الجغرافيا والتاريخ يفرضان اهتماماً خاصاً بالمحيط الإقليمي سواء علي مستوي الأفراد أو الجماعات أو الدول باعتبار أن المحيط يؤثر بدرجة أو بأخري. سلباً أو إيجاباً علي المركز ومن ثم فلا يمكن تصور استراتيجيات أو سياسات عامة جامدة لا تتغير لدولة من الدول لا تستجيب للمتغيرات التي تحدث بين الحين والآخر في دول المحيط الإقليمي خاصة دول الجوار الجغرافي وإلا كانت هذه الدولة قد خرجت من حيز التفاعل والتأثير وأصبحت في موضع المفعول به المتأثر دائماً وهو ما يعتبر مقدمة طبيعية للخروج من متن التاريخ والدخول في هامشه وربما خارجه أيضاً. قد يكون هناك استراتيجيات وسياسات عامة شبه ثابتة ولكنها غير جامدة مثل استقلال الدول وعدم التدخل في شئوننا الداخلية والمعاملة بالمثل وما شابه مع أن كل هذه المباديء قد أصابها كثير من الوهن بل النقد والنقض في السنوات الأخيرة ربما منذ التسعينات ولم يعد معترفاً بها كما سبق. خاصة من قبل الدول والقوي الكبري التي باتت تتدخل في كل كبيرة وصغيرة علي مستوي العالم. فلا يعقل ولا يقبل بالمرة أن تكون علاقتنا بدول مثل تركياوإيران وإسرائيل وأثيوبياوسورياوالعراق ومن خلفها الأردنولبنان في دائرة والسودان واليمن والسعودية ومن خلفها دول الخليج وليبيا وتونس ومن خلفهما دول المغرب العربي كالجزائر والمغرب وموريتانيا في دائرة أقرب بعد ما يسمي بالربيع أو الخريف العربي كما كانت قبله. فقد حدثت متغيرات ضخمة تستوجب مراجعة هذه العلاقات بكل دولة من هذه الدول مراجعة شاملة. لقد كانت علاقتنا بتركيا علي سبيل المثال علاقة دولتين كبيرتين في الإقليم قائمة علي الاحترام المتبادل والتعاون في مجالات مختلفة بما يحقق مصلحة الدولتين والشعبين ولكنها الآن وعلناً لا تبدي الاحترام الواجب لنظام الحكم القائم بمصر والذي جاء بانتخابات عامة شاركت فيها أغلبية الشعب المصري كما انها تتدخل تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي إلي حد دعم الإرهاب بدرجة أو بأخري. ألا يستلزم تغييراً ما يستجيب لهذا التغيير الجذري في موقف تركيا تجاه مصر؟ العلاقة مع إيران متوترة وليست علي ما يرام منذ قيام الثورة إبان عهد السادات وطوال عهد مبارك لخلاف حول سياسات مصر تجاه إسرائيل ومناصبتها العداء للسادات بشكل سافر ثم مبارك بدرجة أقل وبسبب ما تسميه المجموعة العربية خاصة الخليجية منها بمحاولة تصدير الثورة الإسلامية للوطن العربي وتمشياً مع العداء الأمريكي لطهران علي خلفية عدائها لإسرائيل وبرنامجها النووي تحت شعار طائفي مدمر اسمه الصراع السني والشيعي. فهل من المعقول والمقبول أن تستمر العلاقة كما هي مما يزيد العداء بينها وبين مصر إلي درجة ربما دفعتها لمساندة الإرهاب بدرجة أو بأخري بدءاً من 25 يناير وطوال عهد مرسي وربما حتي الآن كما يروج بشكل غير رسمي. بينما هناك أصوات مصرية وعربية تقول ما تقوله إيران بشأن العلاقات مع إسرائيل وفي ظل وجود علاقات دبلوماسية كاملة مع دول الخليج بما فيها الإمارات التي تحتل جزرها الثلاث وبعد اتفاق أمريكا معها ومن خلفها دول الغرب مع انها دولة فاعلة إلي حد كبير في دول تؤثر علينا مثل العراقوسورياولبنان واليمن وهل يمكن لدولة إسلامية كبري كمصر تتبني الإسلام الوسطي المعتدل حتي قيل إنها سنية المذهب شيعية الهوي أن تساعد أو حتي تسكت علي شحن طائفي يصب في النهاية في بحر التطرف والإرهاب الذي نكتوي بناره الآن أم أن المفترض أن تحاول إطفاء الحريق المشتعل الذي يهدد المنطقة كلها؟ التزام مصر بالمعاهدة الموقعة مع إسرائيل هل يعني ألا تبادر القاهرة بطلب مراجعتها علي ضوء ما يحدث بسيناء كضرورة أمن قومي والمنطقة المشتعلة عموماً وبالضغط عليها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وعدم تركها لتلعب بمهارة علي وتر الانقسام الفلسطيني خاصة في ظل وجود حماس بغزة علي الأقل لسحب بساط المزايدة علي دور مصر من قبل المتأسلمين من المصريين والفلسطينيين وغيرهم؟ هل تكفي رعاية اتفاق المصالحة المشكوك في جدية بعض أطرافه الرئيسية والتدخل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وعقد مؤتمر لإعادة إعمار غزة للتعبير عن موقف مصر التاريخي من القضية الفلسطينية واعتبار إسرائيل دولة احتلال وهو ما يعني ضرورة دعم المقاومة ولو من قبل الفصائل الأخري غير حماس؟ ثم ماذا عن البرنامج النووي الإسرائيلي ودورها في أفريقيا خاصة أثيوبيا وموضوع سد النهضة؟ هل يكفي الاتفاق مع أثيوبيا والسودان وجنوب السودان علي تشكيل لجان فنية للتعامل مع موضوع سد النهضة والتلويح بإمكانية دعم خطة تنموية بأثيوبيا يوفر لها بعض الامكانيات اللازمة لتوفير الطاقة كبديل عن تفاهماتها حول نصيبنا المشروع من مياه نهر النيل وكأننا نقايض علي حقوقنا أم المفروض أن يتم ذلك وفقاً لخطة تعاون مشترك معلنة تحقق مصالح الدولتين والشعبين دون أي شبهة ضغط بموضوع سد النهضة أو غيره؟ هل العراق اليوم هو عراق الأمس حتي نكتفي بموقف شبيه بالحياد إزاء ما يجري من مخطط تقسيمه علي قدم وساق بينما تلعب فيه تركياوإيرانوأمريكا وإسرائيل بما يؤثر علي مجمل التوازن الاستراتيجي والأمن العربي القومي تأثيراً مدمراً خاصة بعد ظهور داعش المصنوعة والمدعومة أمريكياً للتعجيل بتفتيت العراق ثم الانتقال لدول أخري بالمنطقة ليست سوريا آخرها ولكن لبنانوالأردن والسعودية طبقاً لمقتضيات الشرق الأوسط الجديد المعلنة خرائطه رسمياً؟ سوريا الواقعة بين فكي نظام بشار والمتأسلمين من كل جنس ونوع بدءاً من داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة مروراً بالجيش الحر والإخوان والتي تعد نقطة الصراع الأساسية في الشرق الأوسط ولو مؤقتاً بين كل القوي الإقليمية والدولية كمنطلق بديل عن القاهرة التي أخرجتها ثورة 30 يونيه من يد القوي العاملة لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد. هل تترك هكذا لمصيرها لخلافات حول نوع نظامها القائم أو بسبب تدخلات خليجية حائرة فيها فلا هي تريد بشار ولا تريد الجهاديين المتأسلمين الذين يهددونها فيمن يهددون؟ أما من دور فاعل لمصر يحفظ علي سوريا وحدتها وسلامة أراضيها دون الانحياز لبشار أو المعارضة التي يقودها كما في مصر المتأسلمون والطابور الخامس الأمريكي؟ اليمن حيث باب المندب مدخل البحر الأحمر حيث قناة السويس ماذا عن موقف مصر مما يحدث فيها وخصوصاً بعد سيطرة الحوثيين عليها وبالأخص أن موقفهم من مصر وبالتالي من البحر الأحمر وقناة السويس القديمة والجديدة غير واضح بالمرة كما أن علاقاتهم ببعض دول الإقليم كإيران والسعودية قد يؤثر علي موقفها من مصر. ألا يحتاج اليمن خطة تعامل فاعلة ومؤثرة تحفظ لمصر أمنها القومي ناحية الجنوب؟ أما ليبيا التي تقع علي حدودنا الغربية وتصرفات بعض الفصائل المعادية لمصر بها ضد المصريين والتهديدات التي تأتينا من قبلها وكذلك السودان في ظل تصريحات البشير الإخواني بخصوص حلايب وشلاتين وخلافات أخري كدعم الإرهاب وتهريب السلاح والأموال من حدودنا الجنوبية لا يجب إعلان سياسة خارجية تجاههما تكون كفيلة بالتعامل مع ما يمثلانه من تهديد واضح أم اننا نتعامل معهما بالقطعة وحسب الأحوال اليومية؟ إن الإقليم يموج بالمخاطر والتهديدات ولابد من سياسة خارجية حاسمة وفاعلة تجاه هذه المخاطر والتهديدات لأن الوضع لم يعد يحتمل السياسات التقليدية ولا الدبلوماسية العادية فما رأي السادة خبراء السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والأمن القومي والشئون الاستراتيجية في الموضوع؟ نحن في انتظار المشاركات المتخصصة علي صفحات المساء.