وزارة الاسكان تفرغت للبناء للأثرياء بحجة أنهم من متوسطي الدخل حيث أعلنت مؤخراً عن طرح 150 ألف شقة لمتوسطي الدخل بمساحات من 100 إلي 140 متراً كاملة التشطيب بصحراء المدن الجديدة.. الغريب أنها أعلنت أن سعر الشقة لن يقل عن 400 ألف جنيه في العديد من المدن ويتجاوز ال 500 ألف جنيه في مدينتي القاهرة الجديدة ودمياط الجديدة بسبب الاقبال عليها.. فهل هذه الأسعار يستطيع تحملها محدودو الدخل؟! * د. عباس الزعفراني أستاذ التخطيط العمراني بهندسة الأزهر يؤكد أن وزارة الاسكان ليس من ضمن مهامها بناء مساكن للأثرياء أو ما تطلق عليهم متوسطي الدخل علي غير الحقيقة وليس من بين اختصاصاتها أن تبيع وحدات سكنية ولكن المنوط بها أن تدير منظومة الاسكان من حيث تنفيذ القوانين التي تتعلق بها ومراقبة تنفيذها وتوفير الأراضي المرفقة للبناء عليها لمن يريد من القادرين من مرتفعي الدخول وما فوق المتوسط. أما دور الوزارة في دعم محدودي الدخل أو متوسطي الدخل فيتمثل في بناء منازل مناسبة لهم وتقوم بتأجيرها لهم وليس تمليكها صحيح أن توفير السكن حق من حقوق الإنسان وضرورة يجب أن تقوم بها الدولة ولكن الامتلاك ليس ضرورة خاصة لهذه الفئات. استطرد قائلاً أن محدودي الدخل أو الفقراء يعيشون الآن في بيوت غير آدمية حيث نجد الرجل وزوجته وأولاده يعيشون في حجرة واحدة وبدورة مياه مشتركة مع أسر أخري أي أن الخصوصية تنتهك كل يوم وهؤلاء من حقهم أن يجدوا حياة أفضل وتحقيق ذلك فرض عين علي الحكومة ولكن يتم ذلك من خلال تأجير شقق مناسبة لهم أو تحمل قيمة الايجار فليس منطقياً أن نقوم برفع الدعم عن الكهرباء والوقود تدريجياً ثم نقدم دعماً لكل وحدة سكنية بما يوازي 30 ألف جنيه رغم أن الايجار يمكن أن يكون البديل الأنسب. أكد أن الحكومة لا يجب أن تدعم أو تبني الشقق التمليك بأي صورة من الصور أو حتي تشرف علي اقامتها من خلال شركات أو كيانات أخري بل يترك التمليك للقطاع الخاص لمن يقدر عليه بأن توفر الدولة من خلال سياسات منطقية الأراضي بأسعار مناسبة ليقوم القادرون بالبناء عليها وتأجيرها أو بيعها لمن يريد من المواطنين. أشار إلي أن الوزارة لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتحول لتاجر يبيع الوحدات السكنية لمتوسطي الدخل لكي يتملكوا فالقدرة المالية تختلف من شخص لآخر وعموماً فإن من يقدم علي امتلاك شقة يزيد سعرها عن النصف مليون جنيه فإن ذلك من أجل الاستثمار أو حجزها لكي يتزوج فيها أولاده بعد مدة طويلة وليس معقولاً أن تقوم الدولة بالمساعدة في هذا المجال فهي مسئولة فقط عن توفير المسكن للفقراء وغير القادرين وبالايجار وليس التمليك. * المهندس صلاح حجاب رئيس جمعية المهندسين المصريين سابقاً يؤكد أن الدور الرئيسي للدولة ممثلاً في وزارة الاسكان ينطوي علي تقديم الدعم لأقل وأدني الدخول طبقاً للتقسيمات الدولية الجديدة أما متوسطو الدخول وما فوق المتوسط فالدولة ليست مسئولة عن توفير احتياجاتهم لأنهم قادرون بأنفسهم علي توفير متطلباتهم. أوضح أن المعدلات العالمية تشير إلي أن 25% من دخل الأسرة يجب أن يخصص للسكن ومن حقنا هنا أن نتساءل هل الفئات متوسطة الدخل التي تتحدث عنها الوزارة قادرة علي توجيه 1/4 دخلها للحصول علي وحدة سكنية يزيد سعرها عن نصف مليون جنيه. أشار إلي أن منظومة الاسكان في مصر يجب أن تشهد تغيراً جذرياً وضوابط صارمة إذا كنا جادين بالفعل في توفير المسكن المناسب وفقاً لدخول كل مواطن. فالوزارة يجب أن يظل