العامل النووي في العلاقات المصرية الإيرانية د. محمد عبدالسلام ليس لدي احد تحليل نهائي بشأن حالة العلاقات المصرية الإيرانية فالاسئلة أكثر من الاجابات لكن المؤكد أنها ليست مشكلة عابرة فمنذ قيام الثورة الإسلامية عام1979 كانت الحالة المعتادة للعلاقات بين البلدين هي التوتر المستمر الذي يتصاعد أو يتقلص عبر الوقت. إلا أن الدولتين حرصتا في معظم الفترات علي الاحتفاظ بحد معين من العلاقات السياسية والاقتصادية بهدف استكشاف ما اذا كان هناك شيء ما قد تغير أو ما إذا كان هناك شيء يمكن ان يتم تغييره. ولقد تشكلت مع الوقت معادلة معقدة ترتكز علي حالة من اللاتعاون واللاصراع أو اللاصداقة واللاعداء مع خوض مواجهات حادة عندما تحاول احدي الدولتين تغيير المعادلة علي غرار ماقيل في التسعينيات حتي لو لم يكن ذلك دقيقا من انه عندما اقتربت مصر من الخليج جاءت إيران إلي السودان وتمثل توجهات إيران الإقليمية في الفترة الحالية والتي تتضمن عاملا نوويا حركات خشنة من تلك النوعية التي تدفع عادة في اتجاه تغيير قواعد الاشتباك اذا لم يكن ذلك قد بدأ. بين الصداقة والعداء نقطة البداية هي أن مصر لاتستطيع ان تتجاهل ماتقوم به إيران وتري القاهرة غالبا أن طهران أيضا لاتستطيع ان تتجاهل ما يمكن ان تقوم به مصر فكل منهما تعتبر الأخري دولة جوار استراتيجي لها علي الرغم من أنهما ليستا متجاورتين جغرافيا وكانت علاقاتهما الثنائية تتقلب من عهد لآخر بين التقارب الشديد والعداء الحاد الي أن وصلت الي المعادلة القلقة الحالية. كانت الدولتان حليفتين الي حد أن شاه إيران الأخير كان متزوجا من أخت أخر ملوك مصر وكان الرئيس السادات يعتبر محمد رضا بهلوي أفضل اصدقائه وكانت مصر ذاتها المقر للأخير للشاه الذي دفن في احد مساجد القاهرة وحتي في الفترة التالية كان من الممكن تجاوز التاريخ خلال فترة رئاسة السيد محمد خاتمي الذي يحظي باحترام شديد في مصر. انقلبت الامور بعد قيام الثورة الإيرانية عام1979 فكانت مصر هي الدولة الثانية التي تقطع معها إيران علاقاتها الدبلوماسية بل تطلق ايران اسم احد قتلة السادات علي احد شوارع عاصمتها وخاض الطرفان مواجهة مكشوفة بعد ذلك اذ قامت مصر بدعم العراق تسليحا خلال حربه مع إيران في الثمانينيات رغم عدائه المعلن لمصر وردت إيران بما اعتبر دعما لأعمال الإرهاب التي جرت في مصر بعد ذلك مع حملة إعلامية سيئة لاتزال بعض عباراتها تتردد حتي تاريخه. لكن كل ذلك ليس الا عادة إقليمية شهدتها علاقات مصر مع دول كثيرة بينها دول عربية كعراق صدام حسين فاحدي قواعد التعامل بين الدول الرئيسية في الاقليم هي أنك اذا لم تهتم بالاستراتيجية فإن الاستراتيجية سوف تهتم بك وينطبق ذلك هذه المرة علي علاقات مصر وإيران والخلاصة هي أن خيار التجاهل لتدخلات إيران الإقليمية التي ترتدي عمامة نووية غير قائم رغم ان ذلك الخيار لايعبر عن نفسه بشكل صاخب. لقد اعتاد التفكير التقليدي في مصر علي النظر للدول التي تمثل أهمية في الذهن المصري علي انها اما عدو أو صديق ولايوجد توافق في مصر بشأن إيران اذا تم الاستناد علي تحليل توجهات الرأي العام أو جماعات المثقفين فما يبدو هو أن الرأي العام المتأثر بشدة بمقولات القومية العربية وتصورات التيارات الإسلامية يري أنها دولة صديقة وأن ما تقوم به لايمثل تهديدا لأمن مصر لكن استطلاعات الرأي العام العشوائية القليلة التي اجريت تشير إلي أن غالبية المصريين ليس لديها موقف محدد ويمكنها ان تغير مواقفها. أما المثقفون في مراكز الدراسات والجامعات ووسائل الإعلام فانهم منقسمون بين فئة تعتبر إيران حليفا متصورا وأخري تعتبرها طرفا معاديا مع عدم تجاهل كونها احد المنافسين الاقوياء لدور مصر الإقليمي حاليا وشعور متنامي بأن إيران اقتربت أكثر مما يحتمل من دوائر المصالح الحيوية لمصر ووصلت إلي قطاع غزة. النخبة السياسية في لجان السياسة الخارجية في البرلمان ودوائر الحزب الوطني والمسئولين الذين تخرج إيران عن نطاق اختصاصاتهم تبدو بعيدة نسبيا عن تفاصيل الملف فهو احد الملفات الحساسة التي لايعرف كثيرون مايجري داخلها رغم ان لديها قرون استشعار قوية وثمة فكرة شاعت طويلا بأن وزارة الخارجية مع الاحتفاظ بمستوي من الاتصالات مع إيران أما المؤسسة الأمنية فانها تتحفظ علي استعادة العلاقات معها لكن لايعرف احد مدي دقة ذلك الا أن الجميع يدركون أنه طالما أن الملف يدار من قبل جهات سيادية فإن الأمر ربما يتعلق بتهديد. إن الارجح هو أن الرؤية المصرية لإيران تستند الي مفهوم سياسات التهديد فهناك سياسات تتحفظ عليها مصر في السلوك الإيراني وقد تجمعت تلك السياسات في الفترة الأخيرة لتجعل من إيران مشكلة وقد تم اتخاذ موقف معلن تجاه قيام حزب الله بتصعيد الموقف في لبنان عام2006 ومنع دخول الاموال الإيرانية إلي قطاع غزة, كما ثارت اقوال حول اتهام إيران بقتل السفير المصري في بغداد وممارسة عمليات تشيع في المنطقة مع الاستمرار في تجنيد اشخاص مصريين للقيام بعمليات إرهابية وايواء مطلوبين مصريين في إيران ثم الوقوف خلف انقلاب حماس في قطاع غزةفإيران في الوقت الحالي ليست دولة صديقة لكن لا احد يرغب في أن تكون عدوا اذا توقفت تلك التهديدات ولايوجد تقييم محدد حول امكانية حدوث ذلك. القنبلة الافتراضية جاء العامل النووي علي تلك الخلفية فالتقييم المصري المرجح لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني وليس مجمل برنامجها النووي السلمي هو أنه يحمل ملامح خطيرة وقد بدا الامر في البداية وكأنه يتم تجاهل المسألة كلها بفعل تداخل الحسابات المصرية المعقدة بطبيعتها كما بدا احيانا أن التقديرات المصرية تسير في اتجاه أن إيران ترغب فقط في امتلاك خيار نووي وليس سلاحا نوويا وبعدها تقوم بعمليات استعراض قوة وابتزاز نووي بلا نهاية لكنها لن تخاطر بالوصول الي نهاية الشوط بالسير في اتجاه امتلاك أسلحة نووية وتشكلت في هذا الإطار سياستان: 1 تصريحات معلنة تؤكد أن مصر ضد امتلاك إيران أو أي دولة في الاقليم أسلحة نووية مع اتصالات دولية وعربية بهذا الشأن وظهر في إطار ذلك ماسمي محور المعتدلين الذي يبدو أنه يخوض حربا باردة ضد تدخلات إيران في المنطقة. 2 عدم الممانعة في استمرار الاتصالات مع ايران عبر زيارات إيرانية لمصر لم تكن تسفر عن نتائج محددة في العادة وكان الموقف المصري في اعقابها هو التصويت ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن الدخول علي خط الازمة مباشرة بطرح مبادرات او اجراء اتصالات لم يحدث غالبا بفعل ادراك مصر بأن إيران لن تستجيب لأية مبادرات اقليمية للتعامل مع المشكلة وانها مثل كوريا الشمالية ترغب في حل المشكلة مع الاطراف الدولية في إطار صفقة كبري وانها سترهق اطراف المنطقة وستحاول استمالتها دون ان تقدم لها شيئا وان الحوار الاستراتيجي قد فشل مرارا مع طهران ولم يتبق سوي الحوار الأمني الذي لايبدو انه يسفر أيضا عن نتائج مهمة. الا أن مصر رغم ذلك لم تقم بشن حملة ضد إيران ولم يكن متصورا ان يتم ذلك في ظل وجود مشكلة الأسلحة النووية الإسرائيلية وخبرة اتهام العراق بامتلاك قدرات نووية قبل حرب2003, وامكانية استغلال ذلك الموقف من جانب التيارات الدينية التي تتبني عادة معتقدات لاترتبط بالضرورة بمصالح الدولة المصرية في