«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام محمد عبده مفتيا(2 2)
نشر في محيط يوم 25 - 07 - 2012


مركز "محيط " للدراسات السياسية والإستراتيجية

سمات الإمام محمد عبده وأثرها في نتاجه الإفتائي

تميز الإمام محمد عبده بسمات نبيلة أصيلة أثرت في منهجه العلمي وتراثه الإفتائي؛ وهذه الصفات واضحة جلية تتيح لكل من طالع تراثه الإفتائي أن يقرأ تلك السمات بوضوح، ولتعدد تلك السمات نتخير أهمها ونمثل لكل سمة منها بفتوى.

1- بعد النظر واعتبار المآلات

كان – رحمة الله – فقيهاً بارعاً ينظر إلى العواقب والمآلات وإل المفاسد والمصالح، وهناك أمثلة كثيرة تؤكد تلك السمة الأساسية في فكرة الإمام محمد عبده نتخير منها تلك الفتوى، حيث سئل: عن زوجة ارتدت عن الإسلام بقصد فسخ النكاح وعادت إلى الإسلام فورا فهل يفسخ النكاح رداً لقصدها أو لا يفسخ ولا ينفذ قصدها؟ وإذا فسخ فما حكم الصداق؟ هل يقرر علي الزوج بالدخول أو يلزمها حيث أن الفسخ من جهتها وأن الزوج تركها من مدة ثلاثة شهور ولم يسأل عنها إلى الآن.

فأجاب: قال في الفتح قد أفتي الدبوسي والصفار وبعض أهل سمرقند بعدم وقوع الفرقة بالردة رداً عليها. وغيرهم مشوا على الظاهر. ولكن حكموا بجبرها على تجديد النكاح مع الزوج. ولما كان الإجبار على النكاح غير متيسر ولا نفاذ له وكان كثير من الزوجات قد اتخذن دينهن لعبة يخلعنه كلما أردن التخلص من أزواجهن، وهي وسيلة من أقبح الوسائل وجب لذلك إقفال هذا الباب في وجوههن خصوصاً مع تعذر إجراء أحكام الردة عليهن كما هو معلوم فلهذا لا ينفسخ النكاح ولا تقع الفرقة بمجرد ردة الزوجة بل تبقي الزوجة في عصمة زوجها والمهر واجب عليه بالدخول لا يسقط بردتها كما هو ظاهر والله أعلم.

ويؤكد تلك السمة كذلك إجابته عن هذا السؤال؛ حيث سئل عن: رجل أقر أنه كان من طائفة الدروز ويريد الآن أن يترك ما كان عليه من الاعتقادات الدرزية ويعتنق الدين الإسلامي الحنيف المبين. فهل والحالة هذه إذا أتي بالشهادتين مع عبارة التبري من جميع ما يخالف دين الإسلام يعتبر بنظر الشرع مسلماً ويعامل معاملة المسلمين فوراً ولا يعد منافقاً، وإذا صح إسلامه بتلك الصيغة فما حكم من لم يقبل إسلامه من المسلمين، وهل يشترط لقبول إسلامه أن يكون رسمياً؟ أرجو الجواب.

فأجاب: الذي قالوه إنه متى جاء الدرزي ونحوه طائعاً معلناً بأنه كان على عقيدته وأنه رجع عنها متبرئاً من كل دين يخالف دين الإسلام وجب قبول قوله واعتبر مسلماً. وقالوا كذلك إن من لم يقبل رجوع من يريد الأوبة إلى الإسلام يكون راضياً ببقائه على الكفر وقالوا إن أقل ما في ذلك أن يكون آثماً مسيئاً ثم إنه ليست لنا سنة نتبعها في اعتبار المتحول إلى الإسلام مسلماً منا، له مالنا وعليه ما علينا في أخوة الدين إلا سنه نبياً محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان عليه السلام يقبل الرجعة إلي الإسلام بعد الردة والإخلاص بعد الردة والإخلاص بعد النفاق ولم يكن ينظر إلى من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن القرآن حق والآخرة حق وأن جميع ما فرضه الله في كتابه واجب الأداء وما منعه يجب عنه الانتهاء إلا نظرة المسلم للمسلم ولم يكن يفرق بين المسلمين في الإسلام إلا أن يطلعه الله على مكان شخص من نفاق أو قامت له على ذلك شواهد قاطعة. وكتب السنة شاهدة بذلك فكيف لا نقنع من الناس ما قنع منهم وكيف نطالبهم بأكثر مما طالبهم به وهو صاحب الشريعة وإليه المرد عند النزاع.

فهذا الدرزي الذي اعترف بما كان عليه وجاء الآن طائعاً من نفسه يشهد أنه على الدين الحق وأنه ينبذ كل دين يخالفه. يعد مسلماً حقاً. ومن لم يقبل منه ذلك يخشي أن يبوء بها نعوذ بالله فليتق الله المسلمون وليرجعوا إلى حكم الله وحكم رسوله ولا يكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم والله ينقذهم مما صاروا إليه وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

أما اعتبار الراجع إلى العقيدة الصحيحة مسلماً فلا يحتاج إلى أن يكون ذلك من طريق رسمية بل يكفي أن يعلم الله عنه ذلك ثم في جريان أحكام المسلمين عليه لا يحتاج إلا إلى أن يعرف الناس منه ذلك وتبين أمره بين من يعرفونه. والله تعالي أعلم.