دورها مخططة ومحفزة ومتابعة ومراقبة لما يحدث وأن توفير الأراضي التي تختلف قيمتها بالتأكيد من مكان إلي آخر ووفقاً لطبيعة التخطيط الذي تتضمنه وما يقام عليها من مرافق وخدمات ومنشآت لا أن تتحول الدولة إلي تاجر اراضي لا يراعي الظروف المادية لأصحاب الدخول المختلفة لأن ذلك يضر أشد الضرر بالعدالة الاجتماعية التي ننشدها جميعاً. * المهندس محمد أبو العينين أمين عام اتحاد التشييد والبناء يؤكد أن السياسات التي تقدمها الوزارة لحل أزمة الاسكان لن تساهم كثيراً في تقديم حلول حقيقية لأننا ببساطة نحتاج إلي ما يقرب من 550 ألف وحدة سكنية سنوياً والدولة لا تستطيع سوي توفير حوالي 130 ألف وحدة من خلال العديد من المشروعات التي تنفذها ومن ثم فالمشكلة ستظل قائمة. أضاف أن الحل العملي والمنطقي يتمثل في أن يتم تخصيص مساحات أراضي مناسبة ومرفقة بحيث يتم بيعها للمستثمرين بأسعار معقولة غير مغالي فيها للبناء عليها للقادرين وتستثمر الحصيلة الأكبر من بيع هذه الأراضي لاقامة مساكن للطبقات غير القادرة وبهذا نخلق مجتمعات عمرانية جديدة تخرجنا من زحام القاهرة الخانق وفي نفس الوقت نوفر مساكن آدمية لغير القادرين وليست هذه الصناديق الرمادية والصفراء التي تقيمها وزارة الاسكان. أوضح أن متوسطي الدخل الذين تتحدث عنهم الوزارة هم أكثر الفئات تضرراً من أزمة الاسكان فهم غير خاضعين للشروط التي تضعها الدولة للحصول علي وحدة سكنية سواء من حيث السن أو الدخل وفي نفس الوقت لا يستطيعون سداد 3000 أو 4000 شهرياً لمواجهة الأسعار التي ارتفعت بشكل كبير فيما يتعلق بالشقق. أشار إلي أن الدولة يمكن أن تساهم في حل مشكلة هؤلاء بمنح المستثمرين اراضي للبناء عليها ولكن بشرط أن يكون هناك ضوابط لسعر الفائدة وتحديد هامش ربح معين لا يتجاوزه القطاع الخاص حتي لايعاني أصحاب الدخول المتوسطة الذين لا يستطيعون أبداً تحمل شراء شقة بنصف مليون جنيه. * د. محمد عبدالباقي ابراهيم رئيس مركز الدراسات التخطيطية والهندسية بجامعة عين شمس يري أن الدولة بتنفيذ هذه النوعية من المساكن لهذه الفئة تلعب دور القطاع الخاص وتنافس المستثمرين المسئولين عن توفير هذه النوعية من المساكن بينما دورها الحقيقي يجب أن يظل دعم اسكان الفقراء وتقديم المسكن المناسب سواء ايجاراً أو تمليكاً للفقراء حسب كل حالة. أضاف أن الحالة الوحيدة التي يمكن أن يقبل فيها قيام الدولة بهذا الدور هي أن تخصص حصيلة البيع بالكامل لهذه الوحدات لتدعيم اسكان الفقراء وأن كنت أشك في ذلك لأنه ليس هناك سياسة واضحة ومعلنة لدعم محدودي الدخل فكل ما يحدث مجرد محاولات لا تستند إلي أرض صلبة ولا تحقق الهدف المنشود بدليل أننا مازلنا نعاني من أزمة اسكان خانقة وعشوائيات تحاصر المدن الكبري وما ينتج عنها من سلوكيات وأمراض اجتماعية خطيرة. أوضح أننا ينقصنا التحديد الدقيق للطبقات المختلفة فهناك تداخل بين المصطلحات وأصبحت كلمة متوسطي الدخل كلمة مطاطة تقبل العديد من التفسيرات بينما نحن في الحقيقة لدينا أغنياء وفقراء والفئة الأولي الدولة ليست مسئولة عن توفير المسكن لهم أما الفئة الثانية فهي مسئولية الدولة ولكن ليس من خلال شقة يزيد سعرها عن 400 ألف جنيه. أوضح أن الوزارة في هذا المشروع لم تراع أيضاً السياسات المتعارف عليها فالمفروض أن تكون هذه الشقق بأسعار أقل من ذلك لأن متوسطي الدخل ليس في استطاعتهم سداد هذه المبالغ وأن تكون الشقق نصف تشطيب حتي يقوم كل شخص بتشطيبها وفقاً لامكانياته.