليارات دون جدوى مؤكدا أن منطقة غرب النيل صحراء تغطيها هضاب من الحجر الجيري الذي لا يصلح للزراعة أو بحار الرمال التي تكثر فيها الكثبان الرملية وهذه لا يمكن أن تكون أرضا صالحة للزراعة . وقال بيومي : إن مشروع ممر التنمية يعتمد على المياه الجوفية، وهو سبب كاف لفشل المشروع بحسب قوله لأن التجارب العملية أثبتت أن المياه الجوفية في الصحراء الغربية توجد في تراكيب الحجر النوبي وقد تصل أعماق تلك التراكيب إلى أكثر من 500 متر كما أن تلك المياه الجوفية عبارة عن مصايد لماء مخزون غير متجدد حيث تنضب الآبار ويجف ماؤها بعد فترة من الاستعمال عكس الأماكن الأخرى القريبة من النيل حيث تتجدد من مياه النيل . وشبه بيومي مشروع الباز بمشروع الوادي الجديد في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما كانت الآبار في أيامها الأولى تعطي كميات كبيرة من الماء ما شجع على زراعة بعض المحاصيل ومنها القمح، ولم تمض إلا فترة وبدأت كميات المياه تقل حتى نضبت تماما . وطالب بيومي بالاتجاه شرقا بمشروعات التنمية إلى سيناء لأنها غنية بالسهول القابلة للزراعة والتي يمكن توصيل الماء إليها من خلال ترعة السلام كما أنها غنية بالخامات الإستراتيجية المهمة كالفحم والمنجنيز والحديد والسلكا والبترول وغيرها حيث يمكن تنميتها لتصبح مجتمعا عمرانيا يستقطب ملايين المصريين بجهد وتكاليف أقل لتصبح خط دفاع قوي أمام تطلعات إسرائيل في مصر . من ناحية أخرى انتقد المهندس الاستشاري والناشط السياسي الدكتور ممدوح حمزة أستاذ الهندسة المتفرغ بجامعة حلوان مشروع “ممر التنمية” الذي يطرحه للدكتور فاروق الباز وأشار إلي العديد من المآخذ العلمية والهندسية والفنية على المشروع وعدم وجود أي جدوى اقتصادية من مشروع ممر التنمية , وطالب الباز بالتوقف عن شرح وتسويق المشروع إعلاميًّا قبل دراسته واستقبال الملاحظات بشأنه من العلماء والمتخصصين. وأكد حمزة استحالة تنفيذ المشروع لأن الهضبة الغربية لنهر النيل مرتفعة عن مستوى سطح النهر وهي هضبة جيرية لا يمكن أن توجد بها مساحات زراعية تصل إلى مليون فدان كما يستهدف المشروع إضافة إلى شح المياه وصعوبة توصيل مياه النيل دون استخدام محطة رفع عملاقة مثل تلك التي تستخدم في مشروع “توشكي”. وأعرب عن استعداده لإجراء مناظرة علمية مع الدكتور فاروق الباز حول جدوى مشروع “ممر التنمية” من الجوانب كافة ومدى استفادة خطط التنمية والتوزيع الجغرافي في مصر من هذا المشروع . وأضاف أن نقل 20 مليون مواطن مصري من الوادي الضيق إلى الأراضي الجديدة حول الطريق هدف غير قابل للتحقيق ولن يحل مشكلة الوادي كما لم تستطع المدن الجديدة في 6 أكتوبر والشيخ زايد وغيرها اجتذاب أعداد كبيرة من المصريين للانتقال إليها حلا لمشكلة التكدس السكاني في القاهرة الكبرى . وأشار إلى أن المحاور التي ستربط بين طريق ممر التنمية والمدن في شمال مصر وجنوبها ستخلق مدنًا جديدة حولها تمثل عبئا على الوادي ولن تحل مشكلة التكدس السكاني في المدن القديمة إضافة إلى مساحات الأراضي المنزرعة التي يتم نزعها من الفلاحين لإنشاء الطريق والمحاور بالإضافة إلي " فروق المناسيب بالنسبة إلى المياه والتكلفة العالية للمشروع" والتي تصل إلى 24 مليار دولار أو ما يوازي نحو 180 مليار جنيه مصري” . تجدر الإشارة إلى أن الدكتور فاروق الباز أكد أن دور الحكومة في تنفيذ مشروع “ممر التنمية” سيقتصر فقط على سن القوانين لحماية المشروع لافتا إلى أن البنية الأساسية للمشروع تحتاج 450 ألف عامل يتولون حفر الترع أو تسوية الشوارع ورصفها مشيرًا إلى أن المشروع يجب أن تتبناه الدولة كسياسة وألا يقتصر على حكومة بعينها أو وزير بعينه .