2- إحاطته بالقوانين والنظم في بلده وبلاد العالم

ينبغي أن يكون العالم على دراية كاملة بقوانين بلاده، وكذلك البلاد الأخرى كلما أمكن، ويعكس ذلك انخراطه في مجتمعه ومحاولة تأثيره فيه وإصلاحه له، لأن العالم وخاصة المفتي لابد أن يفتي بما لا يضع السائل في حرج ولا حيرة وهذا لا يتأتي إلا بالاطلاع على قوانين البلاد. وكان الإمام محمد عبده كذلك، فكان يحيط بالقوانين والأعراف الدولية، ويعلم توصيف الشرعي لها، ويتجلي هذا في تلك الفتوى التي سئل فيها: عن المسلم إذا دخل بمملكة إسلامية. هل يعد من رعيتها. له ما لهم وعليه ما عليهم على الوجه المطلق. وهل يكون تحت شرعها فيما له وعليه عموماً وخصوصاً. وما هي الجنسية عندنا. وهل حقوق الامتيازات المعبر عنها عند غير المسلمين بالكبيتولاسيون موجودة بين ممالك الإسلام مع بعضهم بعضاً؟

فأجاب: "من المعلوم أن الشريعة الإسلامية قامت على أصل واحد، وهو وجوب الانقياد لها على كل مسلم في أي محل حل وإلي أي بلد ارتحل، فإذا نزل ببلد إسلامي جرت عليه أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك البلد، وصار له من الحق ما لأهله، وعليه من الحق ما عليهم، لا يميزه عنهم مميز ولا أثر لاختلاف البلاد في اختلاف الأحكام.

نعم قد يكون الحاكم في بعض الأقطار حنفياً وفي بعضها مالكياً مثلاً، ولكن هذا لا أثر له في الحق للشخص أو عليه. فمتى قضي له أو عليه فله ما قضي له به وعليه أداء ما قضي به عليه علي أي مذهب كان متي كان القاضي مولي من طرف الحاكم العام إذا حكم الحاكم يرفع الخلاف.

ولا ذكر لاختلاف الأوطان في الشريعة الإسلامية إلا فيما يتعلق بأحكام العبادات من قصر الصلاة للمسافر أو جواز الفطر في رمضان مثلا، وقد يتبع ذلك شيء في اختصاص المحاكم من حيث تعيين الجهة التي يكون لقاضيها الحق في أن يحكم في الدعوي التي ترفع إليه من شخص على آخر، هل هي محل المدعي أو محل المدعي عليه غير أن شيئاً من ذلك لا يغير من حق للمدعي أو المدعي عليه.

فالشريعة واحدة والحقوق واحدة يستوي فيها الجميع في أى مكان كانوا من البلاد الإسلامية، فوطن المسلم في البلاد الإسلامية هو المحل الذي ينوي الإقامة فيه ويتخذ فيه طريق كسبه لعيشه، ويقر فيه مع أهله إن كان له أهل، ولا ينظر إلى مولده ولا إلى البلد الذي نشأ فيه، ولا يلتفت إلى عادات أهل بلده الأول، ولا إلى ما يتعارفون عليه في الأحكام والمعاملات. وإنما بلده ووطنه الذي يجري عليه عرفه وينفذ فيه حكمه هو البلد الذي انتقل إليه واستقر فيه. فهو رعية الحاكم الذي يقيم تحت ولايته دون سواه من سائر الحكام، وله من حقوق رعية ذلك الحاكم وعليه ما عليهم لا يميزه عنهم شيء لا خاص ولا عام. أما الجنسية فليست معروفة عند المسلمين، ولا لها أحكام تجري عليهم لا في خاصتهم ولا عامتهم. وإنما الجنسية عند الأمم الأوروبية تشبه ما كان يسمي عند العرب عصبية. وهو ارتباط أهل قبيلة واحدة أو عدة قبائل بنسب أو حلف يكون من حق ذلك الارتباط أن ينصر كل منتسب إليه من يشاركه فيه.

وقد كان لأهل العصبية ذات القوة والشوكة حقوق يمتازون بها على من سواهم. جاء الإسلام فألغي تلك العصبية ومحا آثارها وسوي بين الناس في الحقوق فلم يبق للنسب ولا لما يتصل به أثر في الحقوق ولا في الأحكام.

فالجنسية لا أثر لها عند المسلمين قاطبة. فقد قال صلى الله عليه وسلم إن الله أذهب عنكم عبيه (بضم العين وكسر الباء المشددة وفتح الياء أي- عظمة) الجاهلية عظمتها وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وأدم خلق من تراب، وروى كذلك عنه ليس منا من دعا إلى عصبية وبالجملة فالاختلاف في الأصناف البشرية كالعربي والهندي والرومي والشامي والمصري والتونسي والمراكشي مما لا دخل له في اختلاف الأحكام والمعاملات بوجه من الوجوه. ومن كان مصرياً وسكن بلاد المغرب وأقام بها جرت عليه أحكام بلاد المغرب، ولا ينظر إلى أصله المصري بوجه من الوجوه.

وأما حقوق الامتيازات المعبر عنها بالكابيتولاسيون فلا يوجد شيء منها بين الحكومات الإسلامية قاطبة. فهذه بلاد مراكش وبلاد أفغانستان لكل من البلدين حكومة مستقلة عن الأخرى. وكلا الحكومتين مستقل عن الدولة العثمانية، ولا يوجد شيء من حقوق الامتيازات بين حكومة من هذه الحكومات وأخري منها.

