أكد أساتذة علم الاجتماع السياسي أن النكتة السياسية هي وسيلة للتعبير عن الواقع وتستخدم أيضا للهروب والتنفيس عن الشعب. أضافوا أنها قد تكون رسالة من الجماهير إلي السلطة الحاكمة لأنها تحمل مدلولات بلغة الشعور الجمعي للتنفيس عن الضغوط الشديدة التي يتعرضون لها. أشاروا إلي أن اختفاء النكتة السياسية له مدلول معين وهو أن البلاد تتهيأ لعمل إيجابي كبير والدليل علي ذلك قبيل ثورة 25 يناير حيث اختفت النكات. وبدأت احتجاجات العمال والموظفين. يقول د.محمد سمير عبدالفتاح أستاذ علم الاجتماع السياسي والعميد السابق لمعهد الخدمة الاجتماعية ببنها إن النكتة السياسية تعبر عن مدلول لا شعوري بلغة الشعور الجمعي للأفراد للتنفيس عن الضغوط الشديدة التي يتعرضون لها خصوصاً بين طبقات المثقفين. أضاف أن الأفراد دائماً يخافون من الحاكم صاحب السلطة الغاشمة والنكتة تستخدم للهروب والتنفيس للشعب باعتبارها وسيلة متفردة للتعبير عن الواقع.. منوهاً إلي أن الثورات والمظاهرات قبل 2011 كانت قليلة جداً وحتي لو اشتعلت يتم اخمادها في الحال وبالتالي باتت النكتة تعبيراً عن آمال الشعوب للهجوم علي الفساد والظلم. أشار د.عبدالفتاح إلي أن النكتة الجنسية بجانب السياسة هما الوسيلتان المعبرتان عن الشعور الجمعي إلا أن النكتة الجنسية تقال فقط بين الأصحاب لكن النكتة السياسية فقال بين جميع الطبقات والفئات.. منوهاً إلي ظهور النكتة السياسية بعد ثورة المعلومات وظهور الصحافة. أضاف أن النكتة السياسية تظهر في ظل جميع الأنظمة إلا أنها تزدهر أكثر في ظل الأنظمة الدكتاتورية لأنها تعبر عن المشاكل الحقيقية في المجتمع. ذكاء ومكر أكد د.عمار علي حسن أستاذ علم الاجتماع السياسي أن الفكاهة قادرة علي تقديم لون عميق من المقاومة بالحيلة. لأنها دوماً تؤدي ثلاث وظائف أساسية مرتبطة بهذه المهمة: أولها أن الفكاهة تعد وسيلة للتخفيف من وطأة القيود الاجتماعية. لأنها تساعد علي تصريف الأفكار المكبوتة والطاقات المترددة والمطمورة. وثانيها أن الفكاهة تساعد علي ممارسة النقد الاجتماعي. حيث السخرية من بعض المؤسسات والشخصيات السياسية واطلاق النكات عليها. وثالثها أن الضحك يساعد علي مواجهة القلق والخوف لأنه يجعل الإنسان يعلو علي المواقف المربكة. والمخاوف المقلقة. والصراعات المهلكة. ويتمكن من السيطرة عليها. أضاف أن السخرية تعد أرقي أنواع الفكاهة. لما تحتاج إليه من ذكاء وخفاء ومكر. وهي لذلك أداة دقيقة في أيدي الفلاسفة والكتاب للسخرية من الاعتقادات الخاطئة والخرافات. ويستخدمها الساسة للنكاية بخصومهم. إما في صورة تهكم أو تقريع خالص. أو بشكل رقيق ناعم يجرح من دون أن يسيل أي دماء. أشار د.عمار إلي أن النكتة السياسية كانت سوطا يلهب ظهور الحكام. وكابوساً يؤرق نومهم في المخادع الوثيرة. وكانت في مفهومها العصري وسيلة مهمة لحمل رسائل دقيقة إلي السلطة عن مزاج الناس ومواقفهم من السياسات المتبعة. ووجهة نظرهم في بعض رموز الحكم. ولهذا اعتني حكام مصر دوماً بالوقوف علي النكات التي يتداولها الناس. ليعرفوا منها مطالب المواطنين ومدي شوقهم إلي الحرية والعدل. وقبلها يدركون موقعهم في عقل الشعب وقلبه. أضاف أن تداول النكات السياسية له جوانب ايجابية للحاكم حتي مع كثرتها خاصة أن اختفاءها أكثر ضرراً لأن هذا يعني أن البلاد تتهيأ وتستعد لعمل إيجابي كبير. وهذا حدث بالفعل في مصر قبيل ثورة 25 يناير. لاسيما بعد أن بدأت احتجاجات العمال والموظفين تتوالي. يقول د.خالد كاظم أبو دوح أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة سوهاج إن النكتة هي ممارسة لفظية أو شفاهية تهدف إلي إحداث تأثيرات سارة لدي المتلقي. أو هي كما أشار "آرثر شوبنهور" محاولة لإثارة الضحك علي نحو متعمد من خلال إحداث تفاوت بين تصورات الأفراد وبين الواقع الذي يتم إدراكه. أو يمكننا أن نقول إن النكتة قول فكاهي يتم إلقاؤه بطريقة معينة ويتضمن تناقضات في الأحداث وكسراً للتوقعات من أجل الترفيه أو من أجل توصيل رسالة معينة. أضاف أنه يمكننا التمييز بين نمطين من النكتة.. الأول وهو النمط البرئ والذي يعتمد علي التكنيك وأسلوب الأداء والتلاعب بالألفاظ والعبارات وتنتج ضحكات قليلة لدي البالغين وكثيرة لدي الصغار.. النمط الثاني هو النكتة غير البريئة ولها هدفان.. الأول وهو التعبير عن الميول العدوانية أو العدائية ومنها النكات السياسية ونكات النقد الاجتماعي.. الهدف الثاني وهو التعبير عن الميول الجنسية.. وقد تشمل نكتة واحدة أحياناً مكونات سياسية وجنسية ودينية وغير ذلك في وقت واحد. أشار أبو دوح إلي ارتباط النكتة بوظائف عديدة في المجال الاجتماعي منها تدعيم التواصل الاجتماعي وتحقيق القبول الاجتماعي لدي الآخرين. أو تعزيز التماسك والترابط بين الأفراد في الأوقات الصعبة أو التعبير عن اتجاهات الرأي العام نحو السلطة بجميع صورها السياسية والدينية والاجتماعية أو التنفيس عن مشاعر الاحباط واليأس خاصة في أوقات الأزمات. أضاف أن "سيجموند فرويد" نظر إلي النكتة أو الفكاهة باعتبارها واحدة من الممارسات النفسية الهامة لدي الإنسان وتصدر النكتة عن آلية دفاعية من قبل الفرد لمواجهة العالم الخارجي المهدد للذات وتقوم هذه الآلية الدفاعية علي أساس تحويل حالة الضيق إلي حالة شعور خاص بالمتعة.