«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصريون علموا العالم الوسطية ..الإمام محمد عبده «6»

مع مرور الأيام وتعاقب الأزمان يظل التاريخ يحمل لمصر فكرها وفقهها الوسطى الذى أنارت به الدنيا فكانت مهدا للوسطية من خلال فقهائها الذين حملوا صحيح الدين ونشروا وسطيته, حتى أصبحت مصر مهدا لتلك الوسطية ، ورغم المحاولات التى تتم من قبل جماعات وتيارات لتشويه الفكر الدينى المصرى إلا ان جميعها تبوء بالفشل بفضل فقهاء الوسطية المصريين الذين جعلوا من بلدهم أبية على التشدد والتطرف
لقد كان الإمام محمد عبده مفتيا يحرص على جلب المصلحة للمسلمين والرد على من يمنع الاستعانة بغير المسلمين وإن كانوا من المنافقين ومن ذلك قوله:
تجوز الاستعانة بالمنافق إجماعا؛ لاستعانته صلى الله عليه وسلم بابن أُبى وأصحابه، وفى الألوسى عند قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاه) ما مفاده: وفى الآية دليل على مشروعية التقية، وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء، سواء كانت عدواتهم مبنية على اختلاف الدين كالكفر والإسلام، وعلى أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة، إلى أن قال: وعد قوم من باب التقية مداراة الكفار والفسقة والظلمة وإلانة الكلام لهم والتبسم فى وجوهم والانبساط لهم وإعطائهم لكف أذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض، ولا يعد ذلك من باب الموالاة المنهى عنها، بل هى سنة وأمر مشروع، وقد روى الديلمى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى أمرنى بمداراة الناس كما أمرنى بإقامة الفرائض» وفى رواية: «بعثت بالمداراة». وفى الجامع: «سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا جاءوكم فرحبوا بهم». وروى أبو الدنيا: «رأس العقل بعد الإيمان بالله تعالى مداراة الناس، وفى روية البيهقى: رأس العقل المداراة»، وأخرج الطبرانى: «مدارة الناس صدقة». وأخرج ابن عدى وابن عساكر: «من عاش مداريا مات شهيدا، قو بأموالكم أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه»، وعن عائشة رضى الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس ابن العشيرة وأخو العشيرة»، ثم أذن له، فآلان له القول، فلما خرج قلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول؟! فقال: يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس -يدعه أو يدعه الناس- اتقاء فحشه»، وفى البخارى عن ابن أبى الدرداء: إنا لنكشر فى وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم، وأخرج ابن أبى شيبة عن شعيب قال: كنت مع على بن عبد الله فمر علينا يهودى أو نصرانى فسلم عليه قال شعيب: فقلت: إنه يهودى أو نصرانى فقرأ على آخر الزخرف (وقيله يارب إن هؤلآء قوم لا يؤمنون* فا أصفح عنهم وقل سلم فسوف يعلمون) وقيل لعمر بن عبدالعزيز: يف تبتدئ أهل الذمة بالسلام؟ فقال: ما أرى بأسا أن نتبدئهم. قلت: لم؟ قال: لقوله تعالى (فاصفح عنهم وقل سلم) وروى البيهقى: «ليس بحكيم من يعاشر بالمعروف من لا بد له من معاشرته حتى يجعل الله له فى ذلك مخرجا». على غير ذلك من الأحاديث، غاية الأمر: لا تنبغى المدارة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر وتسىء الظنون. إذا علمت ذلك فالاستعانة بالكفار وأهل البدع والأهواء المشار إليها فى السؤال متى خلت عما أومأنا إليه فلا بأس بها، بل هى من الأمر المشروع كما تقدم - وقد علمت نظيرها فى القرون الفاضلة المشهود لها بالخير- متى كانت الاستعانة من هؤلاء لنصرة وحفظ حوزة الملة، وحينئذ لا يجوز لأحد من الناس أن يعارضهم فى هذه الأعمال الجليلة ويسعى فى تثبيط الهمم عن معاونتهم بل الواجب على كل واحد من أفراد الأمة أن يشاركهم فى هذا العمل؛ لأنه فى البر والخير والتقوى وقد قال الله تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه، وأما حكم من يرميهم بالكفر والتضليل وسوء الاعتقاد فإن كان يعتقد أنهم كفار حقيقة بمثل هذا العمل وأنهم خرجوا عن دين الإسلام بمجرد ذلك فحديث: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما»، ظاهر فى تكفير هؤلاء المضللين، وقد نص شراح الحديث وعلماء الأمة على الأخذ بظاهر هذا الحديث بالقيد المذكور. وإن قصدوا أن هؤلاء بولايتهم للكفار واستعانتهم بهم يفعلون فعل الكفار وليسوا بكفار حقيقة، فمع افترائهم وجهلهم بالدين قد أثموا وارتكبوا جريمة تقرب من الكفر بهذه الكلمة الشنيعة التى لا تصدر من مسلم فضلا عن عالم، وفى الحديث: «أبغض عباد الله إلى الله طعان لعان»، وإن من أخلاق المؤمن ألا يحيف على من يبغض ولا يلم فيمن يحب، ولا يضيع ما استودع، ولا يحسد ولا يطغى ولا يلغى ويعترف بالحق وإن لم يشهد عليه، ولا يتنابز بالألقاب، فى الصلاة متخشعا، إلى الزكاة مسرعا، فى الزلازل وقورا، فى الرخاء شكورا، قانعا بالذى له، لا يدعى ما ليس له، ولا يجمع فى الغيظ، ولا يغلبه الشح عن معروف يريده، يخالط الناس كى يعلم، ويناطق الناس كى يفهم، وإن ظلم وبغى عليه صبر حتى يكون الرحمن هو الذى ينتصر له. هذه هى أخلاق المؤمنين،حتى إذا خرجوا منها فسدت أخلاقهم، وانطفأ نور إيمانهم، ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة حتى لا يبقى منه شىء نسأله السلامة.
وفى الفروق القرافية: اعلم أن النهى يعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح، فأعلى رتب المفاسد الكفر، وأدناها الصغائر، والكبائر متوسطة بينهما، وأكثر الناس التباس الكفر إنما هو بالكبائر، فأعلى رتب الكبائر يليها أدنى رتب الكفر، وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر، وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع وصفاته العلى أو جحد ما علم من الدين بالضرورة.
قال ابن رشد: لا يحكم على أحد بالكفر إلا من ثلاثة أوجه، وجهان متفق عليهما والثلاث مختلف فيه، فأما المتفق عليهما فأحدهما يقر على نفسه بالكفر بالله تعالى والثانى: أن يقول قولا قد ورد السماع وانعقد الإجماع أن ذلك لا يقع إلا من كافر. وإن لم يكن ذلك فى نفسه كفرا على الحقيقة، وذلك نحو استحلال شرب الخمر وغصب الأموال وترك فرائض الدين والقتل والزنا وعبادة الأوثان والاستخفاف بالرسل وجحد سورة من القرآن وأشباه ذلك مما يكون علامة على الكفر وإن لم يكن كفرا على الحقيقة والثالث المختلف فيه: أن يقول قولا يعلم أن قائله لا يمكنه مع اعتقاده والتسمك به معرفة الله تعالى والتصديق به وإن كان يزعم أنه يعرف الله تعالى ويصدق به، وبهذا الوجه حكم بالكفر على أهل البدع من كفرهم وعليه يدل قول مالك فى العتبية: ما آية أشد على أهل الأهواء من هذه الآية (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) انظر فتاوى أبى عبدالله. والحاصل أن هؤلاء المضللين المكفرين قد ارتكبوا بهذه الكلمة كبيرة من الكبائر التى تفضى إلى الكفر إن لم يكونوا معتقدين كفر هؤلاء الجماعة المتمسكين بعقائد أهل السنة وأعمال الإسلام والمسلمين، ولعلهم إن شاء الله يكونون كذلك غير معتقدين كفر هؤلاء وإنما نطقوا بهذا الكلمة نقصا وعنادا ظاهريا، فإن باب التكفير باب خطر ينبغى الاحتراز عنه ما وجد إليه سبيل، ولا يعدل بالسلامة شىء وإن كان قولهم بالكفر من الجهل العظيم والاقحام على شريعة الله تعالى وأحكامه بالجهالة وعلى عباده بالفساد والظلم والعدوان، وأما إن كانوا يكفرون أولئك الساعين فى الخير وهم يعتقدون أنهم كفار حقيقة فيكونون هم الكافرون -كما سبق فى أول الكلام للحديث- ومع ذلك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح حالهم وينقذهم من الضلالة ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
ما كتبه الأستاذ شيخ الحنابلة عندنا معاشر الحنابلة أن الشرع الشريف ألزمنا ألا نكفر أحدا من أهل القبلة إلى إذ عرض نفسه للكفر وكفر بمخالفة نما شرعه لهذه الأمة سيد البشر صلى الله عليه وسلم وكان المخالف فيه مجمعا عليه وعلماء أهل السنة والجماعة المتصفون بهذه الصفات الممدوحة شرعا من تحصيل الاتفاق والائتلاف بين فرق أهل الإسلام من غير اختلاف أو شقاق وغير ذلك من بقية الصفات التى حث عليها الشارع ليسوا كذلك وأن استعانتهم بالكفار فى تحصيل مصالح المسلمين العامة كالصنائع والجهاد وغيرها فإن الصنائع مأمور بها شرعا وقد أتصف بها أدم ومن بعده من الأنبياء والمرسلين كما نص عليه أبن عباس وقد نقل المروذى عن الإمام أحمد أنه قال فى قوم لا يعملون ويقولون نحن متوكلون هؤلاء مبتدعة واستعانة المسلمين بالكفار جائزة فى الجهاد للضرورة كضعف المسلمين ولو كان العدو من بغاة المسلمين لما روى الزهرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود فى حربه فأسهم لهم رواه سعيد. وإذا جازت الاستعانة بالكفار فى الجهاد فتحوز الاستعانة من المسلمين بهم فى غيره مما فيه مصلحة لعموم المسلمين بجامع أن كل من المصالح العامة.
وتكفير علماء أهل السنة والجماعة بالاستعانة بأهل البدع والأهواء ودخولهم فى مجالسهم واختلاطهم معهم فى هذه المصالح العامة لا يجوز شرعا وإن قال أبن مفلح فى الفروع أن الاستعانة بهم مختلف فيها قيل بالجواز وقيل بالمنع بل مكفرو هؤلاء العلماء هم الكفار قال فى منتهى الأرادات وشرحه للهوتى وعن الإمام أحمد أن الذين كفروا أهل الحق والصحابة كفار.
قال المنقح: وهو أظهر من القول بأنهم فسقة خوارج بغاة وقال فى الانصاف: والقول بتكفيرهم هو الصواب وهو الذى ندين الله به وقال ابن مفلح فى الفروع وعن الإمام أحمد أنهم كفار وقال فى الترغيب والرعاية إنه الأشهر وذكر ابن لا خلاف فيه وفى الحديث الشريف الصحيح أن من كفر أحدا بلا تأويل فقد كفر وقال الشيخ برهان الدين الحلبي: ومن كفر أخاه المسلم بغير تأويل فهو كافر يجب عليه تجديد الإسلام والوبة من ذلك وتجديد نكاحه إن لم يدخل بزوجته وكذا إن دخل بها عند أبى حنيفه وأما عندنا فالعصمة باقية إن عاد إلى الإسلام بالتوبة قبل انقضاء العدة فيجب على المسلم أن يصون من التكفير بغير موجب قطعى كل فرد من أفرد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومرتكب ذلك لغرض نفسه لا ريب هو من الضالين المحقوقين والله ولى التوفيق وقد روى أبو داود بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل والجهاد منذ بعنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار. والله أعلم.
ما كتبه الأستاذ الفاضل الحنفي: قال الله تعالى فى كتابه العزيز: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
وقال عز من قائل: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
وقال فى محكم آياته: لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.
وهى آية محكمة لم تنسخ على ما عليه أكثر أهل التأويل وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وقال عليه السلام: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وهو فى الصحيحين إذا تمهد هذا فنقول: أما تكفير المؤمن فإن مذهب أهل الحق عدم جوازه بارتكاب ذنب ليس من المفكرات صغيرا كان الذنب أو كبيرا عالما كان مرتكبه أو جاهلا وسواء كان من أهل البدع والأهواء أو لا. نص عليه عبد السلام شارح الجوهرة عند قول المصنف: «فلا نكفر مؤمنا بالوزر» وقال فى الدر: من باب المرتد: لا يفتى بالكفر بشىء من ألفاظه إلا فيما اتفق المشايخ عليه وقال فى جامع الفصولين: لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فى ه وما يشك فى أنه ردة لا يحكم به إذ الإسلام الثابت لا يزول بالشك مع أن الإسلام يعلو وينبغى للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام.
وقال فى الفتاوى الصغري: الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر وقال فى الخلاصة وغيرها: إذا كان فى المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنعه فعلى المفتى أن يميل إلى الوجه الذى يمنع الكتفير تحسينا للظن بالمسلم وقال فى التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية فيستدعى نهاية الجناية ومع الاحتمال لا نهاية وفى رد المحتار: «من باب البغاة» ما يفيد إجماع الفقهاء المجتهدين على عدم تكفير أهل البدع قال: وإن ما يقع من تكفير أهل مذهب لمن خالفهم ليس من كلام الفقهاء الذى هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء وفى الدر وحواشيه «من باب الإمامة»: من كان من قبلتنا لا يكفر بالبدعة حتى الخوارج الذين يستحلون دماءنا وأموالنا وسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير الشيخين وينكرون صفاته تعالى وجواز رؤيته لكونه عن تأويل وشبهه، والمراد بالخوارج من خرج عن معتقد أهل الحق لا خصوص الفرقة التى خرجت على علىّ فيشمل المعتزلة والشيعة.
وأما الاستعانة بالكفار وبأهل البدع والأهواء على نصرة الملة الإسلامية فهذا مما لا شك فى جوازه وعدم خطره يرشد إلى ذلك الحديث الصحيح المار ذكره: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله.
وقال فى الدر المختار من كتاب الغنائم عند قول المصنف أو دله الذمى على الطريق ومفاد جواز الاستعانة بالكافر عند الحاجة وقد استعان عليه الصلاة والسلام باليهود على اليهود ورضها لهم وفى شرح العينى على البخاري: أن النبى عليه السلام استعان بصفوان بن أمية فى هوازن واستعار منه مائة درع وهو مشرك.
وفى المحيط من كتاب الكسب: ذكر محمد فى السير الكبير: لا بأس للمسلم أن يعطى كافرا حربيا أو ذميا وأن يقبل الهدية منه كما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث خمسمائه دينار إلى مكة حين قحطوا أو أمر بدفعها إلى أبى سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرقاها على فقراء أهل مكة ولأن صلة الرحم محمودة فى كل دين والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق.
وفى شرح السير الكبير للسرخسي: لا بأسس أن يصل الرجل المسلم المشرك قريبا كان أو بعيدا محاربا كان أو ذميا وفى الدر المختار «من كتاب الوصايا»: أوصى حربى أو مستأمن لا وارث له هنا بكل ماله صح وكذا لو أوصى له مسلم أو ذمى جاز. ثم قال: وصاحب الهوى إذا كان لا يكفر فهو بمنزلة المسلم فى الوصية وقال الفخر الرازى فى تفسير قوله تعالي: «إنما ينهكم الله عن الذين قتلوكم» على قوله تعالى «أن تولوهم»: قال أهل التأويل: هذه الآية تدل على جواز البر بين المشركين والمسلمين وإن كانت الموالا منقطعة وفى البخارى ما يدل على وصية عمر رضى الله عنه بالقتال عن أهل الذمة ولا يكلفون إلا طاقتهم. هذه هى نصوص الفقهاء وأصحاب الحديث وأهل التفسير فى وجهى السؤال وبما تندفع كل شبهة فى عمل هؤلاء الموفقين لخير أهل الملة الحنيفية السمحاء العاملين فى تحصيل الائتلاف والاتفاق بين فرق أهل الإسلام الداخلين بتربية أيتام المسلمين فى قوله صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح البخاري: «أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا وأشار بأصبيعه السبابة والوسطي».
المجاهدين بعملهم هذا لإعلاء كلمة الله ونصرة الموحدين ولا يمنع من صحة عملهم دخولهم فى مجالس أهل البدع واختلاطهم معهم فى هذه المصالح العامة متى كانت نيتهم تحصيل ذلك الخير العام فإن الأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى والله أعلم.
كما يجوز أن يكون هذا الوزير من أهل الذمة وإن لم يجز أن يكون وزير التفويض منهم. واستعانة الخلفاء من بنى أمية وبنى العباس بأرباب العلوم والفنون من الملل المختلفة فيما هو من فنونهم مما لا يمكن لصبى يعرف شيئاً من تاريخ الأمة إنكاره، وقد كانوا يستعينون بهم على أعين الأئمة والعلماء والفقهاء والمحدثين بدون نكير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.