وما نراه من الوكلاء لحكومة مراكش مثلاً من الممالك العثمانية لا يعتبرون سفراء مثل سفراء الدول الأجنبية، وإنما هم وكلاء لشخص الحاكم ورجال دولته لقضاء بعض المصالح الخاصة ولمساعدة مواطنيهم فيما يعرض لهم من الحاجات، ولا أثر لهم فيما يدخل في الشرائع والأحكام، وما يوجد من أثر الامتياز في الحقوق لرعية شاه العجم أو سلطان مراكش في بعض الممالك الإسلامية كمصر فإن الإيرانيين والمغاربة قد نالوا ضرباً من الامتياز بالتقاضي إلى المحاكم المختلطة من عدة سنوات. ذلك الذي تراه من أثر الامتياز يناقض أصول الشريعة الإسلامية كافة.

فلا أهل السنة يجيزونه ولا مجتهدو الشيعة يسمحون به، وإنما هو شيء جر إليه فسوق بعض الرعايا وميل المحاكم المختلطة إلى التوسع في الاختصاص. وما قضت به بعض القوانين المصرية من أن سائر العثمانيين لا ينالون حق التوظف في مصالح الحكومة المصرية، ولا حق الانتخاب في مجالس شوراها إلا بقيود مخصوصة يشبه تقرير الحقوق في انتخاب مجالس البلدية فمجلس بلدية الإسكندرية مثلاً لا يدخل في انتخاب أعضائه المقيم بالقاهرة. فهو من باب تفضيل سكان المكان على سكان غيرهم، وإيثارهم أولئك بالنظر في المنافع علي هؤلاء لقربهم مع استواء الكل في الانتساب إلى شريعة واحدة، واشتراكهم في الحقوق التي قررتها الشريعة بلا امتياز. هذا ما تقضي به الشريعة الإسلامية على اختلاف مذاهبها. لا جنسية في الإسلام ولا امتياز في الحقوق بين مسلم ومسلم.والبلد الذي يقيم فيه المسلم من بلاد المسلمين هو بلده ولأحكامه عليه السلطان دون أحكام غيره، والله أعلم.

3- إحاطته بأعراف غير المسلمين

كلما زادت سعة اطلاع العالم بأعراف غير المسلمين وعرف مصطلحاتهم، كلما مكنه ذلك من فهم الواقع وإدراكه بالشكل السليم، مما يتيح له القدرة على الإفتاء السليم، ومما يجلي تلك السمة التي كان يتميز بها الإمام هذا السؤال، سئل: عن رجل تعهد لابنته بمبلغ من النقود بصفة دوطة حسب العوايد المسيحية في الزواج يدفعه لها عند زواجها لتشتري به عقاراً لها على شرط أنه إذا مات قبلها يخصم من نصيبها في تركته وقد تزوجت قبل أن تهتدي علي العقار اللازم شراؤه فاتفق الطرفان على بقاء مبلغ الدوطة تحت يد الوالد إلى وقت الطلب لشراء العقار وقد استثمر الوالد هذا المبلغ ودفع لابنته ما استحق لها من ثمرته مدة، ثم ماتت البنت عن زوجها وولدها منه قبل أداء هذا المبلغ من والدها، فهل للزوج والولد أن يطالبا والدها بما يخصهما في المبلغ المذكور أو يجوز للوالد أن يدعي أن ابنته لم تملكه لعدم القبض قبل وفاتها؟

فأجاب فضيلة الإمام بقوله: "حيث إن مبالغ الدوطة في عرف المسيحيين هي كمبالغ المهور عند المسلمين فكما يلزم ملغ المهر في ذمة والد الزوج إذا ألزم نفسه به فكذلك يلزم مبلغ الدوطة في ذمة والد الزوجة متى ألزم به نفسه كما في حادثتنا فالمبلغ الذي ألزم به نفسه الوالد في واقعتنا يعتبر ديناً لازماً لذمته كسائر الديون التي تلزم الذمة ولا يعتبر من قبيل الهبة التي لا تتم إلا بالقبض خصوصاً وقد شرع الوالد في استثمار المال باسم ابنته وقد قبضت مبلغاً من ثمرته فلا ريب أن المبلغ يعتبر تركه لتلك البنت ولزوجها وولدها حق المطالبة بنصيبهما منه وليس للوالد حق الامتناع من تأديته لهما والله أعلم"

4- تكريم المرأة وإعطائها حقوقها

سبق الإمام محمد عبده المجتمع الغربي، كما سبق الإسلام كل الحضارات في قضية تكريم الإنسان بنوعية الذكر والأنثى، ولما كان الإمام محمد عبده يسير على نهج العلماء العاملين المدركين لحقيقة الإسلام، ظهر ذلك في فكره وتراثه، فكان يرى أن للمرأة حقوق لا يجوز للرجل أن يمنعها عنها، وتتجلي هذه السمة في تلك الفتوى، سئل: شخص تزوج بامرأة، وكلما أرادت أن تزور أبويها يمنعها زوجها ويدعي أن ذلك لا يجوز شرعاً، فما الحكم؟

فأجاب فضيلة الإمام عبده بقوله: "صرحوا بأنه لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين في كل جمعة إن لم يقدرا على إتيانها على ما اختاره في الاختيار. ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة. كذا في التنوير وشرحه. وهو ما اختاره في فتح القدير حيث قال وعن أبي يوسف في النوادر تقييد خروجها بأن لا يقدرا على إتيانها فإن قدرا لا تذهب وهو حسن. وصرح بأن الأخذ بقول أبي يوسف هو الحق إذا كان الأبوان بالصفة التي ذكرت، وإلا ينبغي أن يأذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف.

أما في كل جمعة فبعيد. فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصاً إذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات بخلاف خروج الأبوين فإنه أيسر. وهذا ترجيح منه لخلاف ما ذكر في البحر أنه الصحيح المفتي به من أنها تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبدون إذنه، وللمحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه كذا في رد المختار وصرح في البحر بأن الخروج للأهل زائداً على ذلك يكون لها بإذنه.

