لقد نظّرت جماعات العنف والتكفير لأفكارها وأسستها علي مرتكزات فكرية وفقهية. من خلال فهم مغلوط للنصوص والمصادر الإسلامية بغير إلمام بأداوت الفهم والاستيعاب أو البحث والاجتهاد. فاجتزأت نصوصا وأغفلت أخري. وتوهمت أمورا لم تكن محل قول من العلماء المعتبرين قبلهم. فدلسوا وألبسوا الحق بالباطل. وانتشروا في الأرض يعيثون فيها الفساد. معتمدين في تكفيرهم للناس علي أدلة فهموها كما تراءي لهم. ولكن التحقيق ومراجعة أهل العلم المحققين في فهم هذه الأدلة يظهر أنهم غلوا في فهم هذه الأدلة وانحرفوا في تفسير هذه النصوص وزلوا في تبيان ما تقتضيه وتستوجبه. فضلوا وأضلوا. من أوائل المنطلقات التي ينطلق منها فكر الغلو والتكفير أن ما يقومون به من إراقة للدماء وإزهاق للأرواح يعد عندهم من جنس الجهاد في سبيل الله. وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول مبدأ ممارسة العنف والتكفير ونسبته إلي الجهاد. كما يثور التساؤل حول عواقب العنف والتكفير علي الإسلام والمسلمين ومجتمعاتهم المختلفة. وقد انطلقت قوافل التكفير مرتكزة علي عدد من المقولات والأسس التي تؤصل لهذا الفكر الذي ابتليت به الأمة وعانت منه قرونا عديدة. فكان الارتكاز الأول يقوم علي تكفير من لم يحكم بما أنزل الله كما ابتدعوا قاعدة تتيح لهم إطلاق التكفير علي العموم. وهي قاعدة "من لم يكفر الكافر فهو كافر" وهذه القاعدة ليست بنص من كتاب أو سنة ثم انطلق هؤلا إلي تكفير القضاة. فالقاضي الذي يعمل بالقوانين واللوائح الوضعية. والتي يرون أنها مخالفة للدين من وجهة نظرهم.. وينبني علي ذلك عند أهل التكفير أساس جديد في بنائهم التكفيري وهو قاعدة ¢تكفير الأتباع المحكومين بغير ما أنزل الله بإطلاق¢. حيث قالوا إن المسلم يرتد كافرا مشركا متي أطاع من لم يحكم بما أنزل الله تعالي واتبعه. والطاعة عندهم تكون بالعمل دون النظر إلي النية والاعتقاد. كما أنهم يكفرون عمال الحاكم لا سيما الجيش والشرطة ويستبيحون أموالهم ودمائهم أي أن تكفير الحاكم هو منبع هذه الفروع كلها في منطقهم الأعوج والذي يترتب عليه تكفير عموم الناس ومؤسسات الدول ورجالها. وفي الختام نذكر ما قاله الإمام ابن القيم من كلام ماتع عن الشريعة يؤكد علي ما ذكرناه: "الشريعة مبناها وأساسها علي الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها. ورحمة كلها. ومصالح كلها. وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلي الجور. وعن الرحمة إلي پضدها. وعن المصلحة إلي المفسدة. وعن الحكمة إلي العبث» فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده. ورحمته بين خلقه. وظله في أرضه. وحكمته الدالة عليه وعلي صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها".