بدأ الباعة الجائلون في العودة إلي شوارع وسط البلد. تستطيع أن تخمن السبب بزيارة عابرة إلي سوق الترجمان الجديد. سبق الافتتاح لقاء بين المهندس إبراهيم محلب وقيادات الباعة الجائلين. علت فيه الوعود وعبارات الثناء والزغاريد. ثم شارك في حفل الافتتاح رئيس الوزراء وعدد من الوزراء ومحافظ العاصمة. لكن دبلوماسية المهندس محلب طمأنت الجميع إلي توفير مكان لكل بائع. وهو ما سيتكرر عند افتتاح السوق التي بدأ في إنشائها علي أرض مصنع الثلج. السوق الآن مكعبات خشبية بلا بضائع ولا باعة. ولا مشترين. بحيث يطرح الاحتمال نفسه بقوة: أن تعود إلي ميادين العاصمة وشوارعها لعبة القط والفأر بين أجهزة الدولة والباعة الجائلين في ميادين وشوارع وسط البلد. يواجه الباعة حملات الشرطة. المدفوعة من أجهزة الدولة. بالفرار إلي مداخل البيوت. أو إلي الشوارع الجانبية. ومن يسقط في يد الشرطة فإن "المعلم" الذي يعمل لحسابه. يدفع له الغرامة. ويعود - بعد الإفراج عنه - إلي ممارسة اللعبة.. بلا نهاية! أخشي أن اللعبة لن تتغير. ولا تشهد نهاية من أي نوع. المهندس إبراهيم محلب نزل الشارع بنفسه لإنهاء المشكلة. وهو الذي أقترح وقوف الباعة في أرض الترجمان. قبل ان ينتقلوا إلي موضع مصنع الثلج. وعد بأن يرغب الناس في التردد علي سوق "الترجمان" بجعل المكان موقفاً للميكروباص. وغني فنانون في قلب السوق. .انتظرنا - لبشائر النجاح - أن ينتقل الباعة من ميدان رمسيس والشوارع الأخري إلي أماكن جديدة. ولأن الباعة لا يملكون رأس المال الذي يعينهم علي الانتظار. فقد عادت ريمة لعادتها القديمة. وجهة نظر الباعة الجائلين أن المشكلة ليست في مجرد إشغال الطريق. ولكنها لقمة العيش التي تدفعهم للنزول إلي الشارع ببضائع يحصلون عليها من تجار كبار. مقابل نسبة ربح. إنها مصدر الرزق الوحيد لمئات من الباعة الجائلين. بعضهم يحمل مؤهلات عليا. لكن غياب الوظيفة يفرض عليهم العمل باعة للملابس المستوردة. أو نفايات أوروبا والصين. وتلك قضية خطيرة أشرنا إليها من قبل. ظني أنه من المهم ان نتوقف طويلاً حول هذا المعني. يضطر البائع إلي ممارسة اللعبة الغريبة. بداية من الوقوف بالساعات بحثاً عن الرزق. وانتهاء بالفرار من مطاردة الشرطة. أو مصادرة ما يبيعه. ليعوضه المعلم من ثم في الغرامة. وفي البضاعة المصادرة. وتظل الساقية تدور. عندما ينزل رئيس الوزراء إلي الشارع لحل مشكلة ما. فإن الحل يجب أن يكون جذرياً وحاسماً. الحلول الوقتية قد تفيد في المشكلات الصغيرة. أو الطارئة. أما المشكلات التي تتصل بحياة قطاع كبير من المواطنين. فإنها تتطلب دراسات جادة. واقتراحات يسهل تطبيقها. بحيث لا يكون الحل بأسلوب الترقيع. وكما نشر فإن عدد الباعة الجائلين في ميادين وشوارع العاصمة. بلغوا - حتي الآن - ما يقرب من مائتي ألف بائع.. والعدد - إن لم تعالج المشكلة بصورة حاسمة - قابل للزيادة!