وعلي ذلك يجوز لهذه المرأة أن تخرج إلى أبويها في كل جمعة أذن لها الزوج أن لم يأذن، ولها أن تخرج إلى المحارم كذلك كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه كما أن لها أن تخرج إلى الأهل كذلك كل سنة مرة بالإذن وبدونه. أما خروجها زائداً على ذلك للأهل فيسوغ لها بإذنه. والله أعلم.

5- تمسكه بالحقوق وعدم ضياعها بالتقادم

كان الإمام محمد عبده مجاهداً وطنياً اشترك في ثورات ضد الاحتلال ونفي خارج البلاد، وكان يترسخ في فكره ثبات الحقوق لأهلها وأنها لا تضيع بالتقادم، وكان ذلك بسبب العقلية الفقهية، وأثر في الفتاوى في المسائل الخاصة الفرعية، فقد سئل: عن رجل صدر له حكم من مجلس بني سويف الملغي بتاريخ 20 ذو القعدة سنه 302 بإلزام محمد عبد الهادي بأن يدفع له مبلغ 4940.016 وقد بقي هذا الحكم بلا تنفيذ حتى ألغي المجلس لإفلاس المحكوم عليه ثم افتتحت المحاكم الأهلية بالوجه القبلي وفي 5 ربيع الأول سنه 319 أعلن هذا الحكم للمحكوم عليه لأجل تنفيذه فعارض المحكوم عليه بسقوط حكم المجلس الملغي لمرور مدة تزيد عن خمسة عشرة سنة وبأن منع القاضي من سماع الدعوي بعد مرور الزمن نتيجة سقوط الحق وبأن القول بعد سقوط بتقادم الزمان هو أن صاحبه لو تمكن من الحصول عليه بدون واسطة القضاء لحل له أخذه ديانة. فهل يوجد بأحكام الشريعة نص يسقط الحكم بمرور الزمن وهل ما قيل موافق للشريعة. أفتونا في هذه الحادثة.

فأجاب: من هذا السؤال يظهر أن المحكوم عليه لا يزال مقراً بهذا المبلغ الذي حكم به عليه، غاية الأمر أنه يعارض بسقوط الحكم بالنظر لما ذكر والذي يقتضيه الحكم الشرعي أنه مع الإقرار به يلزمه، لأن الإقرار حجة معتبرة يعامل به المقر ولو طال الزمن مادام لم يأخذ صاحب الحق حقه، لأن الحق لا يسقط بتقادم الزمان ولا بعدم أخذه مع التمكن فلا عبرة بما عارض به المحكوم عليه والله تعالي أعلم.

6- وحدة المجتمع وعدم انفصال المسلم عن مجتمعه

كان الإمام محمد عبده يحب أن يظهر المسلمين في كل مكان في مظهر حضاري، يندمجون في المجتمع مع الاحتفاظ بهويتهم، ويؤثرون فيه بالصلاح والخير، ويتأثرون منه فيما لا يعارض عقيدتهم ودينهم، لذلك كان يوضح للمسلمين الأمور في القضايا التي قد تختلط فيها تلك المعاني عليهم، فقد سئل في فتوى عن عدة أشياء:

أولاً: يوجد أفراد في بلاد الترنسفال تلبس البرانيط لقضاء مصالحهم وعودة الفوائد عليهم هل يجوز ذلك؟

ثانياً: إن ذبحهم مخالف لأنهم يضربون البقر بالبلط وبعد ذلك يذبحون بغير تسمية، والغنم يذبحونها من غير تسمية هل يجوز ذلك.

فأجاب- رحمة الله-: أما لبس البرنيطة إذا لم يقصد فاعله الخروج من الإسلام والدخول في دين غيره فلا يعد مكفراً. وإذا كان اللبس لحاجة من حجب شمس أو دفع مكروه أو تيسير مصلحة لم يكره كذلك لزوال معني التشبه بالمرة. وأما الذبائح فالذي أراه أن يأخذ المسلمون في تلك الإطراف بنص كتاب الله تعالي في قوله: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم)(المائدة: 5)، وأن يعولوا على ما قاله الإمام الجليل أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب فسيسهم وعامتهم ويعد طعاماً لهم كافة. فمتى كانت العادة عندهم إزهاق روح الحيوان بأي طريقة كانت وكان يأكل منه بعد الذبح رؤساء دينهم ساغ للمسلم أكله لأنه يقال له طعام أهل الكتاب ولقد كان النصارى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على مثل حالهم اليوم، خصوصاً ونصارى الترنسفال من أشد النصارى تعصباً في دينهم وتمسكهم بكتبهم الدينية، فكل ما يكون من الذبيحة يعد طعام أهل الكتاب متي كان الذبح جارياً على عادتهم المسلمة عند رؤساء دينهم ومجيء الآية الكريمة (اليوم أحل لكم الطبيات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) بعد آية تحريم الميتة وما أهل لغير الله به بمنزلة دفع ما يتوهم من تحريم طعام أهل الكتاب؛ لأنهم يعتقدون بألوهية عيسي وكانوا كذلك كافة في عهده صلى الله عليه وسلم إلا من أسلم منهم.

ولفظ أهل الكتاب مطلق لا يصح أن يحمل على هذا القليل النادر. فإذن تكون الآية كالصريحة في حل طعامهم مطلقاً، متى كانوا يعتقدونه حلاً في دينهم دفعاً للحرج في معاشرتهم ومعاملتهم. والله أعلم.

7- التيسير على المسلمين

الإسلام دين يسر، قال تعالي: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو علي سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وليكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون). (البقرة: 185). وقال سبحانه: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) (النساء: 28)، وقال تعالي: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدني من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضي وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) (المزمل: 20). من أجل انطباع تلك الصور في قلوب العلماء العاملين قال سفيان الثوري- رحمة الله- إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشدد فيحسنه كل أحد، وكان الإمام محمد عبده خير من عبر عن ذلك التيسير في منهجه العلمي والفكري، ولعلنا نرى ذلك التيسير في فتوى سئل فيها عن بداية الشهر العربي هل بالهلال أو بالحساب؟

فأجاب: المقرر شرعاً أن أول الشهر إنما يعرف برؤية الهلال ويثبت ذلك بالشهادة المعروفة عند أهل الشرع، لا فرق في ذلك بين رمضان وشوال وغيرهما.

أما العلم بالحساب ففيه خلاف بين علماء بعض المذاهب والمعول عليه أنه لا يلتفت إلى الحساب لأن أحكام الدين الإسلامي مبنية على الأسهل والأيسر للناس في أي قطر كانوا وأي بقعة وجدوا. وأما مظان وجود هذه الحكم فهو أبواب الصوم في جميع كتب الفقه المعتبرة والله أعلم.

8- اجتماع علماء المسلمين وعدم الاستقلال بالفتوى، درء المفاسد وجلب المصالح للمسلمين، التيسير على المسلمين في حياتهم وتمكينهم من نصر دينهم

كل هذه المبادئ تتضح وتتجلي في تلك الفتوى الطويلة التي وجهت إليه من الهند، حيث قام بإعداد فتوى جماعية من كبار العلماء وكتبها وأرسلها وأخبر عن ذلك، ولحفظها كوثيقة يطلع عليها الناس نذكرها بنصها كما جاءت في المجلد الثاني من فتاوى دار الإفتاء نمرة 264 في 9 محرم 1322، وكان نصها:

"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اما بعد فقد ألقي إلى أستاذ من أساتذة الجامع الأزهر- وهو موظف كبير في المحاكم الشرعية- سؤالاً ورد من الهند إلى بعض أنبائه[1] يطلب الجواب عليه، والسؤال موجه إلى العلماء، لا إلى عالم واحد، كما هو مذكور في نصه، فرأيت أن يكون الجواب عليه محتوياً على كثير من أفاضل العلماء. وقد انتدب حضرة حامل السؤال إلى كتابة ما يجده من الكتاب والسنة وأقوال علماء الحنفية في موضوعه. وأرسلت بنسخة من السؤال إلى حضرة الأستاذ الشيخ الحنابلة في الجامع الأزهر، فورد منه ما رأي أن يجيب به. وكلفت جماعة من أساتذة الشافعية والمالكية أن يكتبوا ما يعتقدون أنه الحق في جواب السؤال، فكتبوا وأشبعوا جزاهم الله خيراً.

وإني ابتدئ بما أجاب به أفاضل الشافعية والمالكية بعد ذكر السؤال، ثم أثني بجواب شيخ الحنابلة، وأختم بمقال الأستاذ الحنفي، ثم بما يعن له أن أضم إلى أقوال جميعهم. والله الموفق إلى الصواب، وهو الهادي إلى الصراط المستقيم.

والسؤال: ما يقول السادة العلماء في جماعة من المسلمين يقرون أنهم على عقيدة أهل السنة والجماعة ومن تابعي فقهاء الأئمة الأربعة، ويسعون في تحصيل الألفة والاتفاق بين أهل الإسلام، ويدعون أهل الثروة واليسار إلى تربية أيتام المسلمين، وإلي إشاعة الإسلام في مقابلة حملات الكتابيين وصولات الوثنيين. إلا أنهم مع ذلك يستعينون بالكفار وأهل البدع والأهواء لنصرة الملة الإسلامية وحفظ حوزة الأمة المحمدية، وجمع شملهم واتحاد كلمتهم. فهل مثل هذه الاستعانة تجوز شرعاً، وهل لها نظير في القرون الثلاثة الفاضلة المشهود لها بالخير. وهل يجوز لأحد من المسلمين أن يعارضهم في هذه الأعمال الجليلة والمقاصد الحسنة، ويسعي في تثبيط الهمم عن معاونتهم والتنفير من صحبتهم نظراً إلى أنهم يستعينون فيها بالكفار وأهل البدع والأهواء ويدخلون مجالسهم ويخالطونهم لمثل هذه المصالح العامة. وما حكم من يرميهم بمجرد هذه الأعمال بالكفر والتضليل وسوء الاعتقاد والخروج عن أهل السنة والجماعة، أفيدوا الجواب ولكم الثواب.

ما كتبه جماعة من أفاضل المالكية والشافعية: أما السعي في تحصيل الألفة والاتفاق بين أهل الإسلام فلا نزاع في أنه أفضل الأعمال الدينية وأعظمها عند الله تعالي، فإن التآلف والتودد بين المسلمين هو مدار الإيمان وأساس الإسلام والسبب الوحيد لنظام المدنية وقوام المجتمع الإنساني ومدار سعادته في الأولي والآخرة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ به وبيان فوائدة في كثبر من الأحاديث فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا". وقوله: "لا يؤمن عبد حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير". وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا يؤمن جاره شره" [2]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "نظر المؤمن إلى أخية المؤمن حباً له وشوقاً إليه خير من اعتكاف سنة في مسجدي هذا". وقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال أن تدخل علي أخيك المؤمن سروراً أو تقضي عنه ديناً". قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الفضائل أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس، ومن أصلح جوانبه أصلح الله برانيه". ومن تأمل في قوله تعالي: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون). (الحجرات: 10). وقوله تعالي: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال: 46)، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانا" وقوله صلى الله عليه وسلم: "دب فيكم داء الأمم قبلكم ألا وهي البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالقة، ولا أقول حالقة الشعر وإنما هي حالقة الدين"

