اللقب الذي يستحسنه النقاد هو شاعر الرواية. ومن المفيد هنا القول أن كتابات محمد ناجي تميزت بتلك اللمسة الساحرة في التعامل مع الشخصيات. وفي دفع الأحداث في فضاء سردي مفتوح علي احتمالات عديدة. محمد ناجي الذي تعرض لمحنة المرض اللعينالسرطان قابل مرضه بنوع من الشجن العميق. وخلال رحلة العلاج لم يفقد الأمل في أن يعود لجمهور القراء. بروح وثابة وعزيمة لا تلين. وقد قرأت ما كتبه عنه صديقه الدكتور مصطفي نور الدين الذي كان يلتقيه في باريس. وعاش معه محنة المرض فنقل لنا هذا الإحساس الصوفي بالسمو علي الألم. ومجالدة الصعاب. حيث الرضا بما كتبه الله له. بل هو فرح بكل شيء في الدنيا لأن نفسه مدربة علي التعايش مع المحنة. الكتابة هي رحلة في الداخل. وهو ما يشير إلي الأبعاد الكامنة خلف النص عند ناجي. الذي يعترف أن في الكتابة تكمن لذة الاكتشاف. وحيث يعثر علي قوة الإرادة حين يواجه العالم بأفكاره التي ربما تبدو غير متداولة. يتعرف الكاتب علي ذاته من خلال الكتابة. حين يتعرف من جديد علي الأشياء. وعندما ينظر إلي الواقعية فهو يراها من خلال وضعية الشخوص في النسيج الاجتماعي. وهو يعرف أن لكل شخصية يكتب عنها نزقها ومواطن ضعفها وأحلامها التي ربما تبدو مستحيلة. يعتنق محمد ناجي رؤية جمالية تعتمد علي فهمه للتصورات الشعبية التي تمزج السحر بالخرافة. وهو حين يصنع شخصياته فهو يطلق لها العنان لتعبر عن مكنوناتها دون إملاء مسبق منه. وفي كل نص روائي يتعمق الكاتب في فهم وإدراك شخصيات من لحم ودم. تشعر شخصيات محمد ناجي بالتاريخ. وهو يحركها في مكان يعرف أبعاده. وفقا لواقع الرواية ذاتها بحيث لا يبدو المكان مجتلبا أو منتزعا من سياقه. ولعله يحاول دائما أن يسبر أغوار الشخصيات الداخلية ليعرف كيف تكون حركتها في فضاء الرواية بلا افتعال أو ابتسار. ينهض عالم محمد ناجي الروائي علي معرفة ما. فالمواقف لا يمكن أن تصنع من فراغ بل من خلال شبكة معقدة من عناصر اقتصادية وسياسية واجتماعية. علي الكاتب أن يعيد فخص الواقع ومعرفة مركز الثقل في الخريطة المعرفية التي بموجبها تتحرك القوي. وتشيد حضارات وتسقط حضارات أخري. في كتابه تسابيح النسيان يقترب من إحساس الصوفي الذي يتجرد من زخارف الدنيا باتجاه النور الكلي. هي إذن تجربة تأمل لعلاقة الحياة بالموت. يناوشها من خلال بصيرة متأملة. وهو ما يذكرنا بتجربة أمل دنقل في أوراق الغرفة رقم 8 حيث تصفو النفس من الشوائب. وتسطع بأنوار جوانية. وذاكرة تعود لمناطق البهجة وغلالات البراءة. كي تنقذ الكاتب من حالة العدم المطلق التي تواجهه بقسوة في حالة ضعفه وانكساره. فينقذه النص المرهف من العدم المطلق.