الذين اقتربوا من الكاتب والروائي والصحفي بوكالة أنباء الشرق الأوسط. يدركون تمام الإدراك أن محمد ناجي لم يسع إلي شهرة. بل كان يتجنبها. وينأي بنفسه عن مناكبها. وأمراضها. وهيمنتها علي الكتّاب والأدباء. ولم يكن شغوفا علي الإطلاق بعقد ندوات لأعماله الروائية. ولم يتكالب علي إقامة حفلات توقيع في أماكن براقة لنصوصه. وكذلك لم نجده مسافرا جوّالا في بلاد العالم مروجا لكتاباته. وربما يكون قد سافر إلي بلاد قليلة. ومن هذه البلاد كانت إسبانيا مع مجموعة كتّاب مصريين. ورغم بساطة محمد ناجي العذبة والمريحة. فإن شخصيات رواياته لم تكن كذلك. بل كانت مركبة ومعقدة. وكان يختار شخصياته من قلب الواقع . ويعيد تأملها وصياغتها والكشف عن أعماقها. وكان حريصا علي كشف العورات العميقة التي تنتاب شخصيات المجتمع . هذه الشخصيات التي تبدو لنا طبيعية. من كثرة تداولها. ولكن ناجي يفصح دوما عن أن خللا ما يكمن في هذه الشخصيات التي يكشفها الصراع. فشخوصه لا تبدو إلا في صراع دائم. صراع علي كل شئ بداية من صراع الرجال علي المرأة مثلما جاء في روايته الأفندي والصراع علي المال . حتي لو كان هذا المال أقل من القليل. مثلما جاء في روايته لحن الصباح. وكذلك الصراع في مجال الإعلام والصحافة . والكتّاب الذين يبيعون أنفسهم بثمن بخس كما جاء في روايته رجل أبله وامرأة تافهة. كان ناجي يعيش مع شخصياته العديدة دوما. ويحاول بقدر الإمكان أن يرسم شخصياته بطريقته الخاصة جدا. وهو ليس تكرارا لنجيب محفوظ. ولكنه التطور الطبيعي لواقعيته. إنها الواقعية الساخرة والدامية. وليست الواقعية الاستاتيكية. ولم يكن ناجي يبوح كثيرا بما تخفي قريحته. ولا ينوه عن مشاريعه الروائية في حوارات أو في ندوات. والندوة الوحيدة التي عقدناها له في ورشة الزيتون. وفي أعقاب حصوله علي جائزة اتحاد الكتاب. وكان مازال في بدايات رحلته المؤلمة مع المرض في أواخر عام 2009. كان ممتنا بين أصدقائه ومحبيه وقرائه. وحضر الاحتفال به نبيل عبدالفتاح وعمار علي حسن وحسن سرور وأحمد بهاء الدين شعبان وآخرون. كان ناجي ممتنا وبسيطا وهادئا. وقام ليوزع رواياته علي الحاضرين في الندوة بطريقة انسانية آسرة. إنه بسيط للغاية. وتحدث ليلتها عن مشواره الإبداعي. منذ أن كتب الشعر والمسرح. ووجد نفسه في الكتابة الروائية. وبعد صدور روايته الأولي جذبته بقوة هذه العوالم السردية. ووجد أن تاثيرا ما من الممكن أن تحدثه كتاباته. فظل يكتب ويكتب حتي نهايات رحلته الحياتية. رحم الله محمد ناجي الكاتب العظيم الذي قال لنا في ذلك اليوم البعيد: أتعهد بأن أكون الشخص الذي أحببتموه.