من نظر في ذلك كله عرف ما للسعي في تحصيل الألفة والمحبة بين الناس من المكانة في الدين، وأنه من أعظم الأعمال وأفضل الخصال، وعرف وجه حث الشرع عليه والتنويه بشأنه وتعظيم قدره. وأما تربية أيتام المسلمين ودعوة المثرين إليها فمن الأمر المعروف في الدين ومن أفضل أعمال البر وأحبها عند الله تعالي، والسنة مملوءة بطلب الرفق بالأيتام والضعفاء والمساكين ففي الحديث: "من أحسن إلى يتيم أو يتيمة كانت أنا وهو في الجنة كهاتين". وفيه: "خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنة كهذا- وقال بأصبعين السبابة والوسطي".

وفيه: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، أرحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك". وكان عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم عنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكي [3] قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالناس، وكان لليتيم كالوالد، وكان للمرآة كالزوج الكريم، وكان أشجع الناس قلباً، وأوضحهم وجهاًن وأطيبهم ريحاً، وأكرمهم حسباً، فلم يكن له مثل في الأولين والآخرين.

إلى غير ذلك من الأحاديث. أما القرآن فكثيرا ما قرن بين اليتامى وذي القربى والمساكين وابن السبيل في مقام الأمر بالإحسان والعبادة، قال تعالي: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً) (النساء: 36)، وقال: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائمة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (البقرة 177) إلى غير ذلك من الآيات.

وأما إشاعة الإسلام في مقابلة حملات الأجانب والدعوة إليها فهي أول مسألة من مسائل الدين وأساس وجوده وعليها حفظ كيانه وبقائه، بل هي النوع الميسور الآن من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالي كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (المائدة: 67)، وقال تعالي: (فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) (الحجر: 94)، وقال تعالي: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (التوبة: 122)، وقال تعالي (وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لم اتبعك من المؤمنين) (الشعراء: 214، 215)، (وقل إني أنا النذير المبين) (الحجر: 879) إلى غير ذلك من الآيات.

وفي الحديث عن طارق قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز قمر وعليه جبة حمراء وهو ينادي بأعلى صوته: "يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"ورجل يتبعه بالحجارة وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه". وعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: الله ولرسوله ولكتابة ولأئمة المؤمنين[4] [وعامتهم] [5]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم" والآيات والأحاديث في هذا الباب [أكثر][6] من أن تحصر، وليست هذه المسائل الثلاثة من محل الخلاف بين العلماء، بل هي مما أجمع الكل عليه. وأما الاستعانة بالكفار وأهل البدع والأهواء مصالح[7] ، فإن كانت بأموالهم وكانت لمصلحة دينية أو منفعة دنيوية ولم يشتمل على مع7ني الإذلال والولاية المنهي عنها، فلا نزاع في جوازها خصوصاً إذا نظرناً للكفار[8] من جهة أنهم نقضوا العهود وتمردوا على الأحكام، فإنه لا بأس بتناول أموالهم والانتفاع بها متى أمنت الفتنة والرذيلة، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم[9] ، ففي صحيح البخاري قال أبو حميد: أهدي ملك أيله للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له بخيرهم. وعن أنس: أن أكيدر دومه أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعن أنس بن مالك: أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها فقال[10] : إلا نقتلها؟ قال: لا فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بيعا أم عطية"؟ أو قال: "أم هبة". قال. بل بيع. فاشتري منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد بطن أن يشوي وأيم الله ما في الثلاثة والمائة إلا وقد حز النبي صلى الله عليه وسلم حزة من سواد بطنها: أن كان شاهداً أعطاه، وإن كان غائباً خباً له. وطلب صلى الله عليه وسلم من يهودي له دين على صحابي مات وترك أيتاماً أن يبرئهم من الدين فما قبل. وقصته في البخاري.

وفي الألوسي عند قوله تعالي: (وما كنت متخذ المضلين عضداً) (الكهف: 51) ما نصه: وأما الاستعانة بهم في أمور الدنيا فالذين يظهر أنه لا بأس بها، سواء في أمر ممتهن كنزح الكنائف أو في غيره كعمل المنابر والمحارب والخياطة ونح. أه.

وكتب علي قولة: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) (أل عمران: 28) ما نصه: قال أبن عباس: نزلت في طائفة من اليهود كانوا يباطنون نفراً من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقيل لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم. فأبي أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم، فأنزل الله هذه الآية ونهي المؤمنين عن فعلهم. وحكي في سبب نزول الآية غير ذلك. ثم أفاد أن المنهي عنه من الموالاة ما يقتضيه الإسلام من بغض وحب شرعيين يصح التكليف بهما؛ لما قالوا: إن المحبة لقرابة أو صداقة قديمة أو جديدة خارجة عن الاختيار معفوة ساقطة عن درجة الاعتبار. وحمل الموالاة على ما يعم الاستعانة بهم في الغزو مما ذهب إليه البعض. ومذهب الحنفية وما عليه الجمهور أنه يجوز ويرضح له.

وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر فتبعه رجل مشرك كان ذا جراءة ونجدة، ففرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حي رأوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فلن أستعين بمشرك" فمنسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع ورضح لهم واستعان بصفوان بن أمية في هوازن. وذكر بعضهم جواز الاستعانة بشرط الحاجة والوثوق أما بدونها فلا تجوز، وعلي ذلك يحمل خبر عائشة. وكذا ما رواه الضحاك عن أبن عباس في سبب نزول الآية وبه يحصل الجمع وأدلة الجواز.

