خرج المصريون في ثورة 25 يناير شاهرين سلاح الضحك، يهون عليهم غفوة الظلم، ويخفف عنهم برودة الليالي في الشتاء القارص، فكان ميدان التحرير، وميادين السويس والإسكندريّة، وباقي المدن، مساحات لعرض مسلّح بالضحك، يشبه تماما حظر التجول الذي فرض وقتها. وتجلّت تلك الصورة في الشعارات "يا سوزان صحّي البيه، كيلو العدس بعشرة جنيه"، وفي اللافتات التي رفعت في الميدان: "هتمشي هتمشي؛ بس انجز عاوز أروح أحلق"، و"إرحل؛ الوليّة عاوزة تولد والولد مش عاوز يشوفك"، "إرحل؛ مراتي وحشتني"، "ده لو كان عفريت كان طلع!"، و"إرحل يا تِنح"، والعشرات من الشعارات والتعبيرات، التي لازمت الثورة منذ يومها الأول حتى اليوم في كل الفعاليات والمظاهرات السياسية، ما رسم البسمة، وأدخل البهجة ليس في نفوس المصريين بل العالم بأسره. فالثورة المصرية التي فجرها من غياب الضحك، كانت ضاحكة بطبعها وهو ما دفع هيئة الإذاعة البريطانية (bbc) إلى إنتاج تقرير مصور حمل اسم "الثورة الضاحكة" شمل أكثر اللقطات المضحكة في الثورة المصرية، وكان من أبرزها مونولوج "الثائر الهندي"، و"زار طرد مبارك" وهو أحد الشعائر المرتبطة بطرد الجن في الثقافة الشعبية المصرية، وصور مختلفة، ورداً على شائعة تمويل الثوار من جهات أجنبية ومنحهم أموالاً ووجبات كنتاكي كتب شخص: "زهقت من كنتاكي ارحل بقي"، وآخر رفع لافتة عبارة عن بيان درجات حملت كل خاناته صفر وكتب عليه بخط واضح "راسب". وكان للنساء نصيب من لافتات الثورة الضاحكة، فقد رسمت فتاة علي إحدى اللافتات صورة نافذة الحذف في برنامج تشغيل الحاسب الآلي "ويندوز" وكتبت علي الملف المحذوف "مبارك"، كما كتبت "ارحل" علي عدة لافتات بعدة لغات كان منها العبرية، والهيروغليفية، فيما رفع أحدهم لافتة علي شكل قلب كتب عليها "ارحل عاوزة أتجوز". أما الهتاف الأشهر للثورة فكان "ارحل يعني إمشي ياللي ما بتفهمشي"، وذلك بعد عدة أيام من الاعتصام بميدان التحرير، دون أي استجابة من مبارك، وكانت آخر لافتة رفعتها الثورة المصرية يوم 11 فبراير، وهو يوم التنحي، فقد رفع مواطن لافتة كتب عليها "ارجع يا ريس إنت صدقت إحنا كنا بنهزر"، وكانت محل جدل علي مواقع التواصل الاجتماعي. وأفرز ارتباط الثورة بالضحك شخصيات استخدمت الفكاهة للوصول إلى المصريين كان منهم باسم يوسف الذي اطلق علي موقع "اليوتيوب" برنامج "باسم شو"، قدم عدة حلقات، توقف عن تقديمها بعد تعاقده مع قناة "الأون تي في" لتقديم برنامج "البرنامج"، أما الثاني فكان مدحت شاكر او "الأسطي زلطة" الذي بث عدداً من الفيديوهات تقمص فيها شخصية "الأسطي زلطة" والتي تحولت لكوميكس عبر الفيس بوك، ليتعاقد بعدها مع قناة الحياة لتقديم دور "الأسطي زلطة" في مسلسل "خرم إبرة". ويري د. أحمد يحيي عبدالمجيد- أستاذ علم الاجتماع السياسي- أن الضحك للمصريين يعد الوسيلة الأبرز للتعبير عن الذات والتنفيس عما يغضبهم، خاصة علي المستوي السياسي، مشيراً إلى أن ولع المصريين بالضحك بدأ منذ "التبكيت والتنكيت" لعبدالله النديم، وكذلك ابونظارة ليعقوب صنوع. وأضاف أن النكات السياسية كانت بديلاً للتصريح السياسي والتظاهر، أو المنشورات في الكثير من الأوقات، فمثلا عقب نكسة 67 اشتهرت نكتة المطار السري، وفي فترة اللا سلم واللا حرب التي سبقت حرب 73 ظهرت نكات تسخر من السادات؛ لعدم اتخاذه قرار الحرب وأهمها نكتة الضباب التي جاءت للسخرية من خطبة الضباب. وأوضح عبد المجيد أن الثورة المصرية مثلت فارقاً كبيراً بين أنواع الضحك، مشيراً إلى أن قبل الثورة كان الضحك للتنفيس، ولتجنب المواجهة السياسية، بينما يأتي الضحك بعد الثورة كنوع من التذكير بما يحدث، وللتعبير عن الكبت، وليس تنفيسه، مما يهدد بانفجار في اي وقت، مستدلا على ذلك بنكتة "خلوا الشهداء يستخبوا" التي جاءت بعد وضع اسم احد ضحايا مذبحة ماسبيرو على لائحة المتهمين، مضيفاً أن النكتة رغم أنها ليست أكثر من مزحة إلا أنها حملت الكثير من الألم الذي عبرت عنه النكتة ولم تنفسه. وتقول سامية بكري- الكاتبة الصحفية- وصاحبة كتاب (ظرفاء الفيس بوك) أن وسائل التواصل الاجتماعي خاصة "الفيس بوك" لعبت دورا فى انتشار الضحك السياسي في مصر، مشيرة إلي أن الفيس بوك تسبب في إخراج طاقات واسعة لدي المصريين من مختلف الفئات والمهن، فإنهم يطلون جميعاً على الفيس بوك بالوجه الضاحك الساخر لهم، والذي يتناولون من خلاله جميع القضايا العامة الإنسانية، السياسية منها والاقتصادية، والاجتماعية، ليكونوا بحق ممثلين لظرفاء لهذا الجيل الذي تطورت وسائل إعلامه، وحصوله على الأخبار ومواكبة الأحداث. وأضافت بكري: مع ظهور موقع التغريدات "تويتر" الذي يشترط أن تكون التغريدة مكونة من 410 حرفاً فقط، يدفع الكاتب لتركيز ما يكتبه وهو ما يضطره للجوء إلي الكتابة الساخرة.