التأثير علي الرأي العام الداخلي. لكن الخطوة العملية الأهم التي قامت بها مصر كانت التفكير في إعادة تنشيط برنامجها النووي السلمي والذي حمل بالفعل بعض ملامح الرد علي التحدي النووي الإيراني بصورة ما فلقد بدأ الحديث عن برنامج الطاقة النووية في ظل ثلاثة عوامل هي: 1 ان إيران اصبحت تمتلك قدرات نووية وان الازمة تدور حول منشآت ناتانز وليس مفاعل بوشهر وأنها توظف تلك المسألة للحديث عن دور إقليمي كقوة منفردة وانها لو امتلكت سلاحا نوويا سيكون علي مصر ان تنسي مبادرة اخلاء الشرق الأوسط في الاسلحة النووية للأبد وان امتلاك السلاح الايراني لن يحل مشكلة إسرائيل النووية وانما سيخلق مشكلة ثانية ذات ابعاد خطيرة كذلك فهو يمس الاستقرار السياسي والمصالح الاقليمية للدول وليس مجرد توازناتها الدفاعية. 2 ان هناك موجة واسعة من الانتشار النووي المدني قد بدأت في المنطقة كرد فعل للبرنامج النووي الإيراني فتركيا قد اقرت خطط إنشاء مفاعلات نووية وكل من ليبيا والجزائر والأردن وتونس والمغرب قد بدأت تتحرك بجدية في نفس الاتجاه ودول الخليج العربي أعلنت عن نيتها دخول المجال النووي وسارت السودان واليمن مع الموجة الجديدة ولم يكن لمصر ان تتخلف عن ذلك مرة أخري. 3 ان جوانب خطرة لمشكلة الطاقة في مصر قد بدأت في الظهور فارتفاع أسعار البترول أدي الي زيادة دعم منتجاته بصورة لايحتملها الاقتصاد المصري وظهرت تقديرات متشائمة بشأن احتياطي النفط والغاز في مصر وبدأ الحديث عن حقوق الاجيال القادمة وأهمية أمن الطاقة بالبحث عن بدائل جديدة أكثر جدية من رياح الزعفرانة ولم يكن هناك مفر من التفكير في إعادة احياء برنامج الطاقة النووي المعلق. لقد بدا البرنامج النووي وكأنه يمثل حلا لكل المشاكل المصرية مرة واحدة فيما يتصل بالوضع الاستراتيجي والتنمية الاقتصادية والمكانة الاقليمية أيا كانت التفاصيل فخطط البرنامج النووي سلمية بالكامل وقد انتهت تماما أية نوايا خاصة بامتلاك اسلحة نووية وأصبح الرأي العام ذاته يتقبل الحقائق الجديدة وتوقفت المناقشات الخاصة بضرورة امتلاك الوقود النووي علي غرار ايران بمجرد طرح الابعاد المالية والسياسية لها. ان هناك ادراكا بالتأكيد بأن هناك بعدا استراتيجيا لامتلاك القدرات النووية فمحطات الطاقة النووية ليست مجرد محطات كهرباء في منطقة يسيطر عليها خطاب ايراني يربط القدرات النووية بفكرة التحول الي قوة عظمي لكن حدود البعد الاستراتيجي كانت شديدة التحديد أيضا اذ إن الرد علي امتلاك سلاح نووي مفترض ليس امتلاك سلاح نووي مضاد بالضرورة فامتلاك القدرة النووية أيا كانت يجعل الدولة أقل قابلية للتأثر بوجود متغير نووي طاريء وأكثر ثقة في عدم ردها بامتلاك سلاح نووي كما أنها ستتمتع بالشرعية أمام شعبها فلن تبدو وكأنها عاجزة أو ليس لديها أي خيار سوي الصمت والتعويل علي الآخرين ان المحصلة النهائية هي أنه فيما يتعلق بالبعد النووي للتحدي الإيراني للمصالح المصرية الحيوية فإن البرنامج النووي السلمي يمثل ردا كافيا دون ان يتضمن ذلك التفكير في قرارات أخري فمن الصحيح ان مصر قد تواجه مأزقا حادا اذا امتلكت إيران سلاحا نوويا يضاف الي سلاح إسرائيل النووي بما ادي بالرئيس مبارك الي القول بأننا في مثل تلك الحالة سنكون مضطرين للدفاع عن أنفسنا ولن نقف مكتوفي الايدي لكن احدا لا يعتقد ان مصر ستكون مضطرة لمواجهة هذا المأزق في المدي المنظور وانه سيكون كافيا بالنسبة لها ان تعتمد علي التأثيرات الاستراتيجية لامتلاك قدرات نووية فالفكرة هي أن هناك حلا ممكنا لمشكلة إيران النووية لكن لايبدو أن ثمة حلا سهلا لمشكلة إيران الثورية.