ومما أشار إليه من أدلة المنع والجواز ما رواه أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي تبعه: "راجع فلن أستعين بمشرك" ثم تبعه فقال له: "تؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال: نعم فقال له: "أنطلق". وعن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر وأسهم لهم. وأن قزمان خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر". كما ثبت عند أهل السير. وخرجت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش عام الفتح. وقد تصدي أئمة الحديث والفقهاء إلى الجمع بين هذه الآثار بأوجه منها ما تقدم،

ومنها ما ذكره البيهقي عن نصر الشافعي (أن النبي صلى الله عليه وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم، فردهم رجاء أن سلموا. ومنها أن الأمر في ذلك إلى رأي الإمام. ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها، قال الحافظ في التلخيص: وهذا أقربها وعليه نص الشافعي. وحكي في البحر عن العثرة وأبي حنيفة وأصحابه أن تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه، واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وسلم بناس من اليهود وبصفوان بن أميه يوم حنين.

قال في البحر: وتجوز الاستعانة بالمنافق إجماعاً؛ لاستعانته بابن أبي وأصحابه. أنظر نيل الأوطار. وفي الألوسي عند قوله تعالي: "إلا أن تتقوا منهم تقاة) (آل عمران: 28) ما مفاده: وفي الآية دليل على مشروعية التقية، وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء، سواء كانت عداوتهم مبنية على اختلاف الدين كالكفر والإسلام، أو على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة. إلى أن قال: وعد قوم من باب التقية مدارة الكفار والفسقه والظلمة وإلا أنه الكلام لهم والتبسم في وجوهم والانبساط لهم وإعطائهم لكف أذاهم وقطع لسانهم وصيانة العرض، ولا يعد ذلك من باب الموالاة المنهي عنها، بل هي سنة وأمر مشروع. وقد روي الديملي عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: "إن الله تعالي أمرني بمدارة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض" وفي رواية: "بعثت بالمدارة". وفي الجامع" سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا جاءوكم فرحبوا بهم". وروي أبن أبي الدنيا: "رأس العقل بعد الإيمان بالله تعالي مدارة الناس، وفي رواية البهقي: رأس العقل المدارة". وأخرج الطبراني: " مدارة الناس صدقة". وأخرج ابن عدي وأبن عساكر: "من عاش مداريات مات شهيداً، قوا بأموالكم أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه".

وعن عائشة رض الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس ابن العشيرة وأخو العشيرة" ثم أذن له، فألان له القول. فلما خرج قلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول؟ّ! فقال: يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس – أو يدعه الناس – اتقاء فحشه" وفي البخاري عن أبن أبي الدراء[11] : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم. وأخرج أبن أبي شيبة عن شعيب قال: كنت مع علي بن عبد الله فمر علينا يهودي أو نصراني، فسلم عليه. قال شعيب: فقلت: إنه يهودي أو نصراني. فقرأ على آخر سورة الزخرف (وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون (88) فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)[12] ، وقيل لعمر ابن عبد العزيز: كيف تبتدئ أهل الذمة بالسلام؟ فقال: ما أري بأسا أن نبتدئهم قلت: لم ؟ قال لقوله تعالي: (فأصفح عنهم وقل سلام)[13]، وروي البهقي: "ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لابد له من معاشرته حتى يجعل الله له في ذلك مخرجاً" على غير ذلك من الأحاديث، غاية الأمر: لا تنبغي المدارة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر وتسئ الظنون. إذا علمت ذلك فالاستعانة بالكفار وأهل البدع والأهواء المشار إليها في السؤال متى خلت عما أومأنا إليه فلا بأس بها، بل هي من الأمر المشروع كما تقدم- وقد علمت نظيرها في القرون الفاضلة المشهود لها بالخير- متى كانت الاستعانة من هؤلاء لنصرة وحفظ حوزة الملة، وحينئذ لا يجوز لأحد من الناس أن يعارضهم في هذه الأعمال الجليلة ويسعي في تثبيط الهمم عن معاونتهم، بل الواجب على كل واحد من أفراد الأمة أن يشاركهم في هذا العمل؛ لأنه في البر والخير وقد قال تعالي: (يأ أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (الحج: 77)، (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا أمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (المائدة: 2).

والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وأما حكم من يرميهم بالكفر والتضليل وسوء الاعتقاد فإن كان يعتقد أنهم كفار حقيقة بمثل هذا العمل وأنهم خرجوا عن دين الإسلام بمجرد ذلك فحديث "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" ظاهر في تكفير هؤلاء المضللين، وقد نص شراح الحديث وعلماء الأمة على الأخذ بظاهر هذا الحديث بالقيد المذكور. وإن قصدوا أن هؤلاء بولايتهم للكفار واستعانتهم بهم يفعلون فعل الكفار وليسوا بكفار حقيقة، فمع افترائهم وجهلهم بالدين قد أثموا وارتكبوا جريمة تقرب من الكفر بهذه الكلمة الشنيعة التي لا تصدر من مسلم فضلاً عن عالم، وفي الحديث: "أبغض عباد الله إلى الله طعان لعان" وإن من أخلاق المؤمن أن لا يحيف على من يبغض ولا يلم فيمن يحب، ولا يضيع ما استودع، ولا يحسد ولا يطغي ولا يلغي، ويعترف بالحق، وإن لم يشهد عليه، ولا يتنابز بالألقاب، في الصلاة متخشعاً، إلى الزكاة مسرعاً، في الزلازل وقورا، في الرخاء شكورا، قانعا بالذي له، لا يدعي ما ليس له، ولا يجمع في الغيظ، ولا يغلبه الشح عن معروف يريده، يخالط الناس كي يعلم، ويناطق الناس كي يفهم، وإن ظلم وبغي عليه صبر حتى يكون الرحمن هو الذي ينتصر له. هذه هي أخلاق المؤمنين، حتى إذا خرجوا منها فسدت أخلاقهم، وانطفأ نور إيمانهم، ونقضوا عري الإسلام عروة عروة حتى لا يبقي منه شيء. نسأله السلامة.

وفي الفروق القرافية: أعلم أن النهي يعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح، فأعلي رتب المفاسد الكفر، وأدناها الصغائر، والكبائر متوسطة بينهما، وأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر، فأعلي رتب الكبائر يليها أدني رتب الكفر، وأدني رتب الكبائر يليها أعلي ربت الصغائر، وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع وصفاته العلي أو جحد ما علم من الدين بالضرورة.

قال ابن رشد: لا يحكم على أحد بالكفر إلا من ثلاثة أوجه، وجهان متفق عليهما والثالث مختلف فيه، فأما المتفق عليهما فأحدهما أن يقر على نفسه بالفكر بالله تعالي، والثاني: أن يقول قولاً قد ورد السماع وانعقد الإجماع أن ذلك لا يقع إلا من كافر. وإن لم يكن ذلك في نفسه كفرا على الحقيقة، وذلك نحو استحلال شرب الخمر وغصب الأموال وترك فرائض الدين والقتل والزنا وعبادة الأوثان والاستخفاف بالرسل وجحد سورة من القرآن وأشباه ذلك مما يكون علامة على الكفر وإن لم يكن كفرا على الحقيقة، والثالث المختلفة فيه: أن يقول قولاً يعلم أن قائله لا يمكنه مع اعتقاده والتمسك به معرفة الله تعالي والتصديق به وإن كان يزعم أنه يعرف الله تعالي ويصدق به. وبهذا الوجه حكم بالكفر على أهل البدع من كفرهم وعليه يدل قول مالك في العتبية: ما آية أشد على أهل الأهواء من هذه الآية (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (آل عمران: 106) انظر فتاوى أبي عبد الله والحاصل أن هؤلاء الجامعة المتمسكين بعقائد أهل السنة وأعمال الإسلام والمسلمين، ولعلهم إن شاء الله يكونون كذلك غير معتقدين كفر هؤلاء وإنما نطقوا بهذه الكلمة نقصاً وعناداً ظاهرياً، فإن باب التكفير باب خطر ينبغي الاحتراز عنه ما وجد إليه سبيل، ولا يعدل بالسلامة شيء وإن كان قولهم بالكفر من الجهل العظيم والإقحام على شريعة الله تعالي وأحكامه بالجهالة وعلي عبادة بالفساد والظلم والعدوان، وأما أن كانوا يكفرون أولئك الساعين في الخير وهم يعتقدون أنهم كفار حقيقة فيكونون هم الكافرين- كما سبق في أول الكلام للحديث، ومع ذلك نسأل الله سبحانه وتعالي أن يصلح حالهم وينقذهم من هذه الضلالة ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

ما كتبه الأستاذ شيخ الحنابلة[14] عندنا معاشر الحنابلة أن الشرع الشريف ألزمنا أن لا نكفر أحداً من أهل القبلة إلا إذ عرض نفسه للكفر، وكفر بمخالفة ما شرعة لهذه الأمة سيد البشر صلى الله عليه وسلم وكان المخالف فيه مجمعاً عليه وعلماء أهل [السنة] [15]، والجماعة المتصفون بهذه الصفات الممدوحة شرعاً من تحصيل الاتفاق والائتلاف بين فرق أهل الإسلام من غير اختلاف وشقاق وغير ذلك من بقية الصفات التي حث عليها الشارع ليسوا كذلك، وأن [استعانتهم]..
*************
الهوامش
[1] كذا بالأصل ولعلها أبنائه.
[2] كذا بالأصل والحديث في مسلم ج1 ص 68 بلفظ: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقة"
[3] كذا ليس فيه حرف عطف.
[4] كذا بالأصل
[5] قطع بالأصل
[6] قطع بالأصل
[7] قطع بالأصل بمقدار كلمة.
[8] قطع بالأصل بمقدار كلمة أو كلمتين
[9] قطع بالأصل بمقدار كلمة أو كلمتين
[10] كذا بالتذكير.
[11] كذا بالأصل والصواب عن أبي الدراء.
[12] كذا بالأصل والصواب عن أبي الدراء.
[13] كذا بالأصل والصواب عن أبي الدراء.
[14] قطع بالأصل بمقدار كلمة.
[15] قطع بالأصل بمقدار كلمة.
[16] قطع بالأصل.
[17] قطع بالأصل بمقدار كلمة
[18] قطع بالأصل بمقدار كلمة
[19] قطع بالأصل بمقدار كلمتين على الأكثر
[20] قطع بالأصل
[21] كذا بالأصل، ولعل هناك سقط بمقدار كلمة فتكون بصون نفسه.
[22] كذا بالأصل والصحيح مفاده
[23] كذا بدون أداة شرط.
[24] كذا بالأصل ولعلها أه.
[25] قطع بالأصل.
[26] قطع بالأصل.
[27] قطع بالأصل
[28] قطع بالأصل
[29] قطع بالأصل
[30] لعلها تابعة لكلمة سابقة
[31] قطع بالأصل
[32] قطع بالأصل
[33] قطع بالأصل
[34] قطع بالأصل
[35] قطع بالأصل
[36] كذا بالأصل ولعلها أبي الحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.