شدد مرصد التكفير التابع لدار الإفتاء على إن دعوى الإرهابيين بأنهم يطبقون حدود الله، وذلك من خلال إقامة الحدود من قبل الأفراد أو الجماعات المسلحة سواء بالقتل أو غيره ،مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لافتا إلى قصة حاطب -رضي الله عنه- الذى خاطب أهل مكة يخبرهم بخروج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لحربهم وهذا بلا شكك ظاهره خيانة لله ورسوله حتى قال عمر –رضي الله عنه- "يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق " فقال له النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ومن جانبه أوضح الدكتور نجم إلى أننا نرد على أغاليط هذه الفئة الضالة بتكفير رجال الأمن من الجيش والشرطة بالآتي: أولا: الأصل في الإسلام أن من قال "لا اله إلا الله محمد رسول الله" فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء: 94 ، ومعنى قوله تعالى: " فتبينوا" أي اسألوهم هل هم مسلمون؟ وهنا يؤخذ بالظاهر، ولا يُطلب أن يُمتحن إيمانهم. وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ويلكم، أو ويحكم، انظروا، لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضُكم رقاب بعض") [رواه البخاري – برقم 3301 – في كتاب المغازي]، وكذلك قال رسول الله: (من قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله) [رواه البخاري – برقم 4136 – في كتاب الجهاد] وكذلك قول ابن عمر والسيدة عائشة رضي الله عنهما: "لا تكفير لأهل القبلة" [مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي] ثانيا : قضية التكفير من أخطر المسائل، لأن فيها استحلالاً لدماء المسلمين وحياتهم وانتهاكا لحرمتهم وأموالهم وحقوقهم، ولأن الله سبحانه وتعالى قال: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }[النساء:93] ، كذلك قال النبي: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) [رواه البخاري - 6103 - في كتاب الأدب] والله سبحانه وتعالى قد حذر تحذيراً شديداً مَنْ قَتَل مَنْ عَبَّرَ عن إسلامه نطقاً فقال: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء:90] ، وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من رمي الجار بالشرك والسعي عليه بالسيف، فقال: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن ... فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك) [رواه ابن حبان في صحيحه - 1/282] ، فلا يجوز قتل مسلم بل أي إنسان، غير مسلح وغير مقاتل. وقد جاء في قصة أسامة بن زيد عندما قتل رجلاً قال: لا إله إلا الله فقال له رسول الله : (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟. قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا) [رواه مسلم - 96- في كتاب الإيمان] ، كما لا يجوز أن يُفَسّر مقتضى عمل بتفسير غير صاحب هذا العمل إذا كان عملًا عليه اختلاف بين المسلمين ، ولا يجوز التكفير بأي مسألة عليها اختلاف بين علماء المسلمين. ثالثا : تحريف معاني الأدلة الشرعية : ومن أمثلة ذلك تحريفهم لمعنى الآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. وأخذهم بظاهرها، وانتزاعهم منها الحكم بكفر من حكم بالقوانين الوضعية بغير جحود للشريعة الإسلامية، وقد اتفق أهل السنة على تكفير من جحد الحكم بالشريعة الإسلامية دون من لَمْ يجحد ونسب العلماء القول بظاهر هذه الآية لفرقة الخوارج المارقة ، وفي ذلك يقول القرطبي في [المفهم 5/118] بعد أن نسب القول بظاهر هذه الآية للخوارج: "ومقصود هذا البحث أن هذه الآيات المراد بِهَا أهل الكفر والعناد، وأنَّهَا وإن كانت ألفاظها عامة، فقد خرج منها المسلمون؛ لأن ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق، فيجوز أن يغفر، والكفر لا يغفر، فلا يكون ترك العمل بالحكم كفرًا" ، وقال الجصاص في [أحكام القرآن 2/534] : "وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود". وقال أبو المظفر السمعاني في تفسيره (2/42): "واعلم أن الخوارج يستدلون بِهَذه الآية، ويقولون: من لَمْ يحكم بما أنزل الله فهو كافر. وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم" ، وقال صاحب "تفسير المنار" (6/406): "أما ظاهر الآية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين، بل لَمْ يقل به أحد قط". ونسب القول بظاهر الآية إلى الخوارج أيضًا الإمام الحافظ أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة"، وأبو يعلى الحنبلي في "مسائل الإيمان" وأبو حيان في تفسيره ، ومن أمثلة ذلك أيضًا تحريفهم لمعنى قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. فقد ذكر أهل السنة أن معنى قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ}. لا يستكملون الإيمان، أما الخوارج فهم الذين أخذوا بظاهره، وقالوا بنفي أصل الإيْمان؛ ولذلك قال شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – في [منهاج السنة 5/131] : "وهذه الآية مما يحتج بِهَا الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله". يعني: من غير جحود. تابع مرصد حيث رددت تلك المواقع التكفيرية فتاوى نشرها أكابرهم في الإرهاب والضلال، تعطي المشروعية لممارساتهم الدموية في استهداف رجال الشرطة وجنود الجيش وأفراد الأمن، من خلال مسوغات افتائية واهية يبررون فيها جواز قتل رجال الجيش والشرطة، بدعوى أنهم يناصرون السلطة التى يرى مدعو الفتوى أنهم بمثابة "الطاغوت". وذكر مرصد التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية ، خلال الفترات السابقة عقب حادثة العريش الإرهابية،عددا من الفتاوى، التي تصدرها تلك التيارات المتشددة، مثل ما أورده أبو جندل الأزدي، عضو لجنة الفتاوى بجماعة "التوحيد والجهاد" على موقع منبر «التوحيد والجهاد» عن حكم قتل أفراد وضباط الشرطة، موضحًا أن القاعدة عندهم أن الأصل في العاملين بجهازي الجيش والشرطة الكفر؛ حتى يظهر لهم خلاف ذلك، ويزعم أن هذا التأصيل قائم على النص ودلالة الظاهر، وليس على مجرد التبعية للبلاد التى لا تحكم بالشريعة، مؤكدا أن الظاهر في أفراد الجيش والشرطة والمخابرات، أنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين، لكونهم العين الساهرة على القانون الوضعي الكافر، الذين يحفظونه ويثبتونه وينفذونه بشوكتهم وقوتهم، ويعطلون الساعين لتحكيم شرع الله ونصرة دينه، واستند في نهاية كلامه إلي نصوص نقلها منسوبة لابن تيمية، توجب الجهاد ضد المعارضين للشريعة. وفي فتوى ثانية رصدها القائمون على المرصد، أفتى أبو أسيد المسلم - القيادي بجماعة التكفير والهجرة - في بيان نشره عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وبعض الصفحات الجهادية، أن الجنود "جيشا كانوا أم شرطة" إذا قتلوا تجري عليه أحكام الكفر من عدم غسلهم، وعدم تكفينهم، أو الصلاة عليهم، أو دفنهم في مقابر المسلمين، وغير ذلك من الأحكام، لما هو معلوم من أن الأحكام تجرى على الظاهر، والله يتولى السرائر. وقال أبو أسيد إن الجنود الذين يعملون على الحدود مناصرون لليهود علموا أم لم يعلموا، شاءوا أم أبوا. وورد على موقع التوحيد والجهاد ردا على سؤال يقول: هل الحكام كلّهم كفار لأنّهم لا يحكمون شرع الله وأنّهم ظالمون؟ هل يجوز أن أقول عنهم أنّهم كفار؟ وقد أجاب أبو حفص سفيان الجزائري، أحد من يطلقون عليهم صفة العلم مبينا، أن الله تعالى حكم بالكفر على اليهود، لتغييرهم حكما واحدا من أحكامه سبحانه وتعالى، وبالتالى فمن عطّل الشريعة كلّها، مستبدلا إيّاها بقوانين البشر وما تحويه من الظلم والجور كافر، ومن ناصره وأيده كافر أيضاً، واستشهد بنص زعم نقله عن إسماعيل القاضي كما في فتح الباري، بأن ظاهر الآيات القرآنية يدل على أنّ من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يخالف به حكم الله،وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور، حاكما كان أو غيره، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، واستدل أيضًا بما قاله محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره: "وبهذه النصوص السّماوية الّتي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أنّ الّذين يتّبعون القوانين الوضعية الّتي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلّى الله عليهم وسلّم، وأنّه لا يشك في كفرهم وشركهم إلاّ من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم"وقال نصا: كلّ ما عارض هذا الحكم الذى اطلقه ووصفه بأنه" محكم الأقوال " فإمّا أنّ يدعى بأنه قول لم يثبت عن صاحبه أو هو كلام محتمل أو أنّه رأي مرجوح. وفي فتوى أخرى رصدها القائمون على مرصد التكفير، أكد أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري، والتى يذهب فيها الى الحكم بالكفر على البلاد التى تحكم بالقوانين الوضعية، مؤكدا أن حكمه بالكفر يقتصر على حكامها، ولا يستلزم ذلك تكفير سكانها كما يصنع الخوارج، وأورد قول الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: "وزعمت الأزارقة أن من أقام في دار الكفر فهو كافر، لا يسعه إلا الخروج"[مقالات الإسلاميين 1/88]، وقال الأثرى: إن عامة الفقهاء أكدوا أنه لا علاقة لديانة أكثرية السكان في الحكم على البلاد بكونها بلاد إسلامية أم غير إسلامية؛ فإذا كانت الدار " وفق رؤيته " تحكم بأحكام الكفار كالقوانين الوضعية، فهي دار كفر وإن كان أكثر أهلها من المسلمين، وإذا كانت الدار تحكم بأحكام الإسلام، فهي دار إسلام وإن كان أكثر أهلها من الكافرين "وفق وصفه